ملف خاص (أنباء أطلس): أعلنت الحكومة الموريتانية أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، أنها ليست بصدد تخفيض سعر الوقود وشددت على أنها تدعم الغاز المنزلي بـ 7 مليارات، وكانت تدعم الوقود في فترة صعوده في حين لم تكن تدعمه دول قامت بتخفيض سعر المحروقات الآن.
ويأتي إعلان الحكومة هذا، كنوع من الرد غير المباشر على الجدل الدائر حاليا في الساحة الوطنية حول ضرورة خفض أسعار الوقود، أسوة ببعض الدول المجاورة .
ومع أن الجدل طال في هذا الموضوع الحيوي والهام بين المواطن والحكومة، إلا انه لم تلح في الأفق بعد بشائر انتصار المواطن في مواقفه، الداعية إلى تخفيض سعر الوقود رغم أن الواقع الدولي لسعر المادة يشفع له.
في التعليق التالي تقييم للمواقف من الجدل حول تخفيض أسعار الوقود في موريتانيا.
لا يحتاج المرء كبير عناء لملاحظة تأثير أسعار الوقود على حياة المواطنين في المدن والأرياف ومفصلية علاقته بظروفهم المعشية،حيث يتدخل في كل سبل الحياة بدء بالنقل والكهرباء ومرورا بضخ المياه وتوفير الخدمات الإدارية والإنارة العمومية وغيرها.
ورغم الصعوبة القصوى التي يمثلها ارتفاع أسعار الوقود، حيث يؤثر سلبا على أسعار المواد الأولية ونقلها وبيعها للمواطنين وعلى أسعار تذاكر تنقل المواطنين في العاصمة والداخل، رغم كل ذلك فما تزال الحكومة تصر على أنها لن تخفض أسعار الوقود.
وأكدت أنها لن تدعم أسعار الوقود أيضا، يقول الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد الأمين ولد الشيخ إن دعم أسعار المحروقات لا يستفيد منه الفقراء. فأغلبية المواطنين ليست لديهم سيارات، ويستفيدون من المواد الأساسية مخفضة الأسعار التي يتم نقلها على حساب الدولة، والادعاء بانعكاس أسعار المحروقات عليها دعوى مردودة.
ونوه بأن دكاكين "أمل" التي تشكل "الممون الرئيسي" بالغذاء للفئات الهشة لن تتضرر من عدم خفض أسعار المحروقات، لأن نقل المواد الغذائية التي تباع فيها يتم عن طريق السيارات التابعة للحكومة وبالتالي لن تتأثر بارتفاع أو انخفاض سعر المحروقات.
وشدد ولد الشيخ على أن الدولة دعمت أسعار المحروقات لسنوات عديدة، في الوقت الذي وصلت فيه أسعارها إلى أعلى معدلاتها، حيث كانت تدعم كل لتر محروقات بـ 85 أوقية، ومازالت حتى اللحظة تدعم أسعار الغاز المنزلي ب 7 مليارات أوقية سنويا. حسب قوله
وأشار إلى أن موريتانيا دعمت المحروقات في فترة كانت دول الجوار التي يتحدث اليوم عن تخفيضها للأسعار المحروقات لا تدعم الأسعار وكانت المحروقات تهرب إلى هذه الدول من موريتانيا.
ويرى كثير من المواطنين أن تبريرات الحكومة هذه ينقصها المنطق ذلك أن الغالبية الساحقة من المواطنين لا تستفيد من حوانيت "أمل"، ولا تشتري منها أصلا "600 الف عائلة" هي التي تستفيد منها فقط. وبالتالي فإن غالبية المواطنين يشترون من الحوانيت العادية والأسواق، وهي غير مدعومة في الأسعار من طرف الدولة وترتفع الأسعار فيها يوميا ولها علاقة وطيدة بسعر الوقود.
ويؤكد كثيرون منهم انه لا معنى لبقاء سعر اللترب385 أوقية للمازوت، في حين انه يباع في الدول المجاورة الأقل اقتصادا منا ب100 أوقية، كما أن دعوى السلطات بضرورة الحفاظ على السعر الحالي لاسترداد مبالغ الدعم السابقة لا مبرر له، لأنها في زمن طفرة أسعار النفط عندما كان 147 دولار و120 دولارا قبل سنتين حققت أرباحا هائلة تعوض كل مبالغ الدعم السابقة.
