ذكريات مبعثرة

سبت, 10/03/2015 - 12:07

يتنقل الناس والأمتعة الآن بسهولة ويسر بين العاصمة وبين المذرذره، ولكن الأمر لم يكن كذلك ولا قريبا منه في الماضي. في أكتوبر من عام 1981 – والعالم مشغول بمقتل،

السادات وتداعياته المختلفة- انتقلت - لداع أسري- للعيش في المنطقة الممتدة بين الجديدة والمذرذره؛

 

وهناك عشت أزيد من عشرين سنة (تتخللها غيابات طبعا) فرأيت صعوبات لا يصدق وجودها بمرأى من العاصمة ومسمع.

 

لم تكن الطريق أكثر من مسار رملي متعرج باستثناء الكيلو مترات الأربعة التي تلي الجديده؛ فقد لبد متطوعون عليها من طين تلك الأرض ما سهل المرور عليها نسبيا، وإن لم يخل من تنغيص الغبار الزائد.

 

ثم جاءت الحكومة الموريتانية سنة 1995 فعممت التجربة على الطريق حتى أوصلتها إلى المذرذره،

 

وأقامت للانطلاقة حفلا كبيرا بقيادة الوزير الأول آنذاك، وتباهت بما أتت، وسرها أن تحمد بما لم تفعل، وسمت الحاصل من تلك السخرية "طريق الوفاء" لأن الرئيس ولد الطايع كان قد وعد بتعبيد خمسين كيلو مترا الفاصلة بين المدينتين،

 

ثم استبان على الفور أن الهمزة خطأ مطبعي وإنما الصواب "طريق الوفاة".

 

حينما انتقلتُ للعيش هناك، وعلى مدى فترة طويلة تلت ذلك، كنت أعجب من جلد الناقلين وإصرارهم وقوة عزيمتهم (فتبارك الله أحسن الخالقين) فقد كانوا ينطلقون في حدود الثانية ظهرا من العاصمة،

 

ويصلون المذرذره بعد العشاء، وقبل أن يكتمل نوم سكانها يبدؤون رحلة العودة ليدخلوا العاصمة مصبحين،

 

ثم يبدؤون جمع الركاب وينطلقون بعيد الزوال مكررين ما سلف،

 

وتسير حياتهم على هذا النحو طيلة الأسبوع باستثناء عطلة الأسبوع التي كانت الأحد ثم حولت إلى الجمعة.

 

لم تكن السيارات في تلك الأيام إلا "لاندروفر" فلم تكن مضخات المصانع اليابانية قد وجهت إلى هذه المنطقة من العالم، وإن كانت ترى "تويوتا" أو غيرها من السيارات اليابانية بين الفينة والأخرى.

 

لو رعت سلطات البلاد أو الولاية أو المقاطعة - على الأقل- حق أولئك الرجال لكرمتهم من تقدم منهم ومن تأخر؛

 

أما وهي لم تفعل فإني أذكر جميلهم الذي يشهد عليه سكان المذرذرة والقرى المتناثرة دونها على امتداد الطريق وحواليها، إلى الجديدة. وهذا جهدي.

 

لم تكن الجديدة في تلك الفترة أكثر من قرية صغيرة سكانها متعارفون، يرسم الطريق المعبد مسارها وامتدادها، كأنما شاقها لقاء القادم فامتدت بمحاذاة الطريق إليه،

 

أو عز عليها فراق المغادر فامتدت بمحاذاة الطريق لتوديعه.

 

                                                              محمد سالم ابن جد