إلى نخبة الدهر وبهجة العصر صاحب النهي والأمر نائب المسلمين الموريتانيين السيد أحمد بن حرمة بن المختار بن ببانا ...
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ما تعاقب سكون العالم وحركاته وزفرات المحب وعبراته ...
أوجبه أني أعيد إليك تحية في طيها وصية راضية مرضية تجعلها تقية .. وهي:
كتبت إليك والعبرات تمحو سطوري والغرام علي يملي
وقد أرسلت روحي في كتابي ولو أني استطعت لكنت كلي
الحمد لله الذي قيض لهذه الأمة من يقوم لها بأمورها في ورودها وصدورها وتغيبها وحضورها حتى تعبر عما في ضميرها من جزاء لها وشكورها وقيض لها من يعمر خرابها من معمورها ويبني مجدها قبل دورها ويرفع أهل فضلها على أهل فجورها؛ والصلاة والسلام على نورها السبب في ظهورها وشفيعها إذا بعثرت من قبورها وحصل ما في صدورها...
أما بعد : وفي كل واد بنو سعد فإن موريتانيا تم سرورها وحبورها وطلعت في برج السعود شموسها وبدورها وغنت في أيكها طيورها وتفتق في رياض الفرح نَورها واستُأنس نورها واصطحبت أرانبها وصقورها وأسدها وبيقورها وانتظم منثورها والتأم مكسورها وأمن مذعورها وسكن نفورها من بعدما كاد يفور تنورها وتنكفي قدورها وهبت صباها بعد ما كادت تهب دبورها؛ ولما قام لها بباريس فتى موعودا وهو من أنضر أهلها عودا وأكرمهم جدودا وأوفاهم عهودا وأحكمهم عقودا لا زال محسودا وبحرا مورودا وكهفا مسرودا وسببا ممدودا ليس سائله مردودا وليس نائله محدودا وهو أول قومه لهذا الأمر ورودا ولسان الحال ينشد فيه قول ابن الرومي:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان
فكم أب قد علا بابن ذرى حــــــــــــــــسب كما علت برسول الله عدنان
فهو أدرى بموريتانيا وتدبيرها وهو ابن بجدتها في وقوفها ومسيرها وصاحب عيرها ونفيرها العارف بحال رعيتها وأميرها وصغيرها وكبيرها وسهولها ووعورها وأبانِها وثبيرها وجليلها وحقيرها ومظلمها ومنيرها وقمحها وشعيرها وشاتها وبعيرها وقصرها وبيرها وخورنقها وسديرها؛ أرضعته بلبانها وولد على كثبانها؛ أمه من أغصان بانها ومعدن علمها وإنفاقها وأبوه من أعيان أعيانها ومنبت علمائها وصلحائها ورهبانها فهو مقابل الطرفين كريم الأبوين يرفع نسبه إلى أبي الحسين من رجال الدنيا والدين متع الله بأمثاله من المسلمين :
نسب تحسب العلا بحلاه قلدتها نجومها الجوزاء
وموريتان لا غرو إن أحبها وأشرب قلبه حبها ولسان حاله ينشد في حبها:
أحب بلاد الله ما بين منعج إلي وسلمى أن تصوب سحابها
بلاد بها نيطت علي تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها
وهذه نفثة مصدور قلبه يفور ودمعه يمور بيد أن الدولة في سني الحرب حنت على العيال حنو المرضعات على الأطفال والأسود على الأشبال في زمن يكسف البال ويذهل فيه عن الابن والأب والعم والخال، فلها بذلك منن كالجبال يجب حمدها بعد حمد ذي الجلال؛ إلا أنها لم تفعل في موريتان ما فعلت في السنغال من تنظيم الأمور وقسم البضائع على حسب الأحوال، في كتب بعدد أنفاس النساء والرجال يعطون كل أحد على قدر عياله نصيبا ويقولون: "اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" .
