غلاء الأسعار بموريتانيا.."مشكلة " بلا حل (خاص)

أربعاء, 01/20/2016 - 15:54

تقرير ـ (أنباء أطلس): أياما قليلة بعد تقديم الوزير الأول لبيان يلخص عمل الحكومة في العام الماضي ويستشرف خطة عملها في العام الجاري، ارتفعت أسعار الكثير من المواد الأساسية رغم ما جاء في خطاب الوزير الأول من تطمينات حول سلامة الوضع الاقتصادي للبلد واعتناء الحكومة بالمواطنين خاصة ذوي الدخل المحدود.

ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة لم يجد المواطنون له تفسيرات، ولم تقدم الجهات الرسمية أي مبررات له كعادتها. رغم أن المواد الزراعية المختلفة منخفضة الأسعار في العالم حاليا.

فيما يلي تعليق على  أسباب غلاء أسعار المواد الأولية بموريتانيا في ظل انخفاضها عالميا.

 

بالتأكيد أن الكثير من المواطنين لا يفهمون في متغيرات الاقتصاد التي قد تساهم في انخفاض الأسعار الذي لم يتمتعوا به، حيث لم يسبق لسلعة أن ارتفعت في موريتانيا وهبطت مع انخفاض أسعارها عالميا. كما أن الكثيرين بالتأكيد وكما جرت العادة لا يفهمون، في ظل الصمت الرسمي المطبق لماذا ارتفعت أسعار بعض المواد الأولية في الآونة الأخيرة.

لقد شهد السوق الموريتاني ارتفاعا كبيرا في أسعار بعض المواد، خلال الأسبوع الماضي شملت الأرز المستورد الذي وصل سعر خنشة 50 كلغ منه إلى 16000 أوقية، كما ارتفع سعر كل من السكر والزيت، كما لا يزال الغاز في سعر مرتفع ومعه اللحوم الحمراء والوقود.

ولعل ما أزعج المواطنين كثيرا هو أن ارتفاع الأسعار الأخير، جاء بعد طمأنة من الوزير الأول من خلال معطيات اقتصادية قدمها، مؤكدا أن البلاد لا تعاني من مشكلة سيولة وأنها تمتلك كافة الإمكانيات اللازمة وأن  الخزينة تحتوى على حوالي 24 مليار من الأوقية و850 مليون دولار في الحساب الخارجي للحكومة أي ما يغطى سبعة أشهر من الاستيراد.

وأكد الوزير الأول أيضا أمام البرلمان أن الحكومة كانت تتوقع انخفاض أسعار صادرات المعادن وقامت بإجراءات لتنويع قاعدة الإنتاج وتنويع مصادر الدخل.

وقال إن المعطيات التي تم الاطلاع عليها من خلال الميزانية خاصة ميزانية 2015، توضح أن المداخيل بدون البترول والهبات، وصلت 413 مليار أوقية، مقابل 397 مليار أوقية سنة 2014 أي بزيادة 16 مليار أوقية.

وأضاف أن تلك الميزانية لا تشمل المداخيل المتعلقة باتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي، لأن المفاوضات كانت لاتزال وقت إعدادها متواصلة .

وقال الوزير الأول إنه يتوقع خلال سنة 2016 أن تصل المداخيل حوالي 422 مليار أوقية، مما يدل على وضوح الرؤية والبرمجة الواضحة والمتابعة الدقيقة، مبرزا أن الدولة في الـ 31 ديسمبر الماضي ليست مطالبة بدين خارجي ولا داخلي حل زمنه، كما أنها تتوفر على أكثر من 20 مليارا من الأوقية في حساب الخزينة وأكثر من 850 مليون دولار في حسابها الخارجي، وهو ما يغطي تكاليف الاستيراد لفترة سبعة أشهر.

وبخصوص شراء الحكومة مادة الأرز الموريتاني من المزارعين المحليين، قال رئيس الوزراء ان انتاج الأرز في موريتانيا تطور من 20 ألف طن الى 112 الف طن، وأن موريتانيا تقوم بشراء احتياجاتها من الأرز الخاصة ببرنامج "أمل" الذي يمكن أن يهتم بتوزيع المساعدات الغذائية على المحتاجين، مضيفا انه لا يمكن ان تحل محل المنتجين في تسويق إنتاجهم، بل تقوم بدعم المنتجين من خلال زيادة الضرائب على المستورد وتوفير الأسمدة ومحاربة الطيور.

وأوضح أن عدد الحوانيت المفتوحة ضمن هذا البرنامج بلغت خلال السنة المنصرمة 1124 حانوتا، وقد باعت في السنة المنصرمة من مادة الأرز تقريبا، وهي نفس الكمية التي باعتها خلال السنتين السابقتين لها بمعدل سنوي يقدر ب56656 طن.

وبناء على ما سبق من معلومات اقتصادية قدمها الوزير الأول تفاءل المواطنون بعدم ارتفاع قريب في الأسعار على الاقل ولكن العكس هو الذي حدث.

يقول متابعون ان ارتفاع الأسعار الأخير يجد تفسيره في عدة أسباب:

بالنسبة للأرز المستورد فرضت الحكومة عليه رسوما جمركية، إضافة في سبيل دفع المواطنين على شراء منتوج الأرز المحلي الأقل جودة من ناحية، بالإضافة لمضاربات التجار في الأسعار الخاصة به في السوق المحلي.

