إخوتي الموريتانيين... ما رأيكم أن نخلد ذكرى لاستقلال الوطني بإعادة التفكير مجدداً في المكاسب التاريخية والأخطاء التأسيسية التي اكتنفت ظهور دولتنا الوطنية الحبيبة.
ولعل أول ما يقتضي إعادة التفكير فيه هو التصنيف التقليدي لصراع الآباء المؤسسين قبيل الاستقلال.. حيث إن الرواية السائدة عادة تتهم تيار حزب النهضة بالعمل لجعل موريتانيا ولاية مغربية... دعماً لمطالبات أشقائنا الشماليين حينها... في حين كان تيار الرئيس المؤسس المختار بن داداه، رحمه الله، يعمل على العكس، لإقامة دولة وطنية.
إن عمل الرئيس المختار، طيب الله ثراه، لإقامة دولة وطنية موريتانية مستقلة وذات سيادة ليس محل تساؤل.. فهذه حقيقة معلنة وماثلة... ولكن ما يتعين وضعه قبل علامات استفهام كثيرة هو الزعم بسعي تيار وطني وزعيم وطني كبير كالمرحوم أحمد بن حرمة إلى استلحاق موريتانيا بأي بلد آخر... مهما كان قريباً وشقيقاً بل أقرب من الشقيق.
لقد كان الزعيم أحمدُ بن حرمة بن ببانه، طيب الله ثراه، قائداً شجاعاً ومدرسة من مدارس الوطنية الموريتانية... ولم يكن أبداً يريد ضم موريتانيا إلى أي بلد شقيق آخر... هذا ما يقوله المنطق... وما يقوله تاريخ الرجل الوطني والنضالي... وما يقوله أيضاً بعض أكثر الشهود على ذلك العهد ثقة ومصداقية. وأحيل هنا إلى مقابلة أجراها الزميل الصحفي محمد محمود بن بكار سنة 2000 مع السياسي الوطني المخضرم شيخنا بن محمد الأغظف، مد الله في عمره، وهو مَن هو مكانة ومصداقية، حيث نفى بشكل قاطع أن يكون الزعيم حرمة كان يريد أي شيء غير استقلال موريتانيا.
وكان من الأخطاء التي رافقت التأسيس ويوم الاستقلال تفريطنا في عاصمة بلادنا طيلة الفترة الاستعمارية، مدينة اندرْ (سان لويس السنغالية الآن)، وقبولنا ترسيم الحدود مع الأشقاء الجنوبيين على خطوط جديدة غير تلك التي كانت قائمة تاريخياً، وكان بعضها معتمداً في فترة الاستعمار أيضاً. وكان الخطر الأكثر كارثية من ذلك هو تفريط نظام 10/7/1978 في ولاية تيرس الغربية... لأن موريتانيا يوم دخلت حرب الصحراء حينها وضحَّت في مخاضاته بكثير من دماء أبنائها كان يفترض، وهي الأقرب حقاً وصدقاً، ألا تخرج قبل تنظيم استفتاء لسكان الولاية هل هم مع البقاء مع موريتانيا من عدمه... ولكن نظام العسكر الفاشل حينها فرط في كل تضحيات بلادنا... إلى الأبد.
وكان من الأخطاء التأسيسية أيضاً الإخفاق في إيجاد استجابات فعالة لمسألة مواطنينا الموريتانيين- الأفارقة طيلة فترة الخمسة وخمسين عاماً الماضية... والرأي عندي أن هذه المسألة بدأت بتظلمات وهمية إلى حدما... وانتهت إلى تظلمات حقيقية لا غبار عليها في آخر عهد الرئيس معاوية... إذ بدأت في أحداث 66 بتهم زائفة للنظام بتهميش الأفارقة في الإدارة العمومية من خلال عرض إحصاءات غير موثوقة... واتهامه أيضاً يوم الاستقلال بأن بعض أكبر الضباط الموريتانيين الموروثين عن الاستعمار كانوا من الأفارقة ولكن تم تكوين ضباط عرب بسرعة لمزاحمتهم في الوظائف القيادية في الجيش الوليد... بحسب بيانات عام 66 دائماً... وازدادت الحساسية مع كل عملية تمكين جديدة للغة العربية في الإدارة والتعليم... والحال أن الموقف لا يبدو أنه كان من العربية في حد ذاتها... بل كان تعبيراً عن تنافس غير حميد على الموارد... لأن الدولة حينها كانت هي الموظف الوحيد في سوق التشغيل الوطنية... وهذه الحساسية من دخول العرب "البيضان" سوق العمل نجد إشارة إلى بذورها الأولى في عشرينيات القرن الماضي في مذكرات الرائد "جيليه" الموسومة "التوغل في موريتانيا" حيث ذكر عرضاً أن المجندين الأفارقة بدأوا يتحسسون من تزايد وتيرة تجنيد «بيضان» في قوات الجمّالة الفرنسية وإنشاء وحدات عسكرية منهم... لأنهم سيشكلون منافساً على فرص توظيف الحكومة، التي كانت شبه محتكرة للأفارقة الموريتانيين، والسنغاليين، والأفريقيين الغربيين الآخرين.
ولكن تظلمات الأفارقة- الموريتانيين اليوم تحولت إلى تظلمات حقيقية ولم تعد حساسية أو تنافساً على الموارد الشحيحة... وخاصة بعد الجرائم العنصرية التي تعرضوا لها في التسعينيات... وهي جرائم نأمل أن يكون الحل الذي اجترح لها قد طوى بعض ما ترتب عليها من إساءه بالغة لمواطَنتنا الموريتانية... وفي هذا المقام أرفض أيضاً ثقافة الإفلات من العقاب.. فليس باسمنا ولا باسم وطننا وقعت تلك الممارسات... ومع أن العقاب عموماً ليس حلاً نموذجياً إلا أن العفو وطي صفحة الماضي الأليم يقتضي قراءتها أولاً... ثم العفو وفق كافة متعلقات الإنصاف والمصالحة الأخرى.
من ضفحة المدون حسن المختار احريمو