بعد انقسام المنتدى: ما هو مصير الحوار؟ وكيف ستتشكل الساحة السياسية؟

أربعاء, 12/02/2015 - 11:26

ملفت خاص (أنباء أطلس): أكدت مصادر متطابقة أن منتدى الديمقراطية الموريتانية الذي يضم أبرز أطياف المعارضة حيث انقسم إلى معسكرين أحدهما مؤيد للحوار والثاني معارض له وهي النتيجة التي كان المراقبون يتوقعونها في النهاية منذ فترة.

انقسام المنتدى يطرح تساؤلات جدية حول مصير المعارضة الجادة في موريتانيا من جهة وطبيعة الحوار السياسي المرتقب من جهة أخرى والدي تؤكد الحكومة انها ماضية في تنظيمه بمن حضر.

أيضا تطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل تشكيل الساحة السياسة مجددا قبل وبعد نتائج الحوار المرتقب وما هي النتائج التي يمكن أن يسفر عنها ذلك الحوار في حالة تم تنظيمه وحضره الجناح المؤيد له من المنتدى سابقا.

في هذا التقرير قراءة لمحاولة الإجابة على كل تلك الأسئلة في إطار الإشكالية التالية :ما هو مصير الحوار؟ وكيف ستتشكل الساحة السياسية؟

 

لماذا انقسم المنتدى على نفسه؟

 

أفادت مصادر مطلعة من داخل القطب السياسي للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض، أن الأخير وصل إلى طريق مسدود في البحث عن موقف موحد من الدعوة التي تلقاها من الحكومة لاستئناف مساعي الحوار.

وأضافت المصادر أن القطب السياسي "نظرياً" تفكك بسبب تصلب المواقف، فيما تجري اتصالات تحاط بقدر كبير من السرية لتشكيل تحالفات سياسيةديدة تكون بديلة للمنتدى، الذي كان يعد أكبر تشكيل معارض في البلاد.

وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها فإن جناحاً قوياً قرر الذهاب إلى دعوة الحكومة والدخول معها في حوار جديد، ويضم هذا الجناح كلاً من حزب اتحاد قوى التقدم والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) والاتحاد والتغيير الموريتاني "حاتم".

أما الجناح الثاني الذي يرفض أي لقاء مباشر مع الحكومة قبل الرد على الممهدات فيضم حزب تكتل القوى الديمقراطية والتناوب الديمقراطي والطلائع من أجل التغيير، مع إمكانية أن يلتحق بهم حزب اللقاء الديمقراطي الوطني.

ويتشكل المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة من ثلاثة أقطاب رئيسية هي: القطب السياسي، قطب النقابات والمجتمع المدني وقطب الشخصيات المستقلة.

وبحسب ما أكدته نفس المصادر فإن تصلب المواقف داخل القطب السياسي للمنتدى، جعل القطبين الآخرين يوجهان رسالة قوية إلى القطب السياسي تتهمه بأنه "يختطف القرار في المنتدى.

وقالت رسالة القطبين إن الرأي العام أصبح ينظر إليها على أنها مجرد ديكور داخل المنتدى، وأنها مهمشة ومهملة أمام القطب السياسي الذي ينفرد باتخاذ القرارات الكبيرة.

وسبق لهذين القطبين أن أبلغا رئاسة المنتدى استعدادهما للدخول في تشاور مع الحكومة تمهيداً للحوار، من دون أن يحدث ذلك أي ضجة على غرار التي حدثت داخل القطب السياسي.

المؤشرات تؤكد أن تفكك القطب السياسي يعني تفكك المنتدى، وأن الأحزاب الرافضة للقاء الحكومة بدأت تتحرك بحثاً عن حلفاء جدد لتشكيل كتلة سياسية جديدة تكون أكثر راديكالية من المنتدى .

أما الأحزاب التي تدفع نحو التشاور مع الحكومة والتمهيد للحوار، فقد بدأت هي الأخرى البحث عن تدعيم صفوفها بأحزاب وهيئات من المجتمع المدني للدخول في مشاورات مع الحكومة، ولكن السؤال يبقى: هل ستطرح هذه الأحزاب الممهدات السابقة، أم أنها ستدخل الحوار من دون ممهدات.

