أجواء موسم الخريف: بحث عن الراحة.. وإحياء لعادت الأجداد

جمعة, 09/04/2015 - 11:09

تحقيق ـ أنباء أطلس ـ يتميز الريف الموريتاني في فصل الخريف بالخضرة اليانعة ونقاوة الجو، وهنالك الحياة الوادعة وبساطة العيش ورحابة الطبيعة وحرية التفكر والنظر لما وراء الأفق . 

هنالك أيضا مناظر المياه الرقراقة في الوديان والأشجار الوارفة الظلال وزقزقة العصافير وتغريد الطيور وأصوات الحيوانات تغدو وتروح من المراعي والتنزه مساء على الكثبان ذات الرمال الذهبية والتعرض للنسمات الأصيل وهي تداعب ما في الكون،ورصد لحظات فريدة كغروب الشمس حين بدأ الهدوء يجلل الحياة في لحظات لا تنسي يظهر فيها قرص الشمس أحمر قان من خلف الأفق البعيد تماما كما هي حال ميلاد الشروق الذي يرمز للحياة الجديدة الكون حيث أشعة النور تخرج من حجب الظلام.

تلك صور من الريف "البادية" الموريتانية الأصيلة والتي عرفت تحولات كثيرة في العقدين الأخيرين بفعل تحولات فرضتها العولمة وجعلت سكان الريف يتقلصون كثيرا لصالح الهجرة للمدن.

في التحقيق التالي صور وعادات من أجواء الخريف الموريتاني .

 

مسلمات..كثيرة..

 

ﻳﺴﻮﺩ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻴﻴﻦ ﺍﻥ الخروج الى البادية في موسم ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻳﺤﻤﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺘﻠﻮﺙ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻷﻣﻄﺎﺭ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻻ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺍﻏﻠﺐ ﻣﺪﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻜﺎﺕ ﻟﻠﺼﺮﻑ ﺍﻟﺼﺤﻲ، ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺍﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﻟﻠﺒﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻳﻤﺪ ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ .

يعيش الموريتانيون في البادية ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﻣﻐﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺒﺎﺕ ﻏﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﻭﺗﺤﺖ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﺍﻟﻤنير ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺎﻣﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺆﺍﻧﺴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﺸﺎﻱ ﺍﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ﺑﻨﻜﻬﺘﻪ ﻭ ﻃﻘﻮﺱ ﺗﺤﻀﻴﺮﻩ.

من المسلمات أيضا أن العيش  في الريف يطيل العمر ويحافظ على قوة الصحة .

ويعتقد البعض ان الخروج للريف ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺘﺮﻭﻳﺢ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍلاﺑﺘﻌﺎﺩ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻏﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺎﺕ ﻭﺍﻻنترنت ﻭﺗﻌﻮﻳﺪ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺮﻣﺎﻳﺔ والفروسية .

 

تحولات في حياة البداوة ...

 

سعيا منا لمعرفة أبرز التحولات التي عصفت بالحياة البدوية الأصيلة في موريتانيا أجرينا استطلاعا مع بعض المهتمين بأجواء البادية وكثيري الاصطياف في مواسم الخريف فكانت آراؤهم على النحو التالي:

الشيخ من مرتادي الريف في فصل الخريف يقول للأسف أجواء البداوة التي تربينا عليها وعشناها صغارا وفي مرحلة الشباب لم تعد موجودة،فمثلا أصبحت السيارات هي وسائل النقل الأولى وغالبية البوادي قريبة من الحضر أو إحدى الطرق والنقل ليس على الحيوانات سواء للمؤونة أو للمياه بل على السيارات غالبا.

كما حضرت أجواء المدينة في الضوء والمسكن "البيوت والأعرشة  " بدل الخيام والحصير من البلاستيك بدل الحصير لتقليدي والأغطية العصرية بدل" الفرو"،كما غابت أواني البادية من "كدت يطه المشكر وبراد المشكر" وغيرها ، لتحل محلها أواني عصرية.

اما خديجة وهي ربة بيت وعاشت ردحا من الزمن في البادية الموريتانية الأصيلة فتقول لم يعد فصل الخريف في موريتانيا نعيش فيه أجواء البادية الحقيقية بفعل ما زحف على الريف من مغريات المدينة في المسكن والملبس والأواني وغيرها،ذلك أن حياة البادية الحقيقية تستلزم البعد كليا عن كل ماله علاقة بالمدينة،كما أن عادات كثيرة في الريف خاصة في المسكن والملبس ونمط العيش والسهر والمؤانسة انقرضت ولم تعد موجودة.

امبارك راع وجالب السقي يقول"بتحسر" رحم الله أيام البادية الحقيقة حيث كنت اللهو مع الحيوانات في البراري المعشوشبة ولا اسمع إلا أصواتها مع الطيور،كما أأكد لك أن البادية الأصيلة في موريتانيا باتت شبه منعدمة فالسقي لم يعد بالقرب وعلى ظهور الحيوانات ومن الآبار التي نجلب منها الماء ب"تنيويل" على ظهر حمار اثو راو جمل"،كما أن الكثير من الأواني والألبسة والحاجيات الأصيلة التي كانت مستعملة في الريف الموريتاني "البداوة الأصيلة انقرضت.

