تحقيق خاص (أنباء أطلس): نحن شعب قليل وبلدنا يملك ثروات هائلة ومع ذلك لا نستطيع أن نعيش" يندر أن تستقل سيارة أجرة أو تكون في مكان عام إلا وسمعت نقاشا دائرا حول صعوبة العيش في موريتانيا محوره تلك الجملة .
لا يفهم المواطن البسيط في المعادلات الاقتصادية ومفاهيم الناتج الوطني الخام ومعدل النمو وقواعد الاقتصاد الكلي والجزئي بقدر ما يلمس في الواقع صعوبات كثيرة تحول دون حصوله على رغيف الخبز بسهولة مع السكن والصحة والدواء والتعليم والنقل بالنظر إلى ما تزخر به بلاده من ثروات .
بيد أن المهتمين بالجانب الاقتصادي يرون أن جزءا كبيرا من معاناة المواطن في يوميات الحياة، سببه "الفساد" وهو ما أكدته تقارير دولية آخرها تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر الاسبوع الماضي الذي صنف موريتانيا ضمن الدول العربية الأكثر فسادا.
وبعيدا عن المناكفات السياسية بين النظام والمعارضة حول الموضوع فإن الفساد في موريتانيا يأخذ طرائق شتى ويتم التستر عليه بطرق كثيرة وصبغه بعمليات تجعله يبدو معاملات طبيعية. وقد بدأ البعض يطرح تساؤلات حول دور الأجهزة الرقابية الكثيرة ومدى نجاعة عملها، في ظل اكتشاف الكثير من عمليات الاختلاس للمال العام على الأقل في العام الماضي.
في التحقيق التالي نبحث عن موضوع الفساد في موريتانيا: أنواعه وأضراره.. ؟
الفساد.. المفهوم وفقرة من التقرير
تعرف "منظمة الشفافية الدولية" الفساد، بأنه " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته" وانطلاقا من هذا التعريف يمكن القول إن الفساد منتشر بكثرة في موريتانيا ومكافحته تقتصر على جانب واحد يتعلق بالجانب المالي.
حلت موريتانيا في رتبة متأخرة في تقرير الشفافية الدولية 2015 مقارنة مع دول المغرب العربي الأخرى حيث حلت في المرتبة 112 في تقرير 2015 في حي نأت دول المغرب العربي باستثناء ليبيا في مراكز متقدمة تونس 76 الجزائر والمغرب 88
ولوحظ أن الدول التي تنتشر فيها النزاعات والاضطرابات والدكتاتوريات، هي من بين أكثر الدول فسادا، وأقلها أمنا أيضا.
فمثلا جاءت الصومال في المركز الأخير من حيث الشفافية، أي أنها أكثر الدول فسادا، واحتلت المركز 167 متساوية في ذلك مع كوريا الشمالية.
وفي المركز قبل الأخير، جاءت أفغانستان واحتلت المركز 166، بينما احتلت السودان المركز 165، وسبقتها مباشرة دولة جنوب السودان، الدولة المستقلة المعلنة حديثا واحتلت المركز 163، متساوية مع أنغولا.
وحلت قبلهما مباشرة ليبيا والعراق اللتان تعانيان نزاعات متعددة لعل أخطر تنظيم داعش والفصائل المسلحة، واحتلتا المركز 161.
وحلت اليمن وسوريا، وهما تعانيان من مشكلات أمنية واقتتال داخلي، واحتلتا المركز 154 بين الدول الأكثر فسادا.
وكان وضع جزر القمر أفضل قليلا فاحتلت المركز 136، بينما حل لبنان في المركز 123بين الدول التي تعاني من الفساد .
وفي المراكز دون 100، احتلت جيبوتي المركز 99، بينما تساوت المغرب ومصر والجزائر في معدل الفساد بحسب المنظمة واحتلت هذه الدول المركز88
وجاءت سلطنة عمان في المرتبة 60، بينما جاءت الكويت في المركز 55 والبحرين (50) والسعودية (48) والأردن (45) والإمارات (23) وقطر (22)، والدولتان الأخيرتان من بين الدول المتقدمة على سلم الشفافية والأقل فسادا.
الفساد في موريتانيا أنواع شتى ...
استطلعنا مجموعة آراء في هذا التحقيق عسانا، نتعرف على أنواع الفساد الأكثر انتشارا بموريتانيا:
المختار أستاذ اقتصاد جامعي يقول تنتشر في موريتانيا أنواع كثيرة من الفساد من أهمها "الوساطة والزبونية واستخدام الأملاك العمومية بشكل شخصي، أما الجانب المالي الذي تقول السلطات إنها تحاربه فقد عرفت البلاد كثيرا من الفضائح المالية في ممثليات الخزينة بالداخل العام الماضي، وسمعنا عن الكثير من عمليات تبييض الأموال يقوم بها بعض المسؤولين الكبار، كما وصل الفساد قمته بالتعدى على بيع الأملاك العمومية المقدسة مثل عملية بيع 3 مدارس مؤخرا بنواكشوط .