ويقولون انه ليس من المنطق اعتبار دعم الوقود غير مجد، لأن المواطنين جميعا لا يمتلكون سيارات وبالتالي لن يستفيدوا من هذا الدعم. وذلك لأن غالبية المواطنين يتنقلون وبالتالي سيساهم دعم المحروقات في خفض تكاليف النقل، والتي ستنعكس بدورها على أسعار المواد الأولية في الحوانيت العادية.
وتقول مصادر مطلعة على موضوع أسعار الوقود محليا، أن المقرر الوزاري النصف شهري الصادر في الـ7 من يناير2016 والذي يحدد تركيبة سعر المحروقات المكررة بموريتانيا، يفيد بأن سعر طن المازوت عند التسليم في ميناء الصداقة قد وصل 356.51 دولار للطن. وهو ما يعني أن سعر اللتر عند وصوله قد وصل الي 104 أوقية، (سعر صرف الدولار 342 أوقية) يضاف إليها حولي 75 أوقية على شكل رسوم جمركية وضريبة على القيمة المضافة (20 %) ، وهامش أرباح لشركات التوزيع (17 أوقية )وأصحاب المحطات (8 أوقية)، إضافة لتكاليف التخزين والتفتيش ...الخ، حيث يصل سعر التكلفة النهائي للتر إلى حوالي 180 أوقية.
ويرى بعض المراقبين أن الدولة يمكنها أن تخفض أسعار الوقود، ولن تخسر شيئا وبالمقابل ستربح رضا المواطنين وتحسن من أحوالهم المعيشية تلقائيا، لأن تخفيض أسعار الوقود ينعكس على شتى مناحي الحياة. وليس مثل الدعم الذي لا يعم بالفائدة بالتساوي لمن لديه سيارة ومن لا يملكها من جهة، كما أنه ليس مثل حوانيت "أمل" التي لا تستفيد منها إلا فئات محدودة من جهة أخرى.
كما أن تمويل برنامج حوانيت "أمل" ب40 مليار أوقية في حين لا تستفيد منه إلا فئات محدودة يعتبر عدم مساواة بين المواطنين في دعم الأسعار، وهو أمر غير مقبول حيث يجب أن تبحث الدولة عن آلية لدعم الأسعار يستفيد منها جميع المواطنين وفي هذه الحالة سيكون دعم الوقود في مقدمتها.
ويشير بعض المراقبين، إلى أن عدم استجابة الحكومة للمواطنين الذين قام بعض منهم بمظاهرات لأسبوعين متتاليين في "كرفور مدريد" للمطالبة بخفض أسعار الوقود ضمن حملة "ماني شاري كزوال" غير مبرر. ويعتبر إهمالا ولا مبالاة للشأن العام وللشعب الذي انتخب السلطة الحالية وعليها الاستجابة لمطالبه ما دام هو مصدر شرعيتها.
ويرى كثير من المواطنين أن النظام الحالي يعيش تناقضا، فهو من ناحية يرفع "شعار رئيس الفقراء" منذ أيامه الأولى ومع ذلك لا يحن على الفقراء ولا يحميهم في موضوع خفض الأسعار من خلال خفض أسعار الوقود. وبالتالي فمن الضروري لكي تجد شعارات مثل هذه رواجا وسندا في واقع المواطنين الذين باتوا يشككون في مصداقيتها نظرا للصعوبات التي باتوا يعيشونها في ظروفهم المعيشية.
ويقول بعض المواطنين إن موضوع أسعار الوقود بات أكثر من مقلق، في ظل الارتفاعات المتكررة كل أسبوع المرتبطة به وغياب كامل للدولة في وضع أي آلية لمراقبتها، وفي ظل الزيادات المحدودة للأجور وتدهور القيمة الشرائية للعملة من جهة وارتفاع نسبة البطالة من جهة أخرى.
ويتساءل كثيرون منهم عن عائدات الطفرة المتأتية، من ارتفاع الأسعار في النفط خلال الأعوام الماضية وعائدات صندوق النفط الذي يوجد في فرنسا وماذا لا تستخدمها الدولة في دعم أسعار المواد الأولية لمساعدة المواطنين وتخفيف صعوبات الحياة عليهم. وما هو جدوى رفع الضرائب على بعض المواد الأولية كالأرز المستورد والسكر مثلا، وهي مواد شديدة الأهمية ولا يوجد اكتفاء منها محليا خاصة وان الأرز المحلي ليس عالي الجودة.
وطبعا يرغب المواطنون بالإضافة للأسعار، في خفض أسعار الوقود وتوفير خدمات جيدة في القطاعات الحساسة كالمياه والكهرباء والصحة والتعليم والنقل. وهذه القطاعات تلقي بصعوبات كبيرة على المواطنين خاصة التعليم والصحة والنقل، حيث تستنزف هذه القطاعات الثلاث على وجه الخصوص ميزانية غالبية الأسر الموريتانية من متوسطي الدخل، مما يجعلهم غير قادرين بما تبقى من دخلهم، مسايرة ارتفاع الأسعار الجنوني. وبالتالي يدخلهم ضمن دائرة الطبقات المحدودة الدخل.
وفي سبيل مراقبة الأسعار وضبط ظروف المواطنين المعيشية، كثيرا ما طالبت منظمات حماية المستهلك أولا بتخفيض أسعار الوقود، باعتباره رافعة الأسعار وطالبت ثانيا بوضع آلية رسمية ودقيقة لتحديد أسعار تراعي القدرة الشرائية لغالبية المواطنين، لكن يبدو أن وزارتي النفط والتجارة وهما القطاعان المعنيان لم تستجيبا لهذه المطالبات.
ولا يعرف الكثير من المواطنين أن هنالك أسبابا أخرى تساهم في ارتفاع الأسعار وهي عدا السبب الرئيس الذي كانت الحكومة تتكئ عليه في فترات سابقة "ارتفاع أسعار النفط" جلب التضخم من أسواق الاستيراد الدولية وتكاليف النقل "مرتبط بسعر النفط بدرة كبيرة"، وتأمين البضاعة من الأسواق الدولية وقيمة العمة المحلية مقابل سلة العملات الدولية التي نستورد بها "الدولار واليورو" وقيمة العملات التي تباع بها الصادرات المحلية، وهي أساسا الدولار قبل وصولها للبلد ورسوم الجمارك والمضاربات في السوق المحلية من طرف التجار المحليين حيث لا تحدد الدولة هامشا محددا لأرباحهم .
كما تعاني العملة المحلية الأوقية من ضعف كبير أمام سلة العملات الأجنبية، التي يتم الاستيراد بها من الخارج "الدولار338 أوقية واليورو9 أوقية"، بالإضافة إلى أن الدول المستوردة لا تتحكم في تضخمها لأنها تستورد التضخم من الدول التي تستورد منها البضاعة.
ومع أن الدولة أبقت الدعم على الغاز بـ 7 مليار أوقية. إلا أن تكاليف الطاقة الكهربائية في موريتانيا مازالت تعد مرتفعة وغير متوفرة بالقدر الكافي، كما أن الإنارة العمومية ضعيفة والنفاذ للكهرباء على صعيد المنازل ضعيف حوالي 200 ألف زبون طبقا لبعض الإحصائيات. وهذه كلها مجالات تتأثر بأسعار الوقود، على غرار النقل الذي ارتفعت أسعاره بنسب تتراوح ما بين 0 % و100 % بسبب غلاء الوقود.
وتبقى مشكلة ارتفاع أسعار الوقود، مؤثرة على المواطنين ومعاشهم وتنقلهم ووسائل عيشهم ووسائل راحتهم المختلفة وهم يشعرون بكثير من خيبة الأمل، حيث يرون دولا أقل من موريتانيا موارد اقتصادية تستجيب لتطلعات مواطنيها وتخفض أسعار الوقود، وهي التي توفر خدمات وتعمل على تحسينها بكثير في كل المجالات، في حين لا توفر بلادنا كثيرا من الخدمات الأساسية ولا تراعي حاجة المواطن لتخفيض سعر الوقود، لعل ذلك يخفف من وطأة صعوبة ظروف حياته المعيشية اليومية.