وما هاج الضغائن من حبيب كإيثار الحبيب على الحبيب
وليس ذلك عن قصد اعترى ولكنه من تبدي موريتان وتـأخرها ورا ولكونها منبوذة بالعرا وراجعة القهقرى وليس فيها بيع ولا شرا ولا أجر ولا كرا ولا قراءة ولا قرى ولا بكور ولا سرى فهي كما ترى ينشد لسان حالها:
خذوني رخيصا لاضطراري إليكم ويرخص عند الاضطرار مبيع
وينشد أيضا :
ومن رعى غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
فقلل ذلك نصيبها ولم تأوي قريبها وغريبها ولم تجد إلا الأقل وأخرج الأعز منها الأذل فصارت كشاة بفيفاء وغمامة نزلت صيفا وذئبا نزل على الأسد ضيفا لا عز فيها لشاحب ولا هيفاء حتى تداركها الله بفتاها المذكور وأعانه خليلاه الأمين وسينغور جعل الله سعيه من السعي المشكور وعمله من العمل المبرور وفريقه من الفريق المنصور والدولة عونا لهم في جميع الأمور وفعلها على المصالح مقصور قال الشاعر:
فـألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
فلما تم الأمر وائتلف الماء والجمر والخل والخمر ووكل زيد وعمرو الأمر لمن له النهي والأمر أتتك رئاسة موريتان ناشرة أعلامها وكبراؤها أمامها تقودها لك فخذ زمامها ولا تلفت لمن يبث عيبها وذامها فتلك نعمة فسل الله دوامها؛ وقامت موريتان مسندة إليك أمرها تشكو فقرها الذي أنقض ظهرها ترجو أن يغلب يسرُها عسرَها وأن تشرح بالعطاء صدرها وأن تذيب عنها ذعرها وتدخر لها ذخرها وتسعى لها فيما يديم فخرها وتعرف بها قدرها وترفع في العالمين ذكرها وتضع عنها وزرها وتقدم لها زيدها وعمرها وتبسط لها من المال ما يجبر كسرها تجعل فيها من السفن ما يحمل سَفْرها ويؤمن ساكنَها غدرها وتجعل فيها من المدارس العربية والأجنبية ما يرد ذماءها وتسكن به أرضها وسماءها وتحلى بدر العلم أنداءها وتشفي به من الجهل داءها وتعلم أبناء أبنائها وألا تجمع رجالها ونساءها فأقم لبنات عمك حياءها فإن المرأة كلها عورة وحق العورة أن تكون مستورة والمرجو من سيادتك أن تملأ بالعطاء دلاءها وأن تقدم علماءها وصلحاءها وتملأ كمن الميرة وعاءها حتى تشبع بعد طول الجوع فقراءها وتكسوها حتى تجر بعد طزل العري رداءها وتجري في الفيافي ماءها حتى تملأ سقاها وتبرد من غلة العطش أحشاءها وتعمر فضاءها وتنظر فضائلها أكفاءها وأجب نداءها وأقم على التقوى بناءها واملأ بالعلم زواياها وأنحاءها وجنبها قوما تتبع أهواءها وخذ لها الشيب وآراءها والشباب وذكاءها والكهول ومضاءها واجعل أفاضل كل قوم رؤساءها وأخر وراءها غوغاءها وانظر بعين العدل أمامها ووراءها واحفظ لدولتك أصدقاءها واحتفظ أن تغيظ أعداءها
وليس كثيرٌ ألف خل وصاحب وإن عدوا واحدا لكثير
واعلم أنه ما شانها ما أصلح شأنها ولا يزيلها إلا من شاءها ولا تنسيك سراؤها ضراءها ولا أغنياؤها فقراءها ولا أقوياؤها ضعفاءها؛ وأعلم أنك لا تنسى قول الله سبحانه وتعالى : "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" الآية ؛ وأنزل الناس منازلها وقدم على أسافلها أفاضلَها، من غير أن تبخس نفسا مالها واذكر قول الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وأعتقد أن موريتان تجسمت وصارت شخصا واحدا وأنك أنت ذلك الشخص وأنك مخاطب بإيصال ما استطعت من النفع إليها عموما وخصوصا ودفع ما استطعت من الضر وإن كانت العوام لا تعلم الخمرة "وال وصاك اعل امك حكرك" والله يتولى هدانا وهداك يحفظنا وإياك؛ واعلم أننا ما نمنا بعد مسراك ونحب دائما أن نعلم متقلبك ومثواك
عام 1366 هجرية لخمس خلت من ذي الحجة
محمد عالي بن فتى