لا يكاد يمر يوم على الجالية الموريتانية في آنكولا بدون مشاكل تذكر سواءا تعلق الأمر بعمليات السطو المسلح و الإختطاف أو بالإعتقال والسجن على خلفية مشاكل الأوراق, لكن يوم الثالث عشر من يوليو الماضي الموافق السابع والعشرين من رمضان كان يوما استثنائيا على الأقل في ولاية "زاير"
وعاصمتها "امبانزا كونكو" حيث شنت سلطات الهجرة في الولاية حملة اعتقالات واسعة راح ضحيتها عشرين موريتانيا قالت السلطات أنهم يحملون أوراقا مزورة.
وبعض النظر عن صحة تلك الدعوى من عدمها ومع التأخر في اكتشاف تلك الحقيقة حيث جائت بعد سنيين من اقامتهم في الولاية وتسجيلهم علي الأوراق نفسها لدي مصالح الهجرة ما يجعل نظرية التواطئ غير مستبعدة, وبعض النظر أيضا عن تلك الفرضية فإن الأمر يبقي مألوفا هنا, غير أن الغريب هو تصرف السلطات مع المعتقليين بإحالتهم للعدالة على غير العادة حيث دأبت السلطات الآنكولية علي ترحيل -كل من اكتشفت أن وضعيته غير قانونية- إلي بلده الأصلي.
لكن الأغرب هو تصرف الحكومة الموريتانية تجاه الأمر, فبعد أن تفاجئ الجميع من قرار احالة المعتقليين إلي سجن " انكيندا" في انتظار مثولهم امام المحكمة, توقع الجميع أيضا أن تتدخل السلطات الموريتانية لحل المشكلة لكن شيئا من ذلك التوقع لم يتحقق.
داخل سجن "انكيندا" سيئ السمعة أمضي الشباب مائة وأربعة وعشرين يوما في انتظار المحاكمة وكان الإنتظار سيطول لولا تدخل أحد الخيريين لحل المشكلة.
حدث كل ذلك في صمت اعلامي مخجل وتجاهل حكومي ممنهج لعشرين مواطنا موريتانيا يعانون الأمرين بين أربعة جدران دون أن يحظوا حتي بمحاكمة يحصلون فيها علي براءة أو إدانة.
فترة كانت كافية لتغير رأس الدبملوماسية الموريتانية من فاطمة فال بنت اصوينع إلي حمادي ولد ميم, ورغم أن وزيران للخارجية تبادلا المهام عليهم داخل السجن فإن ذلك لم يضف أي جديد لملفهم خاصة أن وزير الخارجية الجديد والذي قدم من عاصمة القرار الإفريقي " أديس أبابا" يفترض أن يكون علي علم بما يعانيه رعاياه من ظلم وسجن على يد اخوانهم الأفارقة.
أما سفيرنا في جنوب افريقيا و المعتمد غير المقيم في " لوندا" فيبدو هو الآخر غير معني بما يحدث لجاليته في آنكولا.
المضحك المبكي في الأمر أن حكومة كهذه توجد بها وزارة منتدبة مكلفة بالموريتانيين في الخارج ولها ميزانية تسيرها في الداخل تاركة الموريتانيين في الخارج يواجهون مصيرهم بأنفسهم.
المخجل أكثر أن من يعتبر نفسه قنصلا شرفيا لموريتانيا في آنكولا فرغ الكلمة من كل معانيها " الشرفية" حين لم يكلف نفسه عناء السفر إلي حيث هؤلاء ولا زيارتهم ولو مرة من باب المساواة والتعاطف كما فعل كثيرون من من يحملون صفته وغابت عن وصفهم بها, هذا فضل عن عدم حمله أية معلمومات من وإلي السلطات بصفته الجهة الرسمية الوحيدة هنا على الأرض.
لكن القشة التي قسمت ظهر البعير جائت من أعلي هرم في السلطة, حين استقبل رئيس الجمهورية في قصره سفيرا معتمدا لآنكولا في نواكشوط, في استهتار واضح بمشاعر أهالي وذوي هؤلاء المعتقليين وأماهاتهم الآتي يعتصرهن الألم علي فلذات أكبادهن بعد أن تخلت عنهم الحكومة وبات مصيرهم تحت رحمة السجان الآنكولي.
هل أحسست سيدي الرئيس وأنت تستقبل السفير الآنكولي بألم أمِ تفتقد فلذة كبدها منذ أشهر ولم تتمكن حتي من سماع صوته عبر الهاتف, هل فكرت في عشرين أسرة موريتانية تقطعت بها السبل بعد توقف مصدرها للرزق, هل فكرت في ذلك وأنت تستقبل جلاد أبنائهم أمام أعينهم؟
قد يقول قائل, اكراهات الدبلوماسية ولكن أين كانت تلك الإكراهات عندما كان أبنائنا يعانون تحت رحمة السجان الآنكولي؟ نحن لسنا ضد العلاقة الدبلوماسية مع أي دولة خاصة آنكولا لما ستجلبه من مصالح لكن التوقيت لم يكن مناسبا.
لا أدري سيدي الرئيس في أي الخانات أضع تصرفكم و حكومتكم تجاه مواطنيين موريتانيين معتقليين في دولة أجنبية, هل أضعه في خانة التجاهل أم أنكم لم تكونوا علي علم بإعتقالهم أصلا وربَ عذر أقبح من الذنب!!
لكن دعوات تلك الأمهات المكلومات لن تذهب سدى وستتكسر على سبحة أمِ -تناجى ربها في الثلث الأخير من الليل- دبلوماسيتكم وجهودكم ويعوضها الله خيرا من تدخلكم لحل مشكلة ابنها الذي تقطعت به السبل..
فقد استجاب الله لهن ووجد هؤلاء خيرا من جهودكم في رجل تقدم حين تراجعتم وتدخل حين تجاهلتم وأنفق حين أمسكتم عليكم ميزانيتكم..
نعم رجل بسيط ومواطن مهاجر كنتم سببا في تهجيره فكان سببا في اسعادكم وتمثيلكم أحسن تمثيل. رجل متواضع دفعته الظروف يوما إلي أن يترك تلك البلاد العزيزة عليه والتي لم يجد له فيها مكان مع طغيان سياسة المحسوبية المتفشية منذ عقود وقرر أن يبحث له عن وجهة اخري, لكنه سخر كل جهوده وعلاقاته الشخصية وثروته التي حصل عليها في المهجر من أجل انجاز عملكم بالنيابة عنكم دون أن يدري فهو يقوم به لوجه الله تعالي وبدافع مروءة امتزجت بحمضه النووي, ولا يريد منكم ولا منا جزاءا ولا شكورا.
لكننا ومن هذا المنبر سنقدم له جزيلا الشكر لما قام به ويقوم به من حل مشاكل الجالية الموريتانية في آنكولا وخاصة الدور الذي لعبه من أجل اطلاق سراح اخواننا بدءا بإنتداب المحامي وانتهاءا بتكلفه شخصيا تذاكر عودتهم إلي الوطن, نرجوا من الله العلي القدير أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يلهمكم الصواب وأن تتمكنوا من مراجعة مواقفكم تجاه رعاياكم في الخارج.