 

جناح الحوار أقوى

 

يرى المراقبون أن جناح المنتدى السابق الذي يؤيد الحوار أقوى من الجناح المعارض حيث يضم 3 أحزاب لها وزن سياسي كبير هي اتحاد قوى التقدم وتواصل وحزب حاتم ،في حين يضم الجناح المعارض للحوار سوى حب واحد له وزن شعبي هو التكتل.

ويرى مراقبون ان جناح الحوار بالإضافة لوزنه الشعبي له مرجحات أخرى منها دعمه القوى من رف جانبين معارضين هامين هما كتلة المعاهدة بما فيها حزب التحالف ذي الوزن الشعبي والقيمة التاريخية بالإضافة لحزب تمام الذي له وزن كبير في أنصار الرئيس السابق .

كما أن هذا الجناح يلقى مساندة  قوية من مؤسسة المعرضة الديمقراطية الممثل الرسمي للمعارضة أمام الحكومة وفي البرلمان .

ويدعم هذا الجناح أيضا الرأي العام الوطني في شق كبير منه ومنطق الأمور حيث أن الجميع مل من التجاذبات السياسية ويرغب ان يرى البلد في حوار سياسي جاد يخرج البلاد من أزماتها السياسية ويفتح الباب امام التناوب الديمقراطي الحقيقي بعد انتهاء مأمورية الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز.

 

المعارضة .. والمسار المتعرج

 

لم تعرف موريتانيا وحدة للمعارضة قبل المنتدى والذي يرى المراقبون أنه شكل وحدة للمعارضة لأطول فترة في تاريخ البلاد بسبب أنه يضم تشكيلات غير سياسية كانت تسهر على ضمان وحدة القطب السياسي.

وقد عرفت المعارضة الموريتانية انقسامات كثيرة ومسارا متعرجا منذ نشأة المسار الديمقراطي 1992 أدى بها إلى التصنيفات التالية:

معارضة ضد السلطة: تشمل أغلب الطيف السياسي المناوئ للسلطة الحاكمة الآن في موريتانيا أو المنتقد لها في أحسن الحالات، ويمكن تصنيف هذه المعارضة أيضًا إلى خطين أساسيين: معارضة رسمية تتحرك ضمن الدائرة الرسمية للدولة حوارًا وتقاربًا أكثر من تعاملها مع المعارضة. ومن أبرز أقطاب هذا الخط جبهة المعاهدة و مؤسسة المعارضة الديمقراطية ضمن هذا الخط المرن من المعارضة.

معارضة "راديكالية" كان يمثلها منتدى الديمقراطية والوحدة، ويمكن أن يلحق بها بعض قادة المعارضة الآخرين الذين يمكن تصنيفهم بمعارضة رجال الأعمال.

معارضة للدولة: وتقوم فلسفة هذه المعارضة على الانتقاد اللاذع للشكل السياسي والمحتوى الاجتماعي للدولة الوطنية التي تأسست عقب الاستقلال الوطني باعتبارها دولة لا تتساوى فيها الفرص أمام مواطنيها، ولا تعكس في هويتها الرسمية تعدد الهويات والأعراق، ومن أبرز عناصر هذه المعارضة، الحركات الزنجية المطالبة بحقوق السود الأفارقة في موريتانيا، والحركات الحقوقية المطالبة بحقوق شريحة الحراطين .

كما عرفت المعارضة في موريتانيا عدة تشكيلات وتصدعات ومنعرجات كما يلي:

الجبهة المتحدة للتغيير: التي مثّلت تحالفًا سياسيًّا بين أهم الحركات السياسية المعارضة في موريتانيا كإطار سري للتنسيق السياسي بين تلك القوى، وقد تأسست تلك الحركة على ركام الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد نتيجة الأحداث العرقية في الفترة ما بين 1987-1990، وقد انتهى مسار هذه الحركة بتأسيس حزب اتحاد القوى الديمقراطية ودعم المرشح أحمد ولد داداه للرئاسيات. وسرعان ما دبّ الخلاف بين أطراف هذا الحزب وغادرته حركة الحر ورئيسها مسعود ولد بلخير، قبل أن تبدأ أيضًا رحلة الهجرة منه تجاه النظام، إضافةً إلى أزمة الصراع القوي على الشرعية بين رئيسه أحمد ولد داداه(6)، ومجموعة اليسار ممثلة في السياسي محمد المصطفى ولد بدر الدين، لتنتهي بذلك الفترة الذهبية للمعارضة في موريتانيا، خطابًا ووحدة وجماهيرية.

