التربية الإسلامية في التعليم الثانوي: هل يصلح المرسوم الجديد ما أفسد الدهر؟

أربعاء, 03/30/2016 - 08:57

تحقيق خاص (أنباء أطلس): يعتبر التعليم النظامي المؤسسة الرسمية المنوط بها تربية وتعليم الأجيال الحاضرة والمستقبلية خاصة من النشئ والشباب، في المرحة الثانوية التي هي مرحلة هامة في تكوين شخصية الشاب، وبدء تشكيل شخصيته النهائية التي تلعب التربية الدينية فيها دورا كبيرا، لأننا دولة إسلامية تغلب على مجتمعها صفة المحافظة.

من هنا تتجلى أهمية تدريس هذه المادة في المراحل الثانوية، وإعطائها قيمة كبيرة من حيث ساعات التدريس وعدد النقاط، واحترام مدرسيها على غرار مدرسي باقي الشعب الثانوية الأخرى.

وقد عرفت مادة "التربية الإسلامية"، تراجعا كبيرا من حيث الاهتمام الرسمي بها حيث تضاءل عدد ساعات تدريسها وضاربها كثيرا، منذ إصلاح التعليم 1999 في مختلف مراحل التعليم الثانوي، ليصل الأمر إلى حذفها من كل شعب الباكلوريا عدا "الشعبة الأصلية".

في التحقيق التالي نتعرف على واقع مادة التربية الإسلامية وأهميتها، وطريقة معالجة السلطات لضعف الاهتمام بها.

 

 

في الواقع ...مادة منسية

 

خلال إعدادنا لهذا التحقيق، سألنا بعض أساتذة المادة والتلاميذ والمفتشين في التعليم الثانوي، عن أهميتها حسب المقرر الدراسي الرسمي. فجاءت إجاباتهم على النحو التالي:

عبد الله والمختار تلميذان بالشعبة العلمية والرياضية، أكدا أنها مادة منسية بالنسبة للشعب العلمية أصلا، حيث كثيرا ما يتغيب عنا التلاميذ بسبب اعتبار ضاربها 1 ، ويمكن تعويضها حتى بالتربية المدنية أو الرياضة . وبعدما تم اإلغاؤها العام الماضي من الباكلوريا، زاد تهميش تلاميذ الشعب العلمية لها.

أما الشيخ وسيدي بويه والعالم فهم أساتذة لمادة التربية الإسلامية منذ فترة طويلة، ويقولون إن واقع المادة مزري، حيث همشتها الإصلاحات المتعاقبة في الضارب، وفي المقرر وهي الآن تعمل   بصورة متدرجة لتحذفها من المراحل الثانوية المتقدمة.

ويؤكدون أن أساتذة المادة المتقنين لها، عددهم قليل ويتناقص بسرعة كبيرة، نتيجة التقاعد والأمراض وغيرهما، في حين لا تكتتب الوزارة المعنية أعدادا كبيرة، في الغالب 20 أستاذا في حين تكتتب العشرات في المواد الأخرى وبصورة سنوية.

أما من ناحية المجتمع، فيحتقر أستاذ المادة وينظر له بكثير من الدونية مقابل الاحترام والتقدير لأساتذة مواد أخرى كالفرنسية والرياضيات والفيزياء، وهي نظرة سلبية ينقلها التلاميذ إلى الفصول وزادت في استهتارهم بالمادة واحتقارهم بشتى الطرق.

وطبعا سمعنا عن قرار الدولة الأخير إصدار مرسوم بتثمين المادة ورد الاعتبار لها في التعليم الثانوي ونرجو أن يطبق وان تفهم السلطات المعنية، أن بناء جيل واع وبعيد عن الغلو والتطرف والانحلال ينطلق من تشبعه بالعلم الشرعي، وأن ينهل من منبع الأخلاق والسيرة النبوية ومعرفته بالمعاملات الإسلامية والعبادات انطلاقا من الفقه وهذه محاور المادة الرئيسية.

