أحمدو السالم ولد الداهي ٠٠ فقيد العلم والأدب، الدكتور محمد الحنفي بن دهاه

سبت, 09/24/2016 - 15:59

تعرفت على العابد الأديب أحمدو السالم ولد الداهي في بداية سبعينيات القرن الميلادي الماضي، وكنت وقت ذاك تلميذا في المدرسة النظامية في السنغال، حيث كان يرتاد قريتنا مدينة الخير من حين لآخر، فينزل عند عمي المرحوم حرمة بن خين بن ببانا الذي كنت أسكن معه، وكانت تربط أحمدو السالم بعمي حرمة علاقة روحية منشؤها اتحاد المشرب الصوفي على نهج المربي النفاع عبد الله بن محمد فال بن باب، وهي نفس العلاقة التي كانت تربطهما بالوالد دهاه، وهي أقوى من الوشائج الطينية التي لا يعولون عليها في اختيار الاخوان والأخلاء، كما يقول الشاعر:
خلِّ الغرامَ لصب دمعهُ دمهُ
حيرانَ توجدهُ الذكرى وتعدمهُ
واقنعْ لهُ بعلاقاتٍ علقنَ بهِ
لو اطلعتَ عليها كنتَ ترحمهُ
عذلتهُ حينَ لمْ تنظرْ بناظرهِ
و لاَ علمتَ الذي في الحبِّ يعلمهُ
لوْ ذقتَ كأسَ الهوى العذرى ِّ ما هجعتْ
عينيكَ في جنحِ ليلٍ جنَّ مظلمهُ
و لاَ ثنيتَ عنانَ الشوقِ عنْ طللٍ
بالٍ عفتْ بيدِ الأنواءِ أرسمهُ
مالحبُّ إلاَّ لقومٍ يعرفونَ بهِ
قدْ مارسوا الحبَّ حتى هانَ معظمهُ
عذابهُ عندهمْ عذبٌ وظلمتهُ
نورٌ ومغرمهُ بالراءِ مغنمهُ

وقد بدأت علاقتي الأدبية مع "ولد الداهي" في ذلك الوقت ، حيث رويت عنه زياراته ل"تمبيعل" التي كانت حديث الناس تلك الساعة، ومن غريب ما اتفق لي معه أنه أملى علي ثلاث "اطلع" من زياراته لتمبيعل لم تشتهر منها إلا الأولى التي يقول فيها: 
يهل تمبيعل اصديكً٠٠٠٠ أمعاكم ما مدخول ظيك
وال عدتول فطريك ٠٠٠٠ يصلح الله اطريكُ
ماه محتاج ايكٓول كٓيكٓ ٠٠٠٠ كد الفيه أصرط ريكُ
لعاد ابذنبُ ينغفر٠٠٠٠ والدهر افلش من ظيكُ
اولعاد ابعيبُ ينسترْ٠٠٠٠ وأتعود الناس اصديكٌ
٠٠٠٠٠
وكان سبب الطلعتين الثانية والثالثة أنه كان في مجلس أدبي -كما حدثني بذلك عن نفسه- حُكيت فيه الطلعة الأولى فخصص أحد الحاضرين جائزة ألف أوقية لمن يأتي بطلعة على منوالها فأحجم الحاضرون عن ذلك، فقال ولد الداهي أنا آتيك باثنتين من نوعها ولا أريد منك شيئا ثم أنشد بديهة:
يهل تمبيعل اصديكْ ٠٠٠٠ امعاكم ما مدخول ظيك
وال عدتول في اطريكْ ٠٠٠٠ يصلح الله أُمورُ
ماه محتاج ايكٓول كٓيكٓ ٠٠٠٠ ايدور اير ش ايدورُ
وأنتوم هو جاركم ٠٠٠٠ وعليكم دار أمورُ
لُمورُ لما زاركم ٠٠٠٠ ما عندُ حد ايزورُ
ثم أنشد كذلك:
يهل تمبيعل اصديكْ ٠٠٠٠ امعاكم ما مدخول ظيك
وال عدتول فطريكٓ ٠٠٠٠ ايدور اير مرادُ
ماه محتاج ايكٓول كٓيكٓ ٠٠٠٠ مرادُ فعتقادُ
وايتم افهيأَ فاخرَ ٠٠٠٠ ما يبك في اجتهادُ
ش في الدنيَ وافلاخْرَ ٠٠٠٠ يبغ ايعود ما عادُ
٠٠٠٠٠
وبعد حفظي لهذه الزيارات طلب مني أن آتيه بدفتر وكتب لي فيه بخطه الكثير من إنتاجه الأدبي ضمنه بقية زياراته لتمبيعل وأدب لعويج وعددا من إبداعاته في مختلف الأغراض٠

وزيادة على ما تقدم فقد كنت معجبا بأناقة المرحوم أحمدو السالم ولد الداهي وحسن سمته وأعتبره بحق الأديب الجامع الذي وجدت كل طائفة من مجتمع البيظان حظها من إنتاجه، وكان لمنطقة "تزاكرت" التي ترعرعت فيها نصيبها الوافر من أدبه حيث يقول فيها :
فسخت لعمامَ ذي اتراب ٠٠٠٠ ومعاها زاد اتحاكرت
ال تزاكرت امنين غاب ٠٠٠٠ ذل غاب ال تزاكرت
٠٠٠٠
كما كان لسكان المنطقة من البيظان والذين يُعرفهم المجتمع ب"لبزوكة" نصيبهم من أدب ولد الداهي، حيث ذكرهم بالثناء والمدح وبالحنين والشوق وتغنى بطبيعة أرضهم الخلابة، ودون قصصا كثيرة من أيامه معهم ومن ذلك قوله:
هذا ما جان فت جاي ٠٠٠٠ مشيَ ماه ملحوكَ
عن لبزوكَٓ والله لايْ ٠٠٠٠ أعاكٓبنِ امع لبزوكَٓ 
وقد حضرت سنة 1974 إنشاءه لطلعته المشهورة في "جمجايرة" والتي وصف فيها طبيعة المنطقة ومرابع الحي أثناء موسم خريف ممطر في صورة بديعية قل نظيرها، وكان إذ ذاك صحبة سيدنا وشيخنا محمد بن اباه رحم الله الجميع حيث يقول:
تدليت لعراش الزينين ٠٠٠٠٠ الخظر افودان املانين
زين عند العينين اوزين ٠٠٠٠٠ اخظار الودان ايزنزن
وأنواع النوار امنَزين ٠٠٠٠٠ ال ينشاف افذ الزمن 
وافلزمنَ كامل لخرينْ ٠٠٠٠٠ يغير أخظر منهم وزينْ
عرش التيدومَ لِمدلِ ٠٠٠٠٠كِٓبِلْتْ الملزم لمزكننْ
كبلت واد ايمجيج ال ٠٠٠٠٠ كبلت تكيت أهل حمننْ

كما كان لمدينة الخير نصيبها من روائع أدب ولد الداهي حيث يقول فيها مخاطبا والدنا الشيخ محمد مختار بن دهاه رحمه الله تعالى:
يمدينَ مني اسلامْ ٠٠٠٠ أعل ذَا القطب امنين كامْ
وبناك أيطول ميت عام ٠٠٠٠٠ عُمرُ مزينها فينَ
بنيتْ مدينَ عاد عام ْ ٠٠٠٠٠ خير اعلين وعلينَ
بركَ تِجرِ وحسان تام ٠٠٠٠٠ وأودعونا وبْرينَ
وجبرنَ ذل كان هام ٠٠٠٠٠ وتمونكنَ وهنينَ
إلى أن يقول :
وال مزال الا اكلامْ ٠٠٠٠٠ شاعرن ومغنينَ
فرجل ذَا القطب الي ابناكْ ٠٠٠٠ اوعدلك يمدينَ 
فتبارك الله ذاك ٠٠٠٠ أحسنُ الخالقينَ

وقد ظلت علاقتنا مع المرحوم أحمدو السالم ولد الداهي متواصلة - وربما سأخصص حلقة أو حلقتين لذلك بعد هذه- إلى أن توفي رحمه الله تعالى، لتفقد المنطقة برحيله علما من أعلامها ورمزا من رموزها وعابدا من عبادها يتعجب العارف بعبادته من غزارة منتوجه الأدبي حيث كان الاستغراق في العبادة يأخذ الكثير من وقته٠

ومع كل ما تقدم من الصفات فقد كان ولد الداهي فتى فتيان عصره بالمفهوم الشعبي للفتى، وكان خبيرا بأشعار العرب وأيامها يتصدر المجلس تلو المجلس يحدث من ذلك بما لا قدرة لغيره على جمعه واستيعابه٠

وأما ما يتعلق بتصوفه ومحبته فقد جمع من ذلك ما لا يبلغ شأوه ولا يدرك خطوه ويكفي مثالا على ذلك ما أنشده في وصف الخليفة السيد أحمد بن عبد الله بن محمد فال بن باب أطال بقاءه ونفعنا ببركته حيث يقول فيه:
أحمد لباه الا احمد ٠٠٠٠ ول اباه احمدت آن 
ذاك ال ملان ما احمد ٠٠٠٠ مني حد الملان
رحم الله الفقيد أحمدو السالم ولد الداهي فقد فقدنا برحيله حقبة من تاريخ منطقتنا، ونموذجا أدبيا جامعا عُدم مثله وفقد شكله، ونعزي بعد رحيله كل ذويه ومعارفه ومحبيه وإن كان الأولى أن نتلقى فيه نحن التعازي نظرا لاعتبارات كثيرة يضيق المقام عن سردها وتفصيلها، فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين٠