توقفت مؤقتا عن الكتابة، كسرا للرتابة الروتينية في حياتي، غير أنني كنت وفيا لكتابنا ومواقعنا، فلا يمر يوم لا أطالع فيه كتابات بلعمش والفاضل واعبيدنه والمجتبى وودادي وولد سيدي هيبه ... وغيرهم، ولا أقضي ساعة أو اثنتين دون النظر في الأخبار والحرية والطوارئ وميثاق وتقدمي والساحة والصحراء ...، والجامعة طبعا موريتانيا الآن، لقد كنت وفيا لعالم الأخبار والمستجدات.
وبرغم الفتور الذي صار يصيبني من الواقع والخيال، فإنني استطعت تكوين ملاحظات مهمة عن الفترة السابقة، لقد رأيت الحوار والحمى مسيطرين على عناوين الأحداث، ورأيت الفقر يعلن عن ذاته مكتمل الشخصية، مفتول العضلات، فالأحداث المأساوية المترجمة في انتشار الجريمة لا تزال تتوالى على سمعي في الصفحات الألكترونية، والنهب مسلسل متسلسل الحلقات كالدنيا، يطول ويطول ... إن بلادي حقا ليست إلا بلاد السيبة.
الحوار أو الخوار لا فرق، يتحاور الجزارون، ويتعالى خوار البقرة-بلادي، ولا حضض و لا بضض، لا إصلاح ولا فلاح، وكل الناس مضايقون في أرزاقهم، والذين يكتبون خاصة يدفعون الثمن، فحرية الرأي أكذوبة كبرى، ومناخ الحريات بفتح الميم في بلادنا سيئ تماما، وأعتقد أنني أفهم الكتاب أكثر من غيري، فلقد تعاطيت صنعتهم، وشربت من المداد حتى تسممت شراييني.
تعاطيت الكتابة، فكنت المفتش الرئيسي الوحيد في وزارة الشباب والرياضة، الذي قبر حيا، فمنذ 2010 وحتى اليوم أقبع خلف سرب زملائي، وأصبت بإحباط شديد من الواقع، ومن أكاذيب الحكومة حول تساوي الفرص، وحتى أنني طرقت أبواب العشيرة والعرافين والعراقين –لا طبعا-، ومشيت أحيانا في مسرحيات التأييد، ورأيت أن لا فائدة –لا طبعا-، إن أمر البلاد –هنا- معلق بديكتاتورية لا نظير لها في العصر، ديكتاتورية محاطة بالقمار والجنس والسرقة والنهب، لا دين لها ولا أخلاق/ ولا مثل عليا، وهي السفالة كلها.
ورسالتي إلى بلعمش الكاتب، وحنفي وخالد وأخوه الفاضل، وودادي وغيرهم أن ينصحوا الشباب بالنوم والخمول والكسل، كي لا يعاني ما عانوه، ولا يقاسي ما قاسوه، ولا يحرموا من وطنهم لأنهم يريدون الحرية الحافية، لقد مضى زمن الحرية الحافية، فاليوم تنهب وتسرق وتصلب وتوضع في علبة السردين، ويبول الثعلبان على رأسك، وتسمع في الإعلام أنك بخير، وأن وزنك زاد من كثرة ما شربته من حليب ديموقراطية حوار لا حضض فيه ولا بضض، وما أكلته من عوائد ذهب ذهب في غير الذاهبين في الله.
أيها الشباب احذروا نظاما لا يعبأ بجوعكم، ويطعمكم العصا تلو العصا، ويلوح منذ حل بحل ... وأي حل يا ترى ؟ ...
نصيحة من مجرب، إن تعابيركم مكتوبة عند مخابرات النظام فاحذروا ما حصل معي، ومع غيري، حين اعتقدنا أن البلد يحكمه أحرار، يتركون شيئا من فضائل الجاهلية، فيسرقونك وينهبونك ويتركون لسانك مسبحا بحمد الله على السلامة، قطاع الطرق الجدد يسرقوتك ويسرقون لسانك مسبحا، ويقتلونك، ويصلبون أحلامك، ويعاقبون البلد من ورائك ومن أمامك، وداخل خلجاتك، هذه البلاد ضاعت إي وربي ضاعت.
ولربما على الموريتانيين جميعا أن يجتمعوا ويتصدقوا بأرضهم وعرضهم، لعلهم يفلتون من قبضة كبيرة ارتكبوها جلبت لهم السوء كل السوء، يوم كان هذا النظام في الأرحام والأصلاب منتظرا مغافلة الآمنين.
صرنا مهبط الحمى والأوبئة، وتقاسمتنا الذئاب الضارية، الذئاب التي ليست أسودا بطبعها، تأكل الذئاب والضباع ضحيتها حية كنظامنا، أما الأسد الحقيقي فهو القاتل الرحيم، يأخذ الروح-النفس أولا ومن ثم يبدأ الأكل، لقد ضيعتنا دروب الرذيلة، وما أعجبني من الطيور آكلة الجيفة، تجتمع كل حين على الجثة بعد مضي القاتل في الغابة قدما، وتبدأ تأكل، تبدأ الحوار-الخوار. هههههه يا إلهي إنني أضحك، وماذا فيها أما قال شاكسبير: "المسروق الذي يبتسم يسرق شيئاً من اللص".
عزائي من الظلام إن مت قبلهم---عموم المنايا ما لها من تجامله. تميم البرغوثي.