من جهته يؤكد عمر الناشط في المجتمع المدني لمكافحة الفساد، أن الفساد منتشر بموريتانيا بكثافة وبكل أنواعه، فمثلا هنالك الفساد في الصفقات العمومية ويتجلى في عدم الرقابة على مبالغها ولمن تسند له حيث سمعنا عن إسناد الكثير من الصفقات لمقربين من النظام ومنع مقربين من المعارضة من الاستفادة منها ، كما يبرز استخدام سيارات الدولة لأغراض شخصية ووقودها والمكالمات الهاتفية على حسابها وهي ممارسات ما تزال سائدة.
وفي جانب آخر هنالك اكتتاب المقربين في مختلف مراحل الإدارة والتغطية على تقاعدهم ومنحهم عقود عمل بدون وجه حق، في حين يحرم المستحقون الحقيقيون لعدم وجود وساطات، أو عدم استخدام الزبونية من طرفهم للحصول على حقوقهم، ومن أكثر أنواع الفساد شيوعا مماطلة عمال في دفع حقوقهم ومنحهم أجورا ضعيفة وفصلهم بشكل تعسفي، وهي أمور شائعة خاصة في القطاع الخاص. وقد تحدث في القطاع العام بالنسبة للعقدويين، وهنالك ضعف الرواتب لغالبية الموظفين مما يؤدي ببعضهم للرشوة مقابل زيادة رواتب المسؤولين الذين يتقاضون رواتب كبيرة.
المحاسب سيدي يقول: "هنالك أنواع من الفساد يعرفها إلا من يعملون في القطاع المالي منها عرقلة تسديد الحقوق مقابل عمولات وتزوير مبالغ الفاتورات ومنح الامتيازات المالية بغير وجه حق، بالإضافة لتبييض الأموال على أسماء الأقارب وعدم وضوح المعاملات المالية في البيع والشراء بالأموال الطائلة التي كثيرا ما نسمع عنها لدى بعض المفسدين في موريتانيا، والتي لا يتم التأكد منها وغض الطرف عن تفتيش قطاعات لأن بها زيد أو عمر موال للنظام وتفتيش أخرى لن بها من تشتم منه رائحة المعارض، والابتزاز عن طريق فرض الضرائب والغرامات على المواطنين في ظل عدم توفير الخدمات المطلوبة مقابلها.
زينب موظفة تقول إن من أنواع الفساد الأكثر استخداما في موريتانيا بالإضافة للرشوة والزبونية والوساطة الاستحواذ على الأملاك العمومية كالسيارات والوقود والبنايات، واستخدام الأملاك العمومية للمصالح الشخصية كالهاتف والسيارات والوقود، والتغيب الدائم عن مقر العمل وعدم أداء الخدمات للمواطنين والاهتمام بشؤونهم .
عبد الله ناشط في منظمة لمكافحة الفساد يقول إن الفساد مستشر في البلد بصورة خفية، حيث تمارس كل أنواعه خاصة أخطرها وهي استغلال المال العام ونفوذ المنصب وتبييض المال العام من طرف بعض تحت أسماء أقاربه ومعارفه وفرض مبالغ مالية وعمولات مقابل خدمات إدارية أو مالية رسمية.
ويؤكد أن أضرار الفساد كثيرة ومعروفة للجميع، فهو يستنزف خيرات البلد ويعيق التنمية ويتسبب كذالك في الفوارق الاقتصادية الكبيرة وهو اعتداء على حقوق الغير في الحاضر والمستقبل.
إحصاءات هامة:
4,5 مليار أوقية عائدات مكافحة الفساد
أجهزة الرقابة المالية الحكومية 3
نسبة الفقر رسميا 31 %
نسبة الفقر دوليا 42 %
تمتلك موريتانيا 600 طبيب
تمتلك موريتانيا 30 ألف مدرس
الناتج القوي للفرد1100 دولار سنويا
نسبة النمو المتوقعة 5.4 %
نسبة التضخم 4.%
الدخل من المناجم 105 مليار
الدخل من قطاع الصيد 110 مليار
احتياطي الخزينة 1مليار أوقية
124 لسنة2014 الرتبة في الشفافية
الرتبة في الشفافية 119 لسنة2013
الرتبة في مؤشرات التنمية 121لسنة
28 في مؤشر الدول الفاشلة لسنة2014
نسبة البطالة (30.9) منظمة العمل الدولية
نسبة البطالة 10.5%"رسميا" 2014
من يدخلون السوق 100 شخص سنويا
الخريجون من الجامعة1500 طالب
نسبة الفقر في وسط النساء 32 %
60%من السكان يعملون في الزراعة و تنمية الماشية
الفساد والأضرار الكبيرة
يتسبب الفساد في أضرار كثيرة، فعلى الجانب الاجتماعي يكاد الفساد يشوه البنى الاجتماعية والنسيج الاجتماعي، كما أن مواصلة إنتاج الفساد هو انعكاس لسوء توزيع الثروة توزيعاً عادلا.