جبهة أحزاب المعارضة: وهي إطار سياسي تجميعي ضمّ أقطاب المعارضة للتنسيق والتشاور في الفترة ما بين 1994 إلى 2005، وشملت أبرز القوى السياسية والحركية المعارضة في موريتانيا.

ائتلاف قوى التغيير: وهو الإطار الثالث الذي أنشأته قوى المعارضة عقب انقلاب 2005 ضد الرئيس السابق معاوية ولد الطايع، واستطاعت من خلاله تنسيق بعض التحالفات الانتخابية، قبل أن ينتهي مساره بالتفكك مع مشاركة ثلاثة من أحزابه في التشكيلات الحكومية.

الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية: تأسست مباشرة عقب الانقلاب العسكري عام 2008 ممثلة بذلك استثناء فارقًا في المواجهة السياسية للانقلابات العسكرية في موريتانيا والتشبث بالروح المدنية للسلطة، قبل أن تُنهي مسارها هي الأخرى مع الاتفاق السياسي في دكار عام 2009

منسقية المعارضة: وهي الطبعة الخامسة التي شكلتها المعارضة عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، ومثّلت إطار تحالفٍ قوي ضد النظام، كما نشطت بقوة من أجل إسقاط النظام عبر مسار "الثورة أو الرحيل" قبل أن يتسرب إليها الفشل من جديد عبر مسارين:

• انسحاب حزبي التحالف والوئام وتشكيلهما لقطب المعاهدة، مدشنين معارضة مرنة ومهادنة

• خرق حزب تواصل لإجماع المنسقية ومشاركته في الانتخابات التشريعية عام 2013

منتدى الديمقراطية والوحدة: وهو التشكيلة الحالية للمنتدى ويضم أربعة أقطاب سياسية هي

• القطب السياسي: ويضم حوالي 14 حزبًا، أغلبها ضعيف التأثير والقوة السياسية.

• القطب النقابي: ويضم أربع مركزيات نقابية

• قطب المجتمع المدني: ويضم عشرات المنظمات غير الحكومية، وأغلبها ضعيف التأثير.

• قطب الشخصيات المستقلة: ويضم رئيسًا سابقًا وحقوقيين وضباطًا ووزراء متقاعدين، أغلبهم ينتمي إلى حزب الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

كما عرفت المعارضة الموريتانية أزمات كثيرة من أبرز مظاهرها:

أزمة الثقة والحساسيات: لا تقف أحزاب المعارضة في موريتانيا على أرضية واحدة من الثقة، بل ظل التباعد والحساسيات الأساس في التعامل المتبادل.

ويتجلى عدم الثقة الصراعُ والتنافس الدائم بين أحزاب في المنتدى هي تكتل القوى الديمقراطية وحزب تواصل، وهو الصراع الذي عطّل عمل منسقية المعارضة، وأدى في النهاية إلى تسرُّب الوهن السياسي في صفوفها. وفي مقابل ذلك، يحتفظ حزب اتحاد قوى التقدم بحساسيات مماثلة مع حزب حركة التحالف من أجل العدالة بقيادة صار إبراهيما، وهو الحزب الذي أنهى تمثيل حزب اتحاد قوى التقدم لزنوج منطقة الضفة الذين وجدوا لسنوات عديدة في قوى التقدم مأوى لطموحاتهم السياسية، بعد الصراع العنيف بين نخبتهم المعارضة وبين نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

وتظهر تلك الحساسيات أيضًا بشكل شخصي بين رموز المعارضة، فلم ينسَ رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير حرمانه من الترشح لرئاسيات 1992 لصالح المرشح الموحد للمعارضة أحمد ولد داداه.وفي ذات السياق تجد أحزاب من المعارضة نفسها أيضًا غير واثقة في مواقف حزب تواصل، الذي سبق أن عاهدها على مقاطعة الانتخابات البلدية والنيابية عام 2013 ثم تخلى عن ذلك العهد بسرعة فائقة.

