لونه برتقالي باهت ،، و في استدارته تتشكل ندوب قاتمة تخفي بعض أسرار المجرة .
يسطع القمر خجولا الليلة ، حزينا ، هو رسول سلام و محبة .، رفيق رقيق عادةً و من المرارة أن يٌكاشف حنونٌ وجه الحيارى الفزعين .
تحت نوره الخلاب تصبح رؤوس الخيّم أكثر حدة ،، و تصغر أكثر و تختفي المسافات بينها .. في حالتنا تشبه الشمسٌ الظلام ،، ضوؤها الفياض يفقدنا الإحساس بالفروق و حجمها من هول ما نواجه من حقائق مفجعة ،، بينما القمر يربتٌ على الحزن بشعاع خافت ،، و يمكننا أن نرى الحقيقة دون غبن .
لا شئ في مكانه . بعد أن صنع الجميع في المنفى وكرا له ،، و ممراً لهجرة طالت ،، جاء المطر الغزير و بعثر الأعشاش و مزج مقتنياتها بالرمل .
سنعيد بناءها ، للثقة بعدالة الطبيعة متعة .
بالقرب من محطة سيارات الأجرة بمخيم السمارة تناثرت الخيم الصغيرة ببؤس شديد .. بعضها له معنى الخيمة دون شكلها . رائحة التراب المبلل تتغلغل بأنفاسي و رائحة عرق نسوة عانقتهن تباعا تداعيا لمشهد هجرة داخل الهجرة ، تشعرني بوخز القهر .
فررن من جديد عن بيوتهن التي بنينها بسواعدهن و سواعد أبنائهن و أزواجهن .
أتذكر رغم الألم دعابات أبي حين يروي لي شذرات من ماضي لم أعشه معه ،، له موهبة فائقة في جعل المرء يضحك من أي شئ يتحدث عنه .
- كنّا نعود من النواحي العسكرية في عطل قصيرة جدا بعد غياب طويل مليئ برائحة الدم و البارود ، لنجد في المخيم نساء يتقن كل شئ ، بناء المنازل .
- يضحك اذ يخبرني أنه اضطر لمساعدة زوجته في بناء مطبخ صغير ، كانت هي ترص وحدات الطين و تعتلي جسر الخشب الصغير الممدود بين حاويتين حديديتين صغيرتين بينما يكتفي هو - من مساعدتها - بحمل الوحدات اليها .
- كان عملا جبارا ، عضليا منهكا لكن المفارقة أنه لم يفقد النساء أنوثتهن .
- مساءً في المخيم تتحلل النسوة من التزامات العمل بكل أصنافه ، خلاله يرمين جانبا بعٌدة محاربة البرد و الحر معا ، الجوارب و الأحذية و القفازات و السراويل الطويلة و القمصان الصوفية مع ملحفة مختارة بغير عناية لاكتمال الزِّي الذي يمثل هوية لا تلين ..ساعة الغروب و ما قبلها بقليل أوقات فاصلة بين إمرأة المخيم النهارية و أخراه الليلية .
كانت جارتي " الواعرة " مثال تلك المرأة الشابة التي تحارب الطبيعة دون هوادة ،، يومها الذي يبدأ بكنس محيط البيت و جمع القمامة من حوله و إعداد فطور العائلة و التحضير لغدائها و غسل الملابس أحيانا و أحايين كثيرة تذهب لجلب قوارير الغاز أو أكياس المؤن و الأغذية ،،، ينتهي بمساء حالم أجدها فيه و قد جلست لعلب مكياجها بعد أن إستحمت و تعطرت و حضرت أواني الشاي و ضوّعت البخور و انتظرت حبيبها ، المناضلات أيضا يعشقن و يجدن رغم القسوة وقتا لذلك .
- كيف تتحملين هذا اللثام الغليظ ؟ ألا تفي "الملحفة " بغرض النقاب دون الشمس ؟
- كثيرا ما أكرر سؤالي الأبله هذا في نظر الواعرة و باقي رفيقاتها ، فأنا أختلف عن نساء المخيم في هذا الأمر فقط ، لم أستطع رغم قناعتي بضرورته استعمال اللثام ، نقاب الملحفة وحدها يكتم أنفاسي .
البياض قوام جمال المرأة عندهن و شظف حياة المخيم وبال على صفاء البشرة و رونقها لهذا يلتحفن بعناية دفاعا عنه من لسعات الشمس و صرير ذرات الرمل ساعة الريح .
- هذه السيول الجارفة جعلتهن يهرعن عن كل عدة ،، أسلحة اليوم و دفاعات الجمال كلها بقيت بمنازل الطين هناك تحت التلال القاحلة ، الآن النجاة من الغرق أولى و بعض الدقيق و الأرز و الزيت و علب الثقاب و بطاريات مصابيح الانارة و المذياع أهم كنوز المرحلة .
نقلا عن صفحة الكاتبة