ويقول المفتش بالتعليم الثانوي عيسى، إن الدولة يجب أن تعكف على مراجعة شاملة للبرامج التربوية وان تبعد عنها السياسة، كما يجب أن يكون في مقدمة أولويات تلك المراجعة النظر لزيادة ساعات التدريس لتربية الإسلامية وزيادة ضاربها، حتى يكون التلاميذ على وعي بأهميتها في نجاحهم، إن لم يكونوا كذلك في ادارك أهميتها لحاضرهم ومستقبلهم، وبالتأكيد أن هذه المادة همشت كثيرا في العقود الثلاث الماضية، كما يحتاج مضمونها لمزيد من التنقيح في بعض كتب المراحل الثانوية وتجديد بعض المحاور فيها .

 

احتجاج .. على التهميش

 

احتج أساتذة التعليم الثانوي في يونيو الماضي على حذف مادة التربية الإسلامية من امتحان الباكالويا وقالوا ان وزارة التهذيب غير جادة في خطوة ترسيم مادة التربية الإسلامية،  بمستويات الثانوية العامة، كما أن المستندات التي أرسلتها الوزارة للمؤسسات التعليمية لا تتضمن أي اختبار للمادة وهو ما يؤكد أنها لم تتراجع عن قرارها.

وكانت وزارة التهذيب قد قررت حذف مادة التربية الإسلامية من امتحانات الثانوية العامة، وذلك من الشعب العلمية والرياضية والآداب العصرية، وأبقت على امتحان مادة التربية الإسلامية فقط في شعبة الآداب الأصلية  العام الماضي.

وقال بعض الاساتذة إن الأطر التربوية، لاحظوا حذف مادة التربية الإسلامية من المستندات التي أرسلتها الوزارة للمؤسسات التعليمية والمتضمنة كشفا لوضعية مستوى كل مادة في نهاية امتحان الفصل الأول.

وأضافوا أن ذلك يؤكد أن الوزارة ماضية في السياسة التي اتبعتها العام الماضي، حيث بذل أساتذة أقسام الباكلوريا جهوداً مضنية في سبيل تدريس مادة التربية الإسلامية وفوجؤوا أن امتحانات الباكالوريا، لم تتضمن مادة التربية الإسلامية رغم تدريسها.

وأكدوا أنهم لن يقبلوا بأي حال تكرار سيناريو العام الماضي، ودعوا الوزارة للإفصاح عن مبرر تغييب التربية الإسلامية في امتحان الفصل الأول الموجه للمؤسسات، وطالبوا باتخاذ خطوات ملموسة تطمئن الأساتذة أن المادة بالفعل سيتم دمجها في امتحانات هذا العام.

وسلّمت منسقية أساتذة التربية الإسلامية واللغة العربية، رسائل احتجاجية لوزارة التهذيب فيما بعثت رسائل أخرى لرئاسة الجمهورية، ودعت إلى تحرك حازم حتى يتم التراجع عن قرار الإلغاء.

كما نظم  منتدى العلماء ندوة علمية بعنوان "التربية الإسلامية وسنة التعليم"، وكان هدفها التنديد بإقصاء مادة التربية الإسلامية من المناهج الدراسية والتنبيه على أهمية المادة ، وشاركت فيها مجموعة من العلماء والأئمة.

 

 

إحصائيات هامة

 

عدد ساعات تدريس التربية الإسلامية بين 2و3ساعات في الأسبوع

عدد الضارب 1 أي مجموع 20 نقطة

عدد مؤسسات التعليم الثانوي 205 مؤسسة

عدد التلاميذ في التعليم الثانوي 90 ألف (2011)

المترشحون لشهادة الاعدادية45 ألف(2014) العام الماضي 35202

عدد المرشحين للباكلوريا 2015 بلغ 41986

المترشحون للباكلوريا 52107 مترشحا (2015)

نسبة النجاح في الباكلوريا 9% (2013و2012)

نسبة النجاح في الباكلوريا (10%) سنوات 2006

أدنى نسبة نجاح في الباكلوريا (7.8%)2007

عدد الأساتذة إجمالا 30 ألف أستاذ

 

التربية الإسلامية .. المكانة الرفيعة

 

لا يجادل احد في المكانة الرفيعة للدين الإسلامي والاعتناء بكل ما يرفع من قيمته في بلد كالجمهورية الإسلامية الموريتانية التي يدين شعبها جميعا بالإسلام ويكرسه الدستور دين للدولة والشعب.

وطبعا تعتبر مادة التربية الإسلامية، هي المكون الأول للخلفية الدينية للشباب الموريتاني في المدارس الرسمية، كما أنها المادة الوحيدة في المنهاج التربوي الرسمي، التي من شانها أن توفر تربية دينية ونفسية سليمة للفرد، وتمكنه من بناء شخصية متوازنة النظرة، وبعيدة عن أسباب الغلو والتطرف من جهة والتفسخ والانحلال الأخلاقي من جهة أخرى.

وتسعى هذه المادة إلى تكوين أجيال ونخب تستجيب للمتطلبات الوطنية والقومية، وهذا لا يمكن تحقيقه إذا لم تتشبع منظومتنا التربوية من الروافد المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف، لأن الرجوع إلى الفكر العربي الإسلامي الأصيل في بناء الفلسفة التربوية، يشكل صمام أمان في وجه موجة إفساد عقول الشباب، والغزو الفكري والثقافي، و لأن الإسلام دين يقوم على العقيدة الراسخة والعبادة الخالصة لله الواحد الأحد، وهو دين يدعو إلى التفكير والنظر، ويحث على الأخلاق الكريمة والعلم والعمل.

أما الإنسان الذي أعرض عن التعاليم الدينية ،أو تم حجبها عنه لأي سبب ، فسيشعر بالإحباط والقلق والتوتر والاضطراب النفسي والفراغ الروحي والاكتئاب، ويكون معرضا أكثر من غيره للانتحار والهروب والإختطاف والعقوق والإدمان على المخدرات والمستجدات التافهة، والفساد الخلقي والاجتماعي. لذلك أولى الإسلام رعاية كبيرة، وعناية بالغة بالشباب؛ من حيث تربيته وتنشئته على الخير والصلاح، وحمايته ووقايته من الشر والفساد، واستجابة لهذا التوجه فإن المتعلم الذي اهتم بدينه الحنيف حري به أن يعرف قيمة الدنيا، و يعلم أنها مطية الآخرة وأن ما عمله فيها سوف يجده ويحاسب عليه، كما أنه يدرك أن التربية الإسلامية هي التي تنظم حياة المسلم وتحقق له السعادة في الحياة الدنيا والآخرة، لأن المضامين المعرفية لهذه المادة تكتسي صيغة تعليمية قابلة للتحول إلى أنشطة تساهم في تشكيل ذات المتعلم وشخصيته المستقبلية.

 

السلطات: "نولي اعتبارا كبيرا للمادة"

في سبيل الرفع من مكانة المادة أصدر مجلس الوزاري الأسبوع الماضي، مشروع مرسوم يعدل مرسوما يتعلق بترقية المادة خاصة في شعب الباكلوريا، يقول بيان مجلس الوزارء:" تم اصدار مشروع مرسوم يلغي و يحل محل بعض ترتيبات المرسوم رقم 034-2011 الصادر بتاريخ 1 فبراير 2011 والمرسوم رقم 334-2011 بتاريخ 18 دجمبر 2011 القاضيين بإعادة تنظيم شهادة الباكلوريا الوطنية .

يأتي مشروع المرسوم الحالي استكمالا للاجراءات الرامية إلى استعادة التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها في نظامنا التربوي عموما، وفي امتحان الباكلوريا خصوصا .

كما يترجم الأهمية القصوى التي توليها السلطات العمومية للمحافظة على ثوابت مجتمعنا ومقومات هويتنا وأصالتنا ولترقية قيم التسامح والسلام التي يقوم عليها ديننا الحنيف في مواجهة التطرف العنيف الذي يعصف بعالم اليوم ".