كما يصعب بناء جسور الثقة بين المعارضين في منتدى الديمقراطية والوحدة، وبين زملائهم في جبهة المعاهدة المعارضة، حيث لا ينفك القيادي في المعاهدة مسعود ولد بلخير يتهم المنتدى بمحاولة تجاوزه، وربما سرقة أفكاره وتوجهاته السياسية. ويكفي للدلالة على عمق الأزمة تخلِّي رئيس حزب التحالف مسعود ولد بلخير عن مشروع الرحيل، حيث كان أول من طالب به، بعد أن تبنته أحزاب المعارضة الأخرى، ثم خلاف أحزاب المعارضة حول ما بعد نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز -دون أن يكون هنالك أي مؤشر عملي على ضعف النظام أو قرب نهايته- وهو أمر آل في النهاية إلى صراع قوي، أدى إلى تفكك المنسقية وضياع هدف الرحيل.

أزمة الشخصنة في القيادة: لا يمكن الاستدلال على أزمة المؤسسية بحزب واحد فقط من بين أحزاب المعارضة؛ ففي حزب تكتل القوى الديمقراطية تبرز مركزية رئيسه أحمد ولد داداه باعتباره الزعيم الأوحد للحزب في كل طبعاته المتعاقبة، وفي حزب التحالف الشعبي التقدمي أدت مركزية رئيسه مسعود ولد بلخير إلى هجرات قوية من الحزب، الذي لا يزال ينتظر عقد مؤتمره الدوري منذ أكثر من ست سنين، ويبدو نفس الأمر في حزب المستقبل الخارج من عباءة التحالف الشعبي، وفي حزب الوئام الاجتماعي الديمقراطي.

 

ماهو مصير الحوار؟ ..وكيف ستتشكل الساحة السياسية؟

 

يرى المراقبون انه مع قبول 3 أحزاب وازنة في المنتدى هي اتحاد قوى التقدم وحاتم وتواصل المشاركة في الحوار فإنه من المتوقع ان يكون لهذا الحوار نوع كبير من المصداقية وستنتج عنه قرارات هامة ربما تساهم في تسهيل التناوب الديمقراطي وتساعد على انتشال البلاد من أزماتها السياسية .ولكن يبقى تطبيق تلك النتائج المتوقعة هو الفيصل في كل ذلك كع رغبة انظام فعلا في حوار جاد مع تلك الأحزاب أسياسية وبشرط إبعاد الصبغات الإيديولجية والمصالح الضيقة لتلك الأحزاب عن طاولة المفاوضات المرتقبة.

وبالنسبة لتشكيل الساحة السياسية المرتقب بعد تفكك المنتدى فيرى مراقبون انه سيكون على الجميع الانتظار لما بعد نتائج الحوار المنتظر  لمعرفة الأقطاب السياسية الجديدة في الساحة السياسية التي على ضوئها ستتحدد معالم تشكيلة المعارضة المقبلة .

ويؤكدون أيضا أن التكتل قضى على نفسه سياسيا من خلال تهميش نفسه والرضا بشغل المقعد الفارغ وسيعرف قريبا النتائج الوخيمة لهذا الموقف، في حين ستتصدر أحزاب المنتدى الثلاث المشاركة في الحوار المشهد السياسي للمعارة الفاعلة في المشد السياسي مستقبلا.

كما يرون أن المسار التاريخي السالف الذكر والعوائق والخلافات التي عرفتها المعارضة منذ نشأة المسار الديمقراطي 1992ستبقى حتما مؤثرة في عملها ما لم تنتهز الفرصة الحالية للحوار وتتوحد ضد النظام في سبيل حوار جاد وفعال يفتح الباب أمام مسار ديمقراطي حقيقي يتيح لها المشاركة بفعالية في إدارة البلد ورسم شأنه السياسي في المستقبل.