 

عادات كثيرة ..عفا عليها الزمن

 

يقول بعض العارفين بالعادات  في موسم الخريف الموريتاني إن الكثير منها انقرضت ومنها "ونكاله" وهي شراء اسر معينة لشاة كل أسبوع معين وتوزيعها،بالاضافة للبس النيلة للنساء لتنظيف اجسامهن ,ولبس دراعتين مختلفتين لونا للرجال واستعمال "لكشاط" ولعمامه في لباسهم.

كما انقرضت جلسات السمر حول الشاي بالنسبة للرجال مع المطارحات الشعرية والقصص والمؤانسة على ضوء القمر،وكذا جلسات المديح ليلا،بالاضافة لتنزه الفتيات على الكثبان مساء خاصة بعد نزول المطر،كما اختفت عادات توزيع الطعام بين الاسر وتقديم "لفروح" لها عند مجيئ كل قادم . كما تغيرت أنماط الغذاء لتصبح 3 وجبات غالبيتها كما يطبخ أهل المدينة مع استعمال الضوء العصري وغياب الضوء بنار الحطب ،ولم يعد يكتفى بالحليب الا للنساء فقط وليلا.

كما تحرص بعض الأسر الموريتانية فيه على الرجوع لعادات بدوية قديمة كالرماية و"السيك" وكرور" ويتنافس الرجال فيه من خلال سباقات الخيل والإبل ويكثر في هذا الفصل تنظيم السهرات الليلية على الرمال أمام الخيام وتحت أشعة ضوء القمر الزاهية ،ويحرص الجميع على استلهام معاني الطبيعة والتمتع بمناظرها مع التأمل في الفضاء الرحب واستنشاق الهواء النظيف والشعور بحرية لم يعهدوها بسب قيود المدينة، مع الحرص على تنظيم بعض حفلات الزفاف.

 

أسباب وجيهة ..لمدن مهجورة

ويعلل بعض الباحثين في "علم الاجتماع" ظاهرة هجر الموريتانيين للمدن نحو الريف"البادية"في موسم الخريف بما يلي:

عدم وجود أماكن للترويح عن النفس في المدن الكبيرة

تجذر البداوة في نفوس الكثير من الموريتانيين حيث الخيمة حاضرة على سطوح المنازل وفي أرقى أحياء العاصمة،وأمام ردهات المنازل وحيث تسرح الماشية دون رقيب بالمدن.

ضعف اهتمام الدولة بترقية المدن على حساب الريف حيث يلاحظ افتقار عامة المدن لأبسط أبجديات التمدن التي توجد في نظيراتها من مدن العالم التي تزدان بالمتنزهات والمسارح المفتوحة طوال الوقت لتوفير الراحة والمتعة والترفيه للمواطنين.

فوضى الحياة العامة ببلادنا حيث تتحكم القبيلة فى مسار الحياة وتحرص على خلق أماكن نفوذ لها توازي سلطة وقوة الدولة وهو ما ينتج عنه "التقري الفوضوي" في الريف الذي ساهم فى تبذير وتبديد المال العام وأثقل كاهل الدولة .

. ضعف الوعي بأهمية التمدن وسيطرة عقلية الخمول على الشعب بوجه عام

. تراجع دور المثقف فى محاربة الظواهر الشاذة المتعلقة بالتقري الفوضوي وتعطيل الإدارة

يتنفس الموريتانيون الصعداء بعيدا عن المدينة في فصل الخريف بين الجداول الرقراقة وعلى الرمال الذهبية.

صور جميلة ...من موسم الخريف

 

يحن الموريتانيون في فصل الخريف إلى صور جميلة شتى بدء  بالأودية والسهول الخضراء و حليب الماشية الطازج مرورا بصوت خرير المياه وهي تنساب بين الجداول والأشجار ، و السماء الملبدة بالغيوم وجو الأنواء والأمطار  وانتهاء بالخيام المنصوبة قريبا من الأعشاب الخضراء مع مناظر الرمال المكسوة برذاذ مياه المطر.

ومن صور البادية الموريتانية الأصيلة مناظر الحيوانات وهي تسابق غروب الشمس قادمة من المراعي وأصواتها من ثغاء وخوار وغيرها،ومنظر غروب الشمس بعد أن تصبح قرصا أحمر قان ومنظر شروقها عندما تبدد خيوط النهار جحافل ظلمات الليل.

 ومنها كسر رتابة الواقع.. فالتلاميذ يودعون فصول الدراسة ويتوجهون إلى البادية وفضاءاتها وجوها النقي والرجال يعودون إلى حياة الطفولة أيام حيث تربوا في غالبهم تحت الخيام في حياة بدوية. .

و تتوفر موريتانيا على سهول وأودية و روافد يمر تغمرها مئات الأمتار المكعبة من الماء سنويا فسهول شمامة وآفطوط وافله والحوضين والعصابة وغيرها تعتبر من أهم مناطق المناطق حيث الزراعة والتنمية الحيوانية .. والبحث عن اجواء موسم الخريف .

ومن الصور المهمة في البادية الموريتانية الأصيلة الكروم ونقاوة السريرة ..وطريقة اكرام الضيوف بنافيها من موائد وذبائح وتقديم للشراب وطريقة اعداد الشاي على الطريقة البدوية الاصيلة .