عندما أعلنت وزيرة الشؤون الخارجية الأمريكية السابقة (كونداليسا رايس) عن الفكرة، قيل حينئذ إنّها تهدف إلى إحداث فوضى وبلبلة وعملية خلط أوراق في المنطقة تُفضِي إلى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة غير المرغوب فيها/ أو غير المتعاونة-بما فيه الكفاية-مع أصحاب هذه الفكرة، وحتى لو أدّى ذلك
إلى تدمير هذه البلدان. كما قِيل إنّ من أهدافها إضعاف القدرات العسكرية والاقتصادية لهذه البلدان، حتى يبقى خصوم العرب في المنطقة متفوقين عسكريا، وهو ما يطلقون عليه مصطلح "التوازن العسكريّ" !
وقد وجدت هذه الفكرة آذانًا صاغية لدى بعض شعوب المنطقة من خلال شعار: "الربيع العربيّ". هذا "الربيع" الذي مازالت ملابساته وتداعياته عصِيةً على الفهم، وما زالت مآلاته في علم الغيب...
ولعل الهدف الرئيس- إضافة إلى ما سبق-يتجسّد في إعادة تشكيل الدول العربية في المنطقة - بعد تفتيتها وإضعافها- في شكل دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها، والقضاء بذلك على حلم العرب في الوحدة الشاملة، وتحرير أراضيهم المحتلة، والنهوض ببلدانهم من خلال تفعيل العمل العربيّ المشترك، وتوحيد الموقف العربيّ من القضايا الدولية بما يضمن لهم انتزاع حقوقهم المشروعة وهم يمثلونة كتلة بشرية وازنة...
واليوم ونحن نشاهد ما آلت إليه الأمور في المنطقة، وبعيدًا عن الجريِ وراء ما يسمّى "نظرية المؤامرة"، نرى أنّ السحرَ قد انقلب على الساحر، لأنّ هذه الفكرة/ أو النظرية/ أو المقولة (لا عبرة باللفظ، ولا مشاحّة في الإصطلاح) قد نجحت في الشق الأول المتمثل في "خلق الفوضى"، لكنها في شقها الثاني المتمثل في أنها "خلّاقة" قد مُنِيت بفشل ذريع.
ودليلنا على أنّ هذه "الفوضى" لم تكن "خلّاقة" هو أنّ الوضع في المنطقة قد خرج تمامًا عن السيطرة، وأصبح همّ العالم أجمع يتلخص/ ويُختزَل في القضاء على "داعش" !
ولعلنا نتذكّر هنا ما قاله/ جورش بوش الابن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سابقا-وهو يقرر غزو العراق- من أنّ العالم سيصبح أكثر أمنا بعد ذهاب صدام. والواقع المعِيش اليوم يقول إنّ العالم كان أكثر أمنًا في زمن صدّام (رحمه الله). ولا يُستبعَد أنّ العالم اليوم يود- في سبيل القضاء على "داعش"- لو كان في الإمكان عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل البدء في تنفيذ هذا المشروع المشؤوم، مكتفيًّا من الغنيمة بالإياب.