إن اقتصاد الفساد يؤدي إلى توزيع الدخول بشكل غير متكافئ ومشروع، ويحدث تحولات سريعة ومفاجئة في التركيبة الاجتماعية؛ الأمر الذي يكرس التفاوت الاجتماعي واحتمالات زيادة التوتر وعدم الاستقرار السياسي. فتركز الموارد بأيدي ممارسي الفساد يؤدي إلى اختلال التوازن في المجتمع وصعود هذه الفئة مع انخفاض فئة الأكثرية الفقيرة إلى مستوى التدهور وهو جال لتخلف ومعيق لكل أنواع التنمية .
والفساد يزيد من الفقر وتراجع العدالة الاجتماعية نتيجة تركز الثروات والسلطات وسوء توزيع الدخول والقروض والخدمات في المجتمع وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وتدني المستوى المعيشي لطبقات كثيرة في المجتمع، وما قد ينجم عن ذلك الفقر من ملابسات كثيرة قد تؤدي بهذه الفئات المسحوقة إلى ارتكاب الرذائل. وبالتالي تعطيل قوة فاعلة في المجتمع ممكن الاستفادة منها لو أحسن التعامل معها.
كما يتسبب الفساد في خلل يصيب أخلاقيات العمل والقيم الاجتماعية؛ مما يؤدي إلى شيوع حالة ذهنية تسبغ على الفرد ما يبرر الفساد والقيام به حيث يغير الفساد من سلوك الفرد الذي يمارسه، ويجره للتعامل مع الآخرين بدافع المادية والمصلحة الذاتية، دون مراعاةٍ لقيم المجتمع والتي تتطلب منه النظر للمصلحة العامة، إضافة إلى الإخلال بكل قواعد العمل وقيمه.
إن إضرار الفساد بتوزيع الدخول وتهشيم النسيج الاجتماعي وخلق طبقة فقيرة جداً وطبقة غنية بالانتفاع من موارد الفقراء، بالتأكيد سيكون له دوره في زعزعة أسس بناءات المجتمع وتفكيكه
أما مؤثرات الفساد في الجانب الاقتصادي، فيمكن القول أن أكثر ما يغرسه الفساد من سموم هو في الجانب الاقتصادي، لان المحصلة النهائية للفساد هي الحصول على الأرباح المادية، وما يمكن أن يلعبه الاقتصاد وبشكلٍ أساس من دورٍ فعال في حياة المجتمع واستقراره.
إن الفساد يؤثر على أداء الاقتصاد الوطني ويضعف النمو الاقتصادي، حيث يؤثر في استقرار البيئة الاستثمارية ويؤدي إلى زيادة تكلفة المشاريع ويهدد نقل التكنولوجيا ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية، وخاصةً عندما تطلب الرشاوى من أصحاب المشاريع لتسهيل قبول مشاريعهم، أو يطلب الموظفون المرتشون حصة من العائد الاستثماري .
رأي الدولة والخبراء
السلطات في موريتانيا تؤكد في كل مناسبة وعلى لسان أعلى السلطة أنها تكافح الفساد وتحيل المفسدين للقضاء ما لم يسددوا ما أخذوا وتعاقبهم بالفصل.
وفي إطار مكافحة الفساد وضعت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة، تمهيدا لتطبيقها للحد من الفساد وفعلت المفتشيات الداخلية في كل قطاعات الدولة.
بدورهم يؤكد الخبراء أن تراجع موريتانيا في مؤشر الشفافية غالبا يعود إلى غياب ثقافة الرقابة الذاتية لدى المسؤولين الموريتانيين، وضعف أنظمة الرقابة وتداخل صلاحياتها وعدم وجود وتطبيق عقوبات رادعة للمفسدين وتجذر الفساد كثقافة وظاهرة اجتماعية في العقدين الماضيين .
ويرى بعضهم ان هنالك معضلة ستظل حجر عثرة في وجه إصلاح هذه البلاد لا شك هي الفساد الإداري والمالي، فبغض النظر عن الفساد المشرع في القوانين الوطنية، وبغض النظر كذلك عن الفساد السابق على التوبة، فإن الفساد سيبقى ينخر هذا الوطن، مؤذنا بزيادة منسوب البؤس العام، والتسول والتشرد، وبازدياد أعداد الفقراء باضطراد منقطع النظير.
كما أن تقