تقف موريتانيا حاليا على أبواب منعطف سياسي جديد في تاريخها السياسي حيث من المقرر أن يطلق نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يوم غد الإثنين الجلسات التمهيدية لحوار سياسي شامل.
ومن المنتظر أن تغيب المعارضة الموريتانية المتشددة عن هذا الحوار حيث أعلنت في بيان وزعته أمس أنها ستحسم مساء اليوم الأحد موقفها من هذا الحوار الذي ستنظمه الحكومة الموريتانية بحضور أطراف أخرى بينها أحزاب معاهدة التناوب وهي معارضة مقربة من السلطة وبينها منظمات مجتمعية غير بعيدة من النظام. وتخشى المعارضة الموريتانية المتشددة كما أكدت في مواقف سابقة، أن يكون إصرار الرئيس الموريتاني على تنظيم الحوار يستهدف تعديل الدستور الموريتاني للسماح للرئيس بمأموريات أخرى.
وتؤكد مصادر المعارضة «أن منتداها سيعلن خلال ندوة صحفية مساء اليوم رفضه المشاركة في الحوار تأكيدا لما ورد في رسالته التي رد بها على الدعوة التي وجهت إليه لحضور جلسات الحوار». وكان جابيرا معروفا الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة الموريتانية قد أكد في الرسالة المذكورة «أن الدعوة لاجتماعات تحضيرية لحوار معد بصورة مسبقة وأحادية تشكل، بالنسبة لمنتدى المعارضة، رجوعا إلى الوراء، وبالتالي لا يمكن للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، بجميع مكوناته، القبول به». ودعا جابيرا معروفا «حكومة الرئيس محمد ولد عبدالعزيز إلى العودة لمسار التفاوض السابق حول الحوار، مع تقديم موقف مكتوب من كل النقاط الواردة في العريضة التي قدمها المنتدى للحكومة في وقت سابق».
«وبهذه العودة للمسار السابق» يضيف رئيس المنتدى في رسالته «لا نبدو جميعا وكأننا ضيعنا عدة أشهر من العمل المخلص، وبالتالي عليكم أن تؤكدوا ـ كتابيا ـ الردود الشفهية التي قدمها وفدكم أثناء اللقاءات التي دارت بين الفريقين». وقال «إن هذا الرد هو الذي على أساسه سنتمكن من تقييم فرص التقدم نحو اتفاق يفتح الباب أمام حوار شامل وجامع هو وحده، في نظرنا، القادر على أن يشكل مخرجا من الأزمة الراهنة». وتؤكد الحكومة الموريتانية في الدعوة التي وجهتها للأحزاب أن الجلسات التي ستبدأ يوم غد الإثنين ستعكف على «برمجة فعاليات الحوار، وتحديد جدول أعماله». وجددت الحكومة في رسالتها التزامها «بدون تحفظ، بمسايرة هذا الحوار»، الذي تريده «حوارا شاملاً وجاداً وصادقاً ومسؤولاً خدمة لتعزيز الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي وترسيخاً للديمقراطية وتكريساً لثقافة المواطنة وسعياً إلى عصرنة المؤسسات الوطنية». «إن الهدف المنشود من هذا الحوار، تضيف الرسالة الحكومية، هو تعزيز وترسيخ وتجسيد المكتسبات الديمقراطية لبلادنا وصيانة وحدتنا وتماسكنا الاجتماعي وترشيد حياتنا السياسية، وإننا على يقين من أن هذا الحوار الشامل الذي اقترحه رئيس الجمهورية على الأمة سيفضي لنتائج حاسمة تعود بالخير والنفع العميم على بلادنا». وأكدت الحكومة «أنها تقدر عاليا دور الأحزاب السياسية في الحياة الديمقراطية من خلال ما تقوم به من جهد في تنظيم وتأطير وتوجيه وتكوين مواطنين نشطين يتولون إنعاش الحياة السياسية ويساهمون في نشر وترسيخ ثقافة المواطنة». وحسب مصادر اللجنة التحضيرية للحوار فإن جدول أعماله يتركز حول ثلاثة محاور رئيسية أبرزها المحور السياسي الذي سيتضمن «بناء الثقة» بين الأطراف السياسية بما في ذلك فتح الاعلام العمومي؛ والتعديلات الدستورية؛ والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها؛ وإلغاء غرفة مجلس الشيوخ؛ والانتقال الى النظام النيابي؛ وحكومة الكفاءات؛ وغيرها. ويتضمن المحور الاجتماعي إدراج قانون محاربة الاسترقاق والتمييز الإيجابي لصالح الأرقاء السابقين «الحراطين» والإرث الإنساني في الدستور؛ ومشاركة المرأة، فيما يتضمن المحور الاقتصادي أمورا منها التوزيع العادل للثروة؛ والديون الخارجية التي تشكل عبئا كبيرا يثقل كاهل الدولة ؛ اضافة الى التحديات التي تواجهها الشركات الوطنية الكبرى والسياسات النقدية وحالة المصارف. وكان آخر حوار ينتظم بين نظام الرئيس الموريتاني والمعارضة المتشددة، قد فشل بعد جلسات من انعقاده في إبريل عام 2014 بسبب الخلاف حول تأجيل الانتخابات الرئاسية حيث أصرت المعارضة على تأجيلها لما بعد الحوار بينما أصرت الحكومة عل تنظيمها في موعدها المقرر. يذكر الاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف السياسية الموريتانية في داكار تحت مظلة الوساطة الدولية بعد المفاوضات التي تلت انقلاب 2008، قد أوصى بتنظيم حوار سياسي ملزم بعد عودة البلد للحالة الدستورية العادية، من أجل التوافق حول أسس النظام السياسي بعد انتخابات 2009 وهو الحوار لم ينجز حتى اليوم بالشكل الذي تريده المعارضة. وتوصل النظام الموريتاني مع المعارضة المقربة منه والتي حاورته في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2011 لنتائج أقرها البرلمان، ونصت على تشكيل لجنة مستقلة للانتخابات من صفي الموالاة والمعارضة غير المتشددة.
عبدالله مولود-القدس العربي -