وبالنسبة للغاز فهو مرتفع السعر منذ مدة ويعود ارتفاعه بحسب متابعين رغم انخفاض البترول ومشتقاته عالميا إلى ارتفاع كلفة إنتاجه ومشاكل مالية تعرفها الشركة منذ فترة، والوقود الذي انخفض عالميا وفي عديد الدول إلا انه في موريتانيا لم ينخفض سعره، هنا بسبب إصرار السلطات على استرجاع مبالغ الدعم التي كانت تصرفها عليه سابقا.

وبالنسبة للسكر والزيوت وباقي المواد الأخرى فيقول متابعون للسوق إن سبب ارتفاع أسعارها لا يعدو المضاربات في السوق..

وتعاني موريتانيا من جملة مشاكل تجعلها غير مؤمنة من ارتفاع الأسعار، حيث أنها تستورد 70 % من حاجتها الغذائية والصناعات المحلية قليلة وضعيفة ،وكذا قطاع الزراعة الذ مازال ضعيف المردودية ويعاني منتوجه من الأرز، وهو الأقل استهلاكا محليا من خشونة وصعوبات في الحصاد تجعله غير قادر على منافسة الأرز الخارجي.

كما تعاني العملة المحلية الأوقية من ضعف كبير أمام   العملات الأجنبية التي يتم الاستيراد بها من الخارج: الدولار338 أوقية واليورو 366 اوقية، بالإضافة إلى أن الدول المستوردة لا تتحكم في تضخمها لأنها تستورد التضخم من الدول التي تستورد منها البضاعة.

وكل تلك النقاط السابقة تؤثر على وضعية الأسعار بشدة من حيث الارتفاع المتكرر لأن الاستيراد من حيث المبدأ يتم معه التأثر اقتصاديا بوضعية التضخم في الدولة التي يتم منها .

بالإضافة لذلك يرى مراقبون للإقتصاد في موريتانيا أن تحكم مستورد واحد في منتوج معين يجعله يمارس الاحتكار مما يجعل القاعدة الاقتصادية التي تقول "السعر تابع للعلاقة بين العرض والطلب حيث انه كلما كثر العرض انخفض السعر والعكس صحيح" ولكن هذه القاعدة لا تتمتع بها سوق البضائع في موريتانيا. نظرا لكثرة الاحتكار الممارس من طرف بعض المستوردين وذلك بسبب تبني "اقتصاد السوق"، مع غياب قاعدة أخرى ضرورية في التبادل فيه حيث إن الاقتصاديين يقولون إن دور الدولة في مراقبة السوق "مراقبة الأسعار" ومنع الاحتكار.

ومنذ تبني موريتانيا اقتصاد السوق في منتصف الثمانينات، بعد ربع قرن من الاقتصاد الاشتراكي تقريبا، كانت هذه الليبرالية عرجاء بحسب مختصين في الاقتصاد حيث لم تقم الدولة بدورها في ضبط ومراقبة الأسعار. الأمر الذي عرض المواطنين لغلاء دائم في الأسعار ومضاربات في الأسواق وغيب المنافسة بين التجار بسبب تخصص غالبيتهم في بضاعة واحدة يستوردها دون منافسة وهو ما قضى على قانون "العرض والطلب" الضروري لموازاة الأسعار، حسب وضعية غلاء وانخفاض سعر البضاعة في كل فترة بالسوق الدولية.

ويقول بعض الموردين إن المواطنين لا يفهمون أن دولة  تستورد ترتفع فيها الأسعار غالبا لأن الأسواق الدولية مضطربة وتؤثر فيها عوامل عديدة لا يعيها الشارع الموريتاني، الشيء الذي يؤثر  في الأسواق الدولية وبالتالي على الأسعار ومنها:

الإضطرابات السياسية في العالم

أسعار الطاقة

الكوارث المناخية

الطلبيات على بضاعة من دول كبيرة

أسعار النقل  في البحار

أسعار التأمينات على نقل البضاعة دوليا

التضخم في الدولة المستورد منها

تقلبات أسعار العملات الدولية

وبالنظر إلى أن موريتانيا دولة تعتمد في غذائها على الاستيراد، فإن الأسعار لا تتحكم فيها الدولة ولا المستورد. وإنما تلك العوامل التي قلما توجد حالة استيراد إلا وتتأثر ببعض منها أو بها جميعا. وبالتالي فإن المستورد، لكي يوفر البضاعة للسوق المحلي عليه أن يأخذ كل تلك الاعتبارات عند تحديد سعر بيع البضاعة لصاحب دكان التقسيط، الذي بدوره سيزيد ربحه وتكاليف الحمل على ثمن الشراء، وبالتالي ستبقى الأسعار دائما غالية على المواطنين.

وترى الدولة أنها بذلت جهودا كبيرة من خلال "برنامج أمل" الذي أنفقت عليه أربعين مليار أوقية  وبلغ عدد المستفيدين منه 600 ألف عائلة وهو عدد زهيد مقارنة بعدد السكان 3.5 مليون نسمة، في حين أن التقارير الدولية تقول إن نسبة الفقر في موريتانيا تصل 42 % ونسبة البطالة 30 %ـ وهي الأعلى في العالم العربي "الارقام الرسمية تضعها في حدود 10 %"، كما أن موريتانيا تعتبر من بين الدول الإفريقية الأضعف في سلم الرواتب واحتلت المرتبة 156 في تقرير التنمية البشرية لسنة 2015الذي من بين مؤشراته الأساسية توفير الأمن الغذائي.

إن كل تك المعلومات والمؤشرات تجعلنا نفهم "لغز" ارتفاع الأسعار المستمر في موريتانيا منذ فترة طويلة.