بعد تعرض العاصمة الفرنسية باريس لسلسلة تفجيرات متتالية الأسبوع الماضي، أدت إلى مقتل نحو 140 شخصًا ومئات الجرحى، تصاعدت نبرة الهجوم على الإسلام في أوروبا ، وسط تحذيرات من استغلال داعش لمشاعر الكراهية ضد المسلمين لتجنيد عناصر جديدة لتنفيذ عمليات أخرى، وأن هذه الخطوات ستعمل على صعود اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة لأكثر من دولة أوروبية، والدخول في معارك كثيرة. إن وجود مجتمع منقسم في العراق وسوريا، يجعل تنظيم «داعش» يأمل بأن يفعل الشيء نفسه في أوروبا من خلال إجبار الأفراد على التحيز، واللجوء إلى المشاعر العشائرية والغريزية، أو القضاء على "المنطقة الرمادية" كما وصفها التنظيم في وقت سابق. وكما يدرك تنظيم «الدولة الإسلامية» وغيره- تكافح أوروبا لدمج العديد من المجتمعات المهاجرة في العقود الأخيرة، مما دفع ببعض سكان الجيل الثاني والثالث إلى العيش في أزمة هوية. وقد نتج عن ذلك فجوات معرفية، عمل المجندون الجهاديون في بعض الأحيان على ملئها من خلال هوية متصورة جديدة وأكثر قوة، فضلاً عن نظرة تقوم بصورة أكثر على مقاربة الأبيض والأسود. وأكدت صحيفة دير شبيجل الألمانية أنه من أهم أهداف تنظيم "داعش" أن يشعر المسلمون في أوروبا بالإقصاء والتهميش، وذلك "سيجعل إمكانية تجنيدهم أسهل، وإذا كانت هناك رغبة في ضرب مخططات الجهاديين، لابد من التمسك بثقافة الترحيب وعدم منح الفرصة للإرهابيين لتجنيد آخرين". وفى نفس الوقت ظهرت دعوات لعدم الدخول في صراعات عنيفة مع تنظيم داعش والبحث عن وسائل أخرى للمواجهة تختلف عن الغارات الجوية، التي ستعود على أوروبا بمزيد من القلاقل، وهو ما عبر عنه زيجمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية وأن الحديث عن الحرب ليس من شأنه سوى إشعال الغضب في ألمانيا، موضحا أن الهجمات لا تغير كل شيء، مضيفا: "لا بد أن نقف معا وأن نظهر أن السلام والديمقراطية وحق كل إنسان في الحياة قائم وأننا سندافع عن هذه الحرية". مخاوف مسلمي فرنسا من جانبهم، يخشى مسلمو فرنسا من تداعيات هجمات باريس، وقد سارع قادة الجالية المسلمة إلى التنديد بالمذبحة وألقى ساسة باللائمة بوضوح على تنظيم داعش الإرهابي الذي أعلن تبنيه عملية التفجيرات التي طالت باريس، لكن مسلمي فرنسا يخشون من أن يوجه إليهم اللوم. محمد موسوي، رئيس اتحاد المساجد في فرنسا، قال: "إن المسلمين هم ضحايا الإرهاب أيضًا، فالإرهابيون هاجموا الفرنسيين ولم يفرقوا بين أحد"، وذلك في إشارة إلى عدد من الضحايا، الذين تم تحديد هوياتهم حتى الآن، من أصول مغربية والذين لقوا مصرعهم في سلسة هجمات باريس ليلة الجمعة. لكنه أعرب في الوقت نفسه عن قلقه مما قد يطال المسلمين من ردود فعل لا تفرق بين الإرهابيين وبين المسلمين، بحيث قال: "أنا قلق ممَّا من شأنه أن يحدث للمسلمين في المستقبل؛ لذلك كفى تحميل المسلمين مسؤولية ما يحدث في فرنسا من أعمال إرهابية". ورأى مسلمو فرنسا البالغ عددهم 5 ملايين كيف تم الربط بينهم وبين العنف بسهولة بعد هجمات وقعت في يناير، وأسفرت عن مقتل 17 شخصًا بصحيفة شارلي إيبدو ومتجر للأطعمة. وزادت في الأسابيع التالية التصرفات المعادية للمسلمين مثل كتابة الشعارات على جدران المساجد وتوجيه الإهانات للنساء المحجبات، وسجل المرصد الوطني لمكافحة الخوف من الإسلام زيادة قدرها 281 % في هذا النوع من الهجمات في الربع الأول من عام 2015 مقارنة بالأشهر الثلاثة نفسها من العام السابق، موضحًا أن مسلمي فرنسا أصبحوا مرة أخرى ضحايا للإرهاب. من جانب آخر ترى صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أن الجميع يتساءل في مناطق المسلمين في العاصمة الفرنسية باريس: هل ستؤدي الموجة الجديدة من العنف باسم الإسلام إلى عمليات انتقامية ضد المجتمع المسلم؟وجاء في تقرير أوردته الصحيفة أن مصليًّا في جامع إيفري- كوركروني، الذي يقع في حي تعيش فيه الكثير من الإثنيات، ويبعد عن باريس 20 ميلًا، أجاب قائلا: "بالطبع، نحن خائفون". وأضاف: "لم نختر هذا ليحدث، والأشخاص الذين قاموا به هم مجرمون وليسوا مسلمين، ولم يكونوا متشددين، ولكنهم قتلة، ولكن ليس كل شخص يرى هذه الرؤية".وذكر التقرير أن المسؤولين الفرنسيين حذروا من إمكانية مداهمة المساجد التي تعد ملجأً للراديكاليين، وأنه لم يتم ذكر مسجد كوركروني، ولكن هذا لم يمنع السكان هناك من الخوف حول المناخ العام الذي يسود أوروبا. لافتة إلى أن تصريحات زعيمة الجبهة القومية مارين لوبان، التي دعت المواطنين الفرنسيين إلى "محو الأصولية الإسلامية" و"السيطرة على حدودهم"، لم تكن عاملًا مساعدًا. إغلاق المساجد المتطرفة وقد أعلن رئيس الحكومة الفرنسية عزم حكومته إغلاق مساجد وجمعيات متطرفة يتم فيها "انتهاك قيم الجمهورية الفرنسية". يأتي ذلك في ظل المخاوف التي طالت العالم عقب التفجيرات الإرهابية التي شهدتها باريس، وفي الوقت الذي تعيش فرنسا فيه حالة طوارئ، أعلن وزير الداخلية برنار كازنوف نيته إغلاق المساجد والجمعيات التي تنشر فكرًا متطرفًا، وطرد الأئمة الذين يدعون للعنف والكراهية، ويتم التحضير لقرار سيُنَاقَش قريبًا في مجلس الوزراء. وقال كازنوف على تلفزيون فرانس2: إن حالة الطوارئ هي أن نتمكن بطريقة حازمة وصارمة من طرد أولئك الذين يدعون للكراهية في فرنسا، سواء كانوا متورطين في أعمال ذات طابع إرهابي أو مشتبه في تورطهم بها، مضيفًا أن هذا يعني أيضا أنني بدأت بأخذ إجراءات بهذا الصدد، وسيجرى نقاش في مجلس الوزراء بشأن إغلاق المساجد التي تبث فيها الكراهية، كل هذا يجب أن يطبق بأكبر حزم.وجاءت تصريحات الوزير متطابقة مع تصريحات زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن التي قالت السبت إنه يتعين على الحكومة تشديد إجراءاتها الأمنية.وأضافت لوبن ردًّا على دعوة الرئيس فرانسوا أولاند الفرنسيين للتوحد في وجه تلك الهجمات: "لا بد للشعب أن يبقى موحَّدا". مبادرات لمواجهة "الإسلاموفوبيا" من جهة أخرى ، أعلن الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية المصرية- عن مبادرة عالمية جديدة لدار الإفتاء المصرية للتصدي لظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، عقب الهجمات الإرهابية الأخيرة التي طالت عددًا من دول العالم كان آخرها العاصمة الفرنسية باريس. وأوضح مفتي الجمهورية خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده صباح اليوم في دار الإفتاء أن المبادرة تستهدف "غير العرب" من مختلف بلدان العالم عن طريق عدة آليات، سيتم من خلالها مواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي تجتاح أوروبا، وشرح تعاليم الإسلام الصحيحة، وتبيين الفرق بين الإسلام الحق والتصورات المشوهة التي تروجها الجماعات المتطرفة في الغرب. من جانبه قال الدكتور إبراهيم نجم ، مستشار مفتي الجمهورية : "حان الوقت للتواصل والتحدث المباشر مع الآخر، فلقد أهدرنا الكثير من الوقت في التحدث مع أنفسنا كعرب ومسلمين، ومن الضروري التواصل مع الآخر لبيان الصورة الصحيحة والمساهمة في الحد من ظاهرة الإسلاموفوبيا". وأشار نجم إلى أن المبادرة ستبرز الحقائق حول الإسلام باللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية؛ حتى نستطيع الوصول لأكبر شريحة ممكنة، وهو الأمر الذي سيفضح بدوره البنية الأيديولوجية لجماعات التكفير. علي صعيد آخر سيوزع "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، وهي الهيئة التمثيلية للإسلام في فرنسا، في نحو 2500 مسجد أثناء صلاة الجمعة المقبلة "نصا رسميا" يدين "دون لبس" كل "شكل من أشكال العنف أو الإرهاب". وأوضح بيان للمجلس أنه "في مواجهة القتل العشوائي الذي ارتُكب" في 13 الشهر الحالي في باريس وأوقع 129 قتيلا، يدعو المجلس وجميع المنظمات الإسلامية، المساجد في فرنسا إلى تخصيص "خطبة الجمعة لهذه الأحداث المأساوية التي أثرت بعمق" في البلاد. وأضاف أن المجلس "سيوزِّع" على المساجد "نصا رسميا يمكن أن يكون بمثابة توجيه للخطبة". يذكر أن قادة الجمعيات الإسلامية الرئيسية، والتي لا تمثل جميع المساجد في فرنسا، دانت "همجية" اعتداءات باريس. من جهته، دعا الجامع الكبير في باريس، وهو رمز لما يقرب من قرن على وجود الإسلام في فرنسا، إلى تجمع ظهر الجمعة المقبل. - وكالات