الحقيقية التاريخية والتي كانت ما ثلة للعيان منذ الخمسينيات (الا لمن اراد لبس الحق بالباطل وهو يعلم ) هي ان الزعيم حرمة ولد بابانا بعد هجرته واعلانه الجهاد ضد فرنسا من القاهرة سنة 1956 ما كان له أصلا ان يغادرها بعد ستة اشهر ويواكب المغرب في مطالبه لولا استحالة الجهاد من مصر وهو الاكراه
الذي ادي به الي تلك المواكبة تفعيلا للجهاد لا نفيا لاستقلال كان خصومه هم من ينفونه من خلال دعمهم لفرنسية موريتانيا واستمرار احتلالها. وما مغادرته المشهد المغربي الذي طغت عليه قيادته لعمليات جهادية ضد جنود الاحتلال الفرنسي، الا تأكيدا لهذا الطابع التكتيكي. وخلافا للقراءة الاستعمارية للا احداث ومواقف الخصم المتمشية مع مضامين الأجندة الاستعمارية ومفاهيم "الشرعية الفرنسية" والتيكشف التزوير زيفها ،،،تنطلق القراءة الوطنية او هكذا يجب ان تكون ،،من التاويل الاسلامي للاحداث ومواقف الساسة لتحكم عليها سلبا او ايجابا. خطا اوصوابا،،وفي هذاالسياق لا نستغرب ان كانت فرنسا ومن اورثتهم الحكم من منفذي اجندتها قد حكموا با الجرم علي أجندة النائب المقاومة للاحتلال ،،،ولاكن نستغرب ان تتمسك النخب خاصة المهتمة با الشأن التاريخي العلمي والأكاديمي بذات النظرة الفاقدة لأبسط مناهج البحث التاريخي
لقد نسوا هولاء ان البحث العلمي في مجال التاريخ يقوم علي مستويين : الاول وقائعي والمفروض انه محل اجماع لانه سردي للاحداث والثاني تأويلي للاحداث والمواقف وليس محل اجماع اذ يختلف من محلل لآخر با ختلاف أدوات التحليل والسياقات والمرجعيات وعادة ما يحبذ علميا من المؤرخ أنصاف الفرقاء من خلال عرض مقاربات كل منهم ومحاولة فهما في سياقاتها الفكرية التبريرية والزمنية والسياسية ،،، ،،المفارقة وللاسف الشديد ان نخبنا تعمد علي غرار المستعمر وحلفاءه تجاهل بعض الوقائع التاريخية المعروفة والموثقة في تحيز مكشوف ومسبق لوجهة نظر المستعمر ضد وجهة نظر خصمه الزعيم حرمة ولد بابانا،،
،فمثلا من الأحداث المفصلية والتي يقفزون فوقها وهي موثقة اوشبه محل إجماع تزوير الإدارة الفرنسية لانتخابات 1951 و 1956 ،،هجرة ولد حرمة الي مصر وإعلانه الجهاد ليقفزوا مباشرة علي دعمه لشعار" مغربية موريتانيا" لا بهام الناس انها قناعته ولم تاتي في سياق جهادي تكتيكي كاداة فعالة لتحقيق الاستقلال ! وترسيخا لهذه المغالطة في أذهان الناس ،يتجاهل ايضا كون ولد حرمة غادر المغرب مع مغادرة اخر جندي محتل الأراضي الموريتانية صوب الديار المقدسة سنة 1956 حيث اتخذها منطلقا للدعوة الي الله ونشر الاسلام عبر افريقيا والعالم في إطار رابطة العالم الاسلامي الذي كان من اعضاءها الموسسين البارزين النشطين
فبين من كان يري بوجوب استعداء النصاري (أعداء الله ورسوله كما كان يحلوا للزعيم حرمة ان يصفهم عبر نداءاته الجهادية وخطبه السياسية عبر اثير اذاعة صوت العرب القاهرية ) ماداموا محتلين ،،،وهي نظرة شيخ المجاهدين العلامة الشيخ ماء العينين والذي شكل جهاد ولد بابانا انبعاثا و امتدادا لها بلباس يقود الي الدولة الوطنية المستقلة،،،ومن كان يري بضرورة مهادنتهم والسير مع مشروعهم وهي النظرة التي اصل لها العلامة باب ولد الشيخ سيديا وسار عليها كل من شكل واجهة المستعر في خصومته مع الزعيم بدءا من رزاك 1946 وانتهاءا با الرئيس المختار ولد داداه ومرورا بولد يحي نجاي،،، كان علي النخب عامة والمؤرخة خاصة ان لم تنحاز لمقاربات التيار الجهادي نظرا لدعمه من جمهور علماء الامة ،،،ان يلزموا الحياد ،
الغريب الكاشف عن حقيقة الرجال وخلفيات مواقفهم ،،ان الذين كانوا وقتها يتهمون الرجل بمحاولة الحاق موريتانيا با المغرب ظلوا يتمسكوا با ستمر آر الحاق موريتانيا بفرنسا وصوتوا ضد استقلالها سنة 1958 ،،، ولم يمتلكوا أبدا من روح الوطنية ما يدفعهم الي مقارعة المحتل كما فعل ولد حرمة الذي ضحي بكرسيه النيابي والرياسي المنتظر ، دفاعا عن كرامة شعبه وهوبته ودينه وعرضه ومقدساته!
