النظام والإسلاميون: لماذا "الحرب الإعلامية"؟ وهل هي "سحابة صيف"؟

ثلاثاء, 05/17/2016 - 14:03

تحليل خاص (أنباء أطلس): تشهد موريتانيا حرب إعلامية شرسة منذ عدة أسابيع بين مسؤولين ومدونين تابعين للنظام وبعض أنصار الإخوان المسلمين في موريتانيا المحسوبين على حزب" تواصل" الجناح الإسلامي للحركة بموريتانيا .

وقد عرفت هذه الحرب منحنى كبيرا الأسبوع الماضي بفعل انتقادات علنية من مسؤولين سامين في النظام على شاشات قنوات خصوصية للإخوان في موريتانيا، إلى درجة أن طالب البعض منهم بحل حزب" تواصل" واعتبار الإخوان حركة "هدامة" ومصدر كل "شر".

الإخوان المسلمون في موريتانيا بدورهم أكدوا من خلال حزب "تواصل"، أن حركتهم قائمة على فكرة قبل أن تتشكل في إطار حزب سياسي وسيواصلون عملهم داخل الحزب وان لم يتضاعف عملهم داخله فلن يضعف إذا تم حله.

مراقبون كثر يتساءلون عن أسباب الحرب الإعلامية الحالية بين النظام والإسلاميين  وهو ما نحاول الإجابة عليه في التحليل التالي.

 

هجوم كاسح من النظام

سخر النظام شخصيات منه بصفة رسمية للهجوم على حركة الإخوان المسلمين بموريتانيا عبر وسائل إعلام مستقلة. وكانت إشارة الرئيس في خطابه بالنعمة إلى خطورة الاتجار بالدين شرارة انطلاق الحرب الإعلامية الحالية بين الفريقين.

وقد وصل الأمر بعبد الله ولد أحمد دامو المكلف بمهمة في الرئاسة، أن طالب بحل حزب التجمع الوطني للإصلاح الجناح السياسي للإخوان بموريتانيا.

«ونوه بأن  النشاطات التي يقوم بها «الإخوان» تجاوزت الخطوط الحمراء كافة.

كما دخل الدكتور محمد إسحاق الكنتي المستشار الصحفي للرئيس على الخط ليهاجم الاخوان بموريتانيا وليؤكد أنهم يشكلون "خطرا على موريتانيا وعلى الأمتين العربية والإسلامية".

وأكد الكنتي"أن إخوان موريتانيا يتوفرون على الأموال التي حصلوا عليها بصفة غير شرعية لكونها في الأصل صدقات وزكوات استحوذوا عليها".

وقال الكنتي "بأن حزبهم  حزب هدام، نافيا أن يكونوا شركاء في الوطن لأنهم لا يحبون مصلحته" .

ووصف « الإخوان بأنهم حركة ماسونية وأنهم بعيدون من الإسلام ولديهم قيادتهم السرية التي يتبعون لها» مشيرا "إلى أن قيادة حزب التجمع الحالية واجهة فقط فالحزب، حسب قوله، تسيره قيادة سرية وهو يتبع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين".

وأضاف «أن حزب «تواصل» حزب غير مهم ومتقلب وليس له موقف فقد خان المعارضة والسلطة وكان مع السلطة قبل ما يسمى" الربيع العربي وانقلب عليها"

وتحدث الدكتور الكنتي عن الظروف التي اكتنفت ترخيص الحكومة لحزب التجمع فأكد أن هذا الحزب حصل على ترخيص من طرف نظام ضعيف أراد تحييد الإسلاميين عن الخوض في موضوع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وعند الترخيص لحزبهم ودخولهم في الحكومة سكتوا عن التطبيع نهائيا».

وقال «إن من ينكر الحدود ويسمح بفتح الخمارات بجنب المساجد لا يمكن وصفه بأنه إسلامي".

 

الإخوان... في موقف الدفاع

بدوره دافع محمد جميل منصور رئيس حزب "تواصل" في مؤتمر صحفي عن الإخوان بموريتانيا قائلا  إن حزب «تواصل» فكرة قبل أن يكون حزبا، وأن المنتمين إليه وقادته يؤمنون بفكرة ويعتبرون أنها الأصلح لإدارة الشأن العام وعلاج مشاكل المجتمع".

