أول يوم في قاعة التشريح...

أربعاء, 12/07/2016 - 09:10

بعض الذكريات تبقى محفورة في الذاكرة.. ليس لأهميتها بالضرورة ..بل قد تكون تافهة.أو نعتقدها كذالك الى حين..

لكن مع مرور الزمن تتحول تلك الذكريات -حتى التافهة منها- إلى مسكنات تهدئ النفس وتنتشي بها طربا عندما يباغتها الحنين وتهاجمها الذكريات بلا رحمة وهي شاحبة.وحيدة في مقهى كئيب ..تداعبها بين الفينة والأخرى قطرات المطر في ليالي الشتاء الطويلة..

في داكار كانت هناك ذكريات لاتنسى..أغلبها جميل..بعضها غريب..وبعضها غير مصنف حتى الآن..

كان اول قرار اتخذته فور حصولي على بطاقتي الجامعية من كلية الطب هو زيارة المشرحة.. لم اعد اتذكر السبب الحقيقي الذي دفعني لذالك القرار الغريب..

كان رفيقي في الزيارة هو الزميل Abdelhaye ..لا اريد أن أسميه صديقا نظرا لمشاكل شخصية بيننا..

تنبيه :في البدابة أنصح أصحاب الإحساس المرهف بعدم قراءة هذا المنشور..لما قد يحتويه من المشاهد العنيفة..

وصلنا إلى المستشفى .كانت مصلحة التشريح في خلفية المستشفى ببنائها القديم المتهالك..

فتحنا الباب بترو ..كان صوت الباب شديدا..وكأنه لم يفتح منذ سنوات..كان المكان كئيبا..تفوح منه رائحة غريبة.. - سنعرف مصدرهابعد ذالك.-..ممر طويل يوجد بنهايته باب صغير..صمت مطبق ثقيل لا يكسره إلا وقع خطواتنا على الأرضية المغبرة التي طال عهدها بالمكنسة..

دلفنا من الباب وفورا اتجهت الانظار إلينا ..كانت ستراتنا البيضاء تعريفا أوليا قبل تقديم البطاقات الجامعية..

كنا قد وصلنا في الوقت المناسب فيما يبدو.. حيث كانوا يستعدون لتشريح جثة شاب في منتصف العشرينات قوي البنية..توفي في حادث أثناء سفره لتأدية الحج الأكبر في طوبى..

بدأوا بفتح البطن واستخراج الأعضاء واحدا بعد الآخر (القلب والرئتين والكبد..)وفحصها واستخراجها ووضعها على الميزان ..وقد يسألوننا بين الفينة والأخرى عن أحد الأعضاء...

كانت الرائحة نفسها التي تملئ المكان..قوية..كريهة..ظلت ترافقني أياما بعد ذالك..

كانو يقومون بكل ذالك وهم يدخنون ويتبادلون النكت..وكأنهم في جلسة سمر..

تم أعادوا الأعضاء بطريقة من يجمع اغراضه في حقيبته بسرعة قبل أن تفوته الرحلة

كانت وجوههم غير مريحة..تسائلت في قرارة نفسي هل لهؤلاء الرجال عائلات..هل يعودون إلى أطفالهم ويداعبونهم.. هل يستقلون المواصلات ويزاحمون الناس..ماذا لو علم الناس في الباص حقيقة عمل هؤلاء..هل سيبتعدون خطوات عنهم مع نظرة عدم ارتياح..

خلال تلك الخواطر وصل أصحابنا إلى الدماغ..أخذوا جهازا لولبيا سريعا- شبيها بجهاز قطع الحديد- وبدأوا في فتح الدماغ عندها شعرت بالغثيان وبرغبة عارمة في التقيؤ- استدرت نحو زميلي قائلاز اعتقد أن هذا يكفينا اليوم..

راودتني فكرة غريبة ة ماذا لو أرغمونا على تذوق الدماغ- كما فعل بطل فيلم SAW.. إحتمال ضئيل ولكنه يظل احتمالا..

خرجت قبل أن يكملو وقبل ان اقذف عليهم بفطوري المتواضع في ذالك اليوم..

خرجت ولم أعد إليهم أبدا بعد ذالك...

 

د/ عبد الودود ولد حدّو