ما كان ابدا لأنصار المستعمر من موقعهم الداعم لاحتلال نصراني كافر ،،ان يزايدوا علي من عرف منذ شبابه بتضحياته من اجل رفعة الوطن والمواطن بخلفية دينية كاشفة ،،وما كان أبدا لنخب تعتز بانتمائها لهوية البلد الإسلامية وتعمل بادوات البحث العلمي في مجال التاريخ وتفترض فيها النزاهة الفكرية والموضوعية والإنصاف ، ما كان لهذه النخب ابدا ان تستمر في قراءة عوراء للأحداث تتحاشي عمدا منها ما يبرز الطابع التكتيكي لمواقف الزعيم من المطالب المغربية وتنفخ في اخري بغية إظهار الذين تقاعسوا عن الجهاد وركبوا موجة المستعمر لتوصلهم الي سدة حكم كيان وهمي الاستقلال ،،وكانهم من ناضل واسس بينما الحقيقة غير ذالك
ان القراءة الوطنية لتاريخ الاستقلال تجمع بين النظرة الشمولية للأحداث ومواقف أطراف الصراع والتأويل الاسلامي لهذه الأحداث نظرا لطبيعة الصراع الدائر ببن تيار وطني يستمد شرعية المتغير والثابت في مواقفه من المرجعية الإسلامية لشعب يقع تحت احتلال نصاري مغتصبين،،وتيار اخر موال لمشروع هؤلاء ،
مما لاشك فيه ان سيطرة القراءة الاستعمارية للاستقلال تعود الي سيطرة التيار الاستعماري علي السلطة بعد رحيل المستعمر عكس ما حصل في البلدان المغاربية الذي ادي فيه وصول التيار الوطني للسلطة ،الي سيطرة القراء الوطنية للأحداث المرافقة للاستقلال ،،وللوقوف عند العلاقة بين طبيعة الأنظمة التي حكمت فجر الاستقلال والقراءة الوطنية للاستقلال نورد مستويين من المواقف لهما دلالات كبري ضمن السياق الموريتاني
-المستوي الاول يتعلق بشعار مغربية موريتانيا الذي رفعه حرمة ولد بابانا لتفعيل جهاده المعلن في القاهرة
في القاهرة وجد الزعيمان المغاربيان الموريتاني حرمة ولد بابانا والجزايري احمد بن بلا نفسيهما بين مطرقة المطالب المغربية اتجاه بلديهما وسندان الاستسلام ضمنيا لواقع الاستعمار نظرا لاستحالة ضربهما المحتل الفرنسي في عقر دارهما دون دعم حدودي ولوجستيكي مغربي ، وبما ان الغاية تبرر الوسيلة وطبقا لفقه الأولويات ( الاستقواء بجار مسلم يدعي ولا يحتل لطرد كافر يدعي ويحتل اقرب للشرع وتحقيق الهدف من الاستسلام او شبهه من خلال الوقوف عند النداءات الجهادية من الفاهرة مع أهميتها في تجييش الأنصار
حزم الزعيمان امرهما وقررا خوض جهادهم ضد الفرنسيين تحت راية الجار المسلم
وقد أثبتت الأحداث سلامة النظرة الاستراتيجية للزعيمان اذ أتي جهادهم أكله دون ان بحتل المغرب بلدانهم المحررة بهم ،،
مايهمنا إبرازه في هذا الصدد هو ان حكومة الاستقلال الجزائرية بما انها منبثقة من الحركة الوطنية التحررية لم تقرا موقف المناضل احمد بن بلا كما قرأته حكومة الاستقلال الموريتانية المنبثقة من التيار الاستعماري فيما بتعلق بولد حرمة ،،إنما وضعته في سياقه التكتيكي التحرري من الاحتلال الفرنسي وضمن روح تضامن الشعوب المغاربية ضد الاستعمار والذي أسس لها مكتب المغرب العربي با القاهرة منذ الخمسينيات ،،اكثر من هذا قراته من كبار المجاهدين الذين ناضلوا ضد الاستعمارليخرجه صاغرا من ارض المليون شهيد
-المستوي الآخر يبرز كيف ان حكومة الاستقلال في تونس المنبثقة هي ايضا من رحم النضال ضد الاستعمار صارحت وعلي لسان المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة ،،الشعب التونسي يوم إعلانه الرسمي للاستقلال( 20 مارس 1956) حينما اكد ان هذا الأخير لم يكتمل بعد ولن يكتمل وتصبح تونس دولة مستقلة الا اذا رحل عنها اخر جندي فرنسي محتل ! انها نبرة المنتزع للاستقلال من جلاديه .فالمختار ولد داداه بنبرة مهادنة ترمزالي ما ترمز اليه لم يزد خلال إعلانه للاستقلال علي ما يرضي فرنسا ولم يصارح شعبه بان معركة الاستقلال لم تنتهي بعد الا مع خروج اخر جندي فرنسي ،،بورقيبة لانه معني اصلا بجهاد منحه الشرعية الشعبية و اوصله الي السلطة رغم انف المستعمر واصل ما سماها بمعركة الجلاء ضد ما تبقي من جنود الاحتلال الفرنسي الي ان تحررت دولته كليا يومه 15 من اكتوبر 1963 ليخلد هذا البوم كعيد وطني اخر في ااذاكرة التونسية يذكرهم بان الشعب التونسي أعظم من ان يستكين لمستعمر يتلكا في منحه استقلالا كاملا غير منقوص
اذن لو أراد الله للتيار التحرري ان يصل الي السلطة في موريتانيا لرأي كما تري تونس في العمليات الجهادية التي جرت بين 1960 و 1965 ملحمة اخري تنضاف الي رصيد الشعب النضالي في صراعه الطويل من اجل انتزاع الاستقلال دون ان يكون في ذالك إلغاءاللاحتفال با علان الاستقلال ،،فتونس مثلا تحتفل بعيد الاستقلال اعلانا وبعيد الجلاء اكمالا للسيادة الوطنية ،،،
لافخر ولا اعتزاز لمقاومة شعب يتبعها أستسلام ولا تتواصل لانتزاع الاستقلال! ،،فوحده تواصلها حتي انتزاع الاستقلال يكسب الشعوب عظمتها بعدم الآستكانة ،،بعبارة اخري لامعني لمقاومة مسلحة تنتهي بهزيمة أصحابها الا اذا تلت تلك الهزيمة ،بعد فترة استراحة محارب يلتفظ فبه الشعب المهزوم انفاسه ، حركة وطنية سياسية ومسلحة يأخذ من خلالها ثأره ويستعيد كرامته وحريته غلابا!
للشعب الموريتاني اذن وقد قاوم وانهزم وما استكان ان يفتخر علي غرار الشعوبالمغاربية ،
في وطنه رحل يومه ٧من يوليوز 1979 النائب الاول والأب الشرعي لامة خرج من رحم معاناتها وأصوات ديموقراطيتها الأولي،،،،،رحل تاركا وراءه رصيدا نضاليا يحسب لامة موريتانية حق لها ذكره فخرا واعتزازا بين الامم والشعوب التي نالت استقلالها جهادا ،،،،رحل من ادخلته نار الغيرة علي الدين والعرض والأرض وشرف الأمة في صراع طويل ومرير مع مستعمر ركن لسيطرته الجميع ،،،، وهو املاز كان اول من بعث في الأمة روح المقاومة بعد انكسارها عام 1935 ليستمر في رفع شعارها سلميا تحت شعار فرنسية موريتانيا وعسكريا تحت شعار مغربية موريتانيا الي ان تحررت البلاد من اخر جندي مستعمر عام 1965. ..صراعه مع فرنسا الاستعمارية الكافرة دام ثلاثون سنة عشرون منها داخل البلاد(1935-1956) وعشر خارجها (1956-1965) ظل المتغير فيهامجرد الشعار والمضمون الثابت استعداء للمستعمر وجهاد لايلبن بما تسمح به إكراهات وسيا قات المرحلة،،،رحل أخير من شهد له الخصوم قبل الأصدقاء ان انقلاب المستعمر علي شرعيته الشعبية والنيابية المنبثقة عبر صناديق الاقتراعات 51و56 ما كان أبدا ليكون لو علي نهج نواب افريقيا سار ذليلا ،،،لكنه علي نهج العرب الاحرار من مصر الي المغرب مضي مجاهدا حتي النصر با الاستقلال كامل غير منقوص الاركان ،،
فطوبا له ولأمة أنجبته.
الأستاذ عبد الله ولد المختار
باحث في مجال التاريخ