هذا هو السؤال الذي يتردد على أكثر من لسان ، في الرأي العام الوطني، هذه الأيام ؛ بل إن جمهورا معتبرا من المهتمين بالشأن السياسي الوطني تتملكهم الدهشة حيال هذا الحوار ، الذي كان من المقرر أن تنعقد أولى جلساته في العشرين من أكتوبر الماضي ، وبمن " حضر" من الفرقاء والأطراف السياسية المعنية بالتجاذب السياسي الذي يضرب البلاد ، منذ العام 2009 ، إثر انقلاب الرئيس الحالي على الرئيس المنتخب ، سيدى ولد الشيخ عبد الله. ومما حير المراقبين ، ليس في عدم انعقاد جلسات الحوار في حد ذاتها، بل في الصمت الرسمي المطبق حوله. فأركان النظام كانوا يبدون إصرارا كبيرا على عقده " بمن حضر"، وفي تنفيذ مخرجاته ، مهما كان حجم وأهمية المتغيبون عنه. والأدهش من ذلك أن الإعلام الرسمي لم يبد اهتماما بهذا التاريخ على أي نحو كان، مع أنه كان معبئا قبل ذلك لحشد أكبر عدد من الفاعلين السياسيين لحضور هذا الحوار ، وعقد أكثر من ندوة تلفزيونية عن أهميته الوطنية وقيمته الحضارية . فلماذا تبخر الحوار ، ولما ذا تبخر الحديث الرسمي عنه؟..
إنه يكاد المرء يجازف بالقول إن الإعلام الرسمي تلقى تعليمات، من جهة ما، بعدم الخوض مطلقا في هذا الحوار ولا في أسباب اختفاء جلساته. فهل تأجل تاريخه في أمل أن يقتنع المنتدى الوطني للديموقراطية والوحدة، الذي يقود المعارضة الموريتانية ، بالمشاركة في هذا الحوار؟.. أم أنه ألغي ، من أساسه، لعدم تمكن الأغلبية من اقناع الناس بحوار لا تشارك المعارضة الجادة فيه، بحسب محللين سياسيين مقربين من المنتدى؟..
إن تبخر الحوار ، بهذه الطريقة غير المقنعة، كما هي العادة، أنعش أصحاب القيل والقال ومهد الطريق سالكا أمام الشائعات ، التي لا طائل من ورائها، وليس لأحد القدرة على فحصها والتثبت من مصداقيتها.
فالشائعات، بطبيعتها، متضاربة لأن من بينها ما مصدره مخابرات السلطة ، ومنها ما مصدره " خلايا الترويج الإعلامي" التابعة لبعض أحزاب المعارضة في المنتدى. وأيا كان الأمر، وفي غياب معلومات رسمية حول أسباب عدم انعقاد جلسات الحوار الموعود ، ثمة شائعات تقول إن الرئيس الحالي كان مصرا على الحوار بهدف فرض مناورة تجمعه برموز المعارضة في المنتدى ؛ مناورة تمكنه من شرعنة مراجعة دستور البلاد وتتيح له فتح المأموريات الرئاسية المحدودة " بمرتين فقط" . غير أن فشل هذه المناورة مرتين متتاليتين، مضاف إليه ما تتداوله الأوساط الإعلامية من رفض فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية للمساس بالمأموريات الرئاسية ، أربك ، تقول هذه الشائعات، معسكر النظام ووضعه في أضيق حيز ، حتى باتت مناورته ذاتها ، بالحوار، تشكل احراجا لأنصاره وتخبطا في تبريراتهم لعدم انعاقد جلسات الحوار. فهل هذا صحيح؟.. وحده النظام يمتلك الإجابة في الأيام القادمة..
ولكن ما تملكه كل الأطراف، اليوم، وربما يتفلت منها غدا، هو ترك المناورات بمصير وطنها بعقد حوار حقيقي وجاد يجنب البلاد ما لن يكون في مصلحة أي منها، إذا استمرت الأحوال على ما هي عليه..
افتتاحية جريدة "الدرب" التابعة لحزب البعث فى موريتانيا