سجلت موريتانيا خطوات كبيرة في مجال حرية الصحافة وحرية التعبير بشكل عام، فقد احتل هذا البلد الذي ينشط فيه أكثر من سبعين حزبا سياسيا وتصدر فيه، وإن بغير انتظام، عشرات الصحف وعشرات المواقع الالكترونية، المركز الثاني عربيا والــ 55 عالميا بإجمالي 25.27 نقطة وارتفاع قدره 5 نقاط عن تصنيف 2014 في مؤشر حرية الصحافة لعام 2015 الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود».
إجراءات تنظيمية
ويقول محمد الأمين ولد داهي أستاذ القانون الدستوري في جامعة نواكشوط «إن الدخول إلى الشبكات الإعلامية التي تملكها الدولة يتمتع بشعبية فائقة بسبب اللجوء المتزايد إلى وسائط الإعلام أثناء الحملات الانتخابية في المجتمعات الحديثة وذلك ما يتطلب، حسب الأستاذ داهي، انتباها مستمرا ويفرض رقابة مركزة».
وأضاف «في هذا الإطار تمّ إنشاء السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA) سنة 2006 بموجب الأمر القانوني 2006-034 المعدل بالقانون 2008-026 والمراجَع بالقانون 018 بتاريخ 22 اذار/مارس 2012، وقد كرست المسطرة الإجرائية التي وضعها هذا القانون تطبيق مبادئ منها الدخول المجاني بالنسبة لكل المترشحين، والطابع المحايد للخبر المبثوث عبر وسائط الإعلام، ليس فقط في توزيع الفضاءات وزمن البث، ولكن أيضا في المضامين الإعلامية نفسها؛ والدخول بالتساوي لكل المتنافسين مع التـأكد من عدم إقصاء أو استبعاد الأخبار والمعلومات المتعلقة بأحد المتنافسين بصورة خاصة، ومنها توزيع الفضاء وزمن البث حسب معايير موضوعية ومحددة سلفا».
وخضعت حرية الصحافة، حسب محمد الأمين داهي، على التعاقب، لأحكام الأمر القانوني رقم 91-023 بتاريخ 25 تموز/يوليو 1991، المعدل بالأمر القانوني رقم 2006-017 بتاريخ 12 تموز/يوليو 2006 الذي ألغى الرقابة؛ ومنذ 2011 لأحكام القانون رقم 2011-025 بتاريخ 08 اذار/مارس 2011 الذي عدل بعض هذه الترتيبات من أجل أن يؤخذ في الحسبان تحرير الاتصال السمعي البصري، والصحافة الالكترونية، والدعم المالي للصحافة الخصوصية، وإلغاء عقوبة السجن بسبب جنح الصحافة».
انتهاكات وغض طرف
وشكلت ذكرى الثالث من ايار/مايو المنصرم، الموافق لليوم العالمي لحرية الصحافة، مناسبة لتقييم هذه الحرية من مختلف الأطراف: سلطات وصحافيين ومستهلكين للمادة الإعلامية.
وتضمن التقرير الذي أصدرته مبادرة الشباب الناشرين الصحافيين أعنف حكم على واقع الحريات الصحافية في موريتانيا. حيث استذكرت المبادرة ما سمته «الانتهاكات الرسمية الصارخة لهذه الحرية، والتي وقعت خلال العام المنصرم 2014».
وذكرت المبادرة بـأحداث طبعت المجال الصحافي سنة 2014 بينها «محاولة القتل التي تعرض لها الصحافي حنفي ولد دهاه مدير صحيفة (تقدمي) الالكترونية، وغضت الشرطة والقضاء الطرف عن منفذيها رغم تحديدهم من طرف الضحية».
جهود الحكومة
وحول واقع حرية الصحافة في موريتانيا يقول الإعلامي عبدالله حرمة الله القيادي في الحزب الحاكم ومسؤول سابق عن ملف موريتانيا لدى «مراسلون بلا حدود»، «لا وجود لمعتقل سياسي في موريتانيا أو لصحيفة مصادرة، أو حزب محل إجراء قانوني من وزارة الداخلية، أو شخص مطارد على أساس رأيه».
ويضيف «انتصرت الدولة على العداء الذي كان قائما ضد الحرية بصفة عامة وحرية الصحافة بصفة خاصة، ولم يعد النشر مستهدفا وزالت النظرة العدوانية للصحافي، وسخر المال العام لدعم الصحافة الخاصة التي اتسع مشهدها ليشمل قنوات تلفزيونية وإذاعية خاصة وبخطها التحريري المستقل».
تحديات ونواقص
وحول التحديات التي تواجهها الصحافة في موريتانيا أكد الإعلامي حرمة الله «أنها تكاد تنحصر في النواقص المهنية وشح المصادر البشرية، خصوصا بالنسبة للإعلام العمومي، باستثناء التلفزيون العمومي «الموريتانية» الذي عزز قاعات تحريره واستديوهاته بطاقات شبابية متمكنة، من خلال إشراك المنظمات والهيئات الصحافية في الإشراف على مسابقة هي الأكثر شفافية في تاريخ الإعلام العمومي في شمال وغرب إفريقيا».
وتعتبر موريتانيا، يضيف حرمة الله «البلد العربي والافريقي الذي يعرف أكبر اعتماد لمراسلي الصحافة الدولية الذين مارسوا في الماضي، ولا يزالون، عملهم بكل أريحية واطمئنان، حتى في أحلك فترات محاولات إسقاط «الربيع العربي» والتي جندت لها بعض المنابر المحلية ومراسلي الصحافة الدولية المعتمدين».
حرية التعبير تتعزز
وأكد «أن واقع حرية التعبير، يتعزز يوما بعد يوم في موريتانيا، بفضل الإرادة السياسية للرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي يعتبر حرية الصحافة مكسبا للأمة الموريتانية وخيارا استراتيجيا، وبفضل الإطار القانوني الذي تجاوز في روحه التقدمية وأسلوبه التعددي الكثير من الديمقراطيات العريقة وكذا بفضل حضور جميع آراء الطيف السياسي والنقابي والحقوقي في الإعلام العمومي».
وذكر حرمة الله «أن موريتانيا حصدت الإعترافات الدولية من طرف منظمات «مراسلون بلا حدود» معتمدة الخبرة لدى مجلس الأمن الدولي، والتي كانت إلى عهد قريب من مناهضي سياسة التكميم وأسلوب التصفية والمصادرة الذي اعتمدته النظم الدكتاتورية في موريتانيا للفترة 1984/ 2005».
حرية الصحافة مجرد شعار
وعكسا لما أكده القيادي في الحزب الحاكم، يقول الشيخ سيد احمد ولد حيده رئيس المنظمة الوطنية لشباب تكتل القوى الديمقراطية المعارض «أن النظام الموريتاني ينتهج سياسة لمصادرة مكتسبات الشعب الموريتاني التي حققها بنضالات قواه الحية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي».
ويضيف الناشط المعارض «ورغم تبجح النظام، بما يعتبره إنجازات له في مجال حرية الصحافة، فإن هذه الانجازات لم تتجاوز الشعارات وبعض التشريعات غير المعمول بها، حيث يعاني الحقل الصحافي من سياسة تمييع ممنهجة خطرة فتحته على مصراعيه أمام أدعياء مهنة الصحافة وترخيص مؤسسات إعلامية لذوي القربى وبشروط مالية مجحفة جعلت تلك المؤسسات تحت رحمة السلطة العليا للصحافة، بينما تغض الطرف عن اختراق تلك المؤسسات لالتزاماتها وما حادثة أمر ولد عبد العزيز بقطع البث المباشر منا، ببعيدة».
احتكار المعلومة
وتحدث القيادي المعارض عما ما سماه «معاناة الحقل الإعلامي من احتكار النظام ومؤسساته للمعلومة مع سبق الإصرار والترصد كما قال ولد عبد العزيز خوفا من استخدامها».
وأكد حيده «أن الصحافي الموريتاني يعاني من التضييق من طرف رأس النظام الذي اتهم بعض الصحافيين من دون دليل ملموس بالعمالة لقوى أجنبية، ولذلك انعكاساته السلبية على صورة الصحافي في الذاكرة الوطنية».
ويقول الكاتب والإعلامي الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله «إن المتتبع للتجربة الإعلامية الموريتانية يلاحظ أنها شهدت في السنوات الأخيرة مستوى لافتا من الحريات تمثل في التخلي عن المصادرة واعتماد وزارة العدل فيصلا في التجاوزات الأخلاقية بدلا من وزارة الداخلية وما ترمز إليه من بعد أمني وقمعي».
سلبيات طاغية
ويضيف «إن هذه الحرية الإعلامية وان كانت ساعدت الرئيس الحالي وجماعته في تحسين صورتهم عالميا بعد المآخذ عليهم من طرف الغرب غداة الانقلاب على أول رئيس مدني، فإن المراقبين يرون أن سلبيات هذه الحرية تكاد تطغى على ايجابياتها، حيث فتحت الباب أمام التسيب الإعلامي وشرعت للمتطفلين على الحقل توظيف الحرية توظيفا سلبيا من حيث التخلي عن أخلاقيات المهنة لصالح الإثارة والارتزاق وحتى الإساءة للسكينة الاجتماعية وللأمن العام بحجة الحرية إضافة إلى فتح الباب أمام انتقاد الثوابت والجهر بمعاداتها أحيانا».