وأضاف «نحن متشبثون بالعمل داخل المؤسسة الحزبية التي نوجد فيها الآن، لكننا نؤكد أن نضالنا وحماسنا وعملنا إذا لم يتضاعف خارج الحزب فلن ينقص بحله"

وقال «إننا في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية قوم لا نهدد لكننا لا نقبل أن نهدد".

وأكد محمد جميل "أن مناضلي حزبه لن يقبلوا أن يشغلهم النظام عن مسائل جوهرية في الوطن فهم لا يعيرون كثير اهتمام للتلميح والتصريح الذي حرص الجميع على التعبير عنه، فهم مجموعة من الرجال والنساء آمنوا بفكرة وهم لها خادمون".

وأضاف "لن نقبل بأي صوت يعلو على صوت معركة الدستور، ولن نقبل أن نهتم بمشكلة أهم من مشاكل الغلاء وارتفاع الأسعار والفقر»، مبرزا «أن حزبه منشغل بالمحافظة على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي التي هي أبرز مقومات الخطاب الذي يتبناه الحزب والمشروع الذي يؤمن به".

وأشار ولد منصور إلى "أن حزبه يصر وبقوة على أن السلم والوحدة الداخلية يجب أن تبنى على العدل والمساواة والحرية والشراكة، ويرفض أي تمييز على أساس العرق أو اللون أو الجهة أو الجنس".

ويتوقع مراقبون لهذا الملف استيقاظاً وشيكا لاستهداف الإخوان في موريتانيا وهو الاستيقاظ الذي تؤكده مؤشرات عدة بينها الإنذار الذي وجهته السلطة العليا للصحافة لقناة "المرابطون".

وكان الإخوان قد زادوا من وتيرة معارضة النظام، حيث وجهوا له انتقادات كثيرة على لسان مسؤول في حزب "تواصل" في وقت سابق من العام الحالي، حيث انتقده محمد غلام ولد الحاج الشيخ، بالقول  إن "ولد عبد العزيز عمد إلى تطهير الوزارات والدوائر الحكومية من الموظفين الإسلاميين وقرر إغلاق جمعية المستقبل كما قرر الاستجابة للتيار اللائكي في البلد الذي يعتبر المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية شبكة عقارب يجب التخلص منه ".

وأضاف"ثم أحاط الرئيس نفسه بحثالة من بقايا مرتزقة القذافي الفاشلين مثل سيدهم الذين لم يغنوا عنه من غضب الجماهير، تلك الطغمة التي تقطر حقداً وتنفذ سموماً، وليس لها وأخواتها من بارونات التسكع على بقايا موائد الحكام إلا التخويف من الإسلاميين والتهويل من شأنهم لياتي الدور على الانفتاح الاعلامي ومحاولة التضييق عليه".

 

إذا عرف السبب ...

يرى مراقبون كثر أن الحرب الإعلامية الحالية التي يخوضها النظام ضد الإخوان في موريتانيا لها عدة أسباب :

الأول: التأثير على المعارضة الراديكالية في المنتدى التي يعد حزب "تواصل" رأس حربة فيها من خلال خفض معنويات الحزب بالحديث عن حله .

الثاني: الاصطفاف مع دول عربية في حربها ضد الإخوان لتحقيق مصالح سياسية ومالية

الثالث : سعي في توحيد  الموقف السياسي مع مواقف دول عربية هامة في المنطقة العربية، من خلال مطاردة ومهاجمة الإخوان أسوة بدول الخليج العربي ومصر، قبل حلول موعد القمة العربية. وذلك سعيا  من النظام الموريتاني للظفر بحضور عربي كبير لهذه القمة، الأولى على أرض موريتانيا من جهة وسعيا لتمويل من دول الخليج خاصة السعودية لتكاليف هذه القمة من جهة، وطمعا في مزايا اقتصادية تعود على البد بالنفع  على المدى البعيد من جهة أخرى.

الرابع: يعود لرغبة النظام في التغطية على موقفه الديبلوماسي المتناقض والغامض من لب الصراع الحالي في منطقة الشرق الأوسط "الأزمة السورية". حيث لم يحدد موقفه بشكل كبير على غرار دول الخليج ومصر، التي قاطعت النظام السوري.

ومن المعلوم أن النظام الحالي له علاقات ممتازة مع إيران التي تعتبر اكبر عدو لدول الخليج العربي ومصر التي هي المحور العربي الأساس المؤثر في العمل العربي المشترك، بعد سقوط النظام العراقي السابق ونتائج ما عرف بـ"الربيع العربي"التي أسقطت أنظمة حكم زعامات كانت مؤثرة في العمل العربي المشترك كالقذافي وصدام حسين .

 

لمحة من تاريخ الإخوان بموريتانيا

حركة الإخوان المسلمين دخلت إلى موريتانيا منتصف سبعينيات القرن الماضي على يد طلاب درسوا في مصر وفي السعودية.

والتزم تنظيم الإخوان في موريتانيا العمل السري منذ 1975 إلى 1991 حيث خرج نشطاؤه للعلن مع بدء دخول نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في تعددية سياسية وخروجه من النظام العسكري.

وقد تعرض سياسيوا الإخوان المسلمين للكثير من حملات الاعتقال والمضايقة في عملهم السياسي، خلال حقبة ولد الطايع خاصة  بعد إقامة  العلاقات مع إسرائيل رسميا 1998، كما تعرضت بعض الأحزاب التي كانوا يعملون من خلالها للمضايقة، وكانت آخر هذه الحملات تلك التي عرفها التيار في آخر عهد الرئيس ولد الطايع 2003 الى 2005 حيث هرب كثيرون من قادة التيار ونشطائه وسجن البعض منهم.

وقد حاول الإخوان عام 1994، تأسيس حزب سياسي سموه «حزب الأمة»، غير أن نظام ولد الطايع وقف دون ذلك فاضطر الإخوان لممارسة العمل السياسي من داخل الأحزاب المعترف بها. ثم أسسوا عام 2001 مجموعة الإصلاحيين الوسطيين التي قدمت نفسها للرأي العام على أنها «مجموعة معتدلة في فكرها وسطية في رؤاها بعيدة عن العنف مؤمنة بالديموقراطية»، ولم يشفع كل ذلك لها.

وجددت الجماعة مساعي الحصول على الاعتراف بحزبها بعد سقوط نظام ولد الطايع في انقلاب عام 2005، غير أن المجلس العسكري الذي حكم بعده رفض ذلك. لكنها حصلت في عام 2007 في ظل حكم الرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبد الله على الاعتراف السياسي بحزبها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية.

وحقق هذا الحزب قفزات نوعية في الشعبية بالساحة الموريتانية، اعتمادا على منهجيته الواقعية القائمة على قبول المتاح، كما أثبتت ذلك حملة الانتساب المهيئة لمؤتمره الثاني المنعقد عام 2012، وكما أكدته نتائج الانتخابات البلدية والنيابية، التي نظمت أواخر السنة قبل الماضية والتي حصل فيها الحزب على ستة عشر مقعداً نيابياً محتلاً موقع أولى كتلة معارضة في البرلمان.

ومرت علاقات حزب التجمع المنضوي ضمن أحزاب منتدى المعارضة بالنظام الحاكم حاليا في موريتانيا بحالات مد وجزر، حيث سبق للحكومة أن أغلقت جمعية المستقبل الذراع العلمية والمالية للجماعة، كما أن العلاقات القوية بين موريتانيا وبعض الدول العربية المعادية لحركة الإخوان المسلمين، تجعل وضعية إخوان موريتانيا معرضة لمزيد من التعقيد.

ويرى مراقبون أن الإخوان المسلمين في موريتانيا، يعملون وفق خطة مدروسة تعمل وفق منهجية الإسلام "المعتدل" أسوة بحزب العدالة والتنمية في كل من المغرب وتركيا وحزب النهضة بتونس وهي أحزاب تبتعد عن التشدد وتحرص على ممارسة العمل السياسي، في جو منفتح وإرساء شراكة مع الأطياف السياسية الأخرى من علمانية ويسارية، وبناء على هذه الرؤية وحرص النظام على صورته الديمقراطية من جهة ورغبة في استمالة أطياف المعارضة للحوار المرتقب، فإن هذه الحرب الإعلامية لن تكون أكثر من "سحابة صيف ".