«والخلاصة أن موريتانيا رغم الهامش الممتاز من الحرية الإعلامية فهذه الحرية بحاجة إلى تقنين حتى تلائم مسار بلد فقير مكون من عدة أعراق وإثنيات لا رابط بينها غير الرقعة الجغرافية والإسلام وهي قضايا قد تتقزم بفعل الفهم الخاطئ للحرية».
حرية وأبواب موصدة
ويرى الصحافي سيدي محمد بلعمش «أن الصحافيين في موريتانيا يتمتعون بحرية كبيرة حتى أصبح بعض الدخلاء يستغل تلك الحرية في بث الشائعات وتحويلها إلى مادة إعلامية متداولة تجد رواجها في ظل إغلاق الأبواب أمام الصحافيين وعدم التعاطي مع أسئلتهم وتحقيقاتهم بجدية. ومن ثم أصبح الصحافي ملزما بمعايشة واقع خاص يمنحه الحرية فعلا ولكنه يمنعه من الوصول إلى المعلومة وأحيانا يواجهه بإنكار الخبر في حال نشره».
حرية متحكم فيها
وفي السياق نفسه يؤكد الإعلامي محمد فال ولد الشيخ «أن هناك هامشا لحرية الصحافة لا بأس به في موريتانيا منذ الإصلاحات التي انبثقت عن انقلاب 3 آب/أغسطس 2005 لكنها حرية نسبية متحكم فيها، فقد عمدت السلطات إلى تعويم المشهد الإعلامي بإغراقه بكم هائل من المواقع والصحف التابعة لها بشكل أو بآخر».
وأضاف «حين قبلت السلطات تحت الضغط، الترخيص لبعض وسائل الإعلام المستقلة كانت ترخص في الوقت نفسه للعشرات من وسائل الإعلام المقربة منها بحيث أصبح الحقل الإعلامي يعيش حالة من الفوضى العارمة وهي فوضي مقصودة لأن المتضرر منها هو الإعلام المستقل والمستفيد الأكبر منها هو السلطة».
وأكد ولد الشيخ «أن العديد من وسائل الإعلام المستقلة تتعرض يوميا للمضايقة سواء في منعها من الوصول لمصادر الأخبار أو من خلال احتكار وسائل الإعلام الرسمية لغالبية ما يصدر ويحدث في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، على سبيل المثال لا تزال قاعة اجتماع مجلس الوزراء حكرا على التلفزيون الرسمي ولم تستطع التلفزيونات الخاصة أن تحصل على صور من اجتماع مجلس الوزراء إلا عن طريق التلفزيون الرسمي».
وقال «لقد تعرض العديد من الطواقم الصحافية للضرب والتعنيف والسجن خلال تغطيتهم للأحداث في موريتانيا، لكن السلطات تكتفي في الغالب بوسائل التضييق ما قبل السجن نظرا لما يجره سجن الصحافيين عليها من تبعات سلبية».
«وخلاصة القول، أن في موريتانيا حرية إعلامية لكنها شكلية غير حقيقية، حيث أنها حرية خادعة، فلا تزال المعلومات محتكرة وما زال الصحافي المستقل منبوذا ومهمشا وعرضة لكافة المخاطر».
حرية وعوارض
والحقيقة أن حرية الصحافة في موريتانيا تعاني مشاكل كثيرة ما زالت مطروحة بينها ضرورة أخذ الصحافة الالكترونية في الحساب؛ وتحرير الاتصال السمعي البصري؛ والمساعدة المالية للصحافة الخصوصية؛ وإلغاء عقوبة السجن بسبب جنح الصحافة.
لقد كرس القانون رقم 045-2010 بتاريخ 26 تموز/يوليو 2010، المعدل في اذار/مارس 2012 المتعلق بالاتصال السمعي البصري فتح القطاع السمعي البصري الذي كان حتى ذلك الوقت احتكارا للدولة.
وبعد المصادقة على دفتر الالتزامات الخاص بمقاولات الإعلام الخصوصي، أذنت الحكومة منذ 2011 لخمس شبكات إذاعية خصوصية؛ كما أذنت 2012-2013 لخمس شبكات تلفزيونية خصوصية.
أما الدعم العمومي للصحافة الخصوصية فقد شكل موضوع القانون رقم 2011-024 بتاريخ 08 اذار/مارس 2011 الذي أنشأ لجنة خاصة، مكلفة بتوزيع هذا الدعم العمومي، ويرأس هذه اللجنة عضو من السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA)، وتتضمن ثلاثة أعضاء باعتبارهم ممثلين لمختلف التجمعات الصحافية، كما تتضمن أعضاء ممثلين للإدارة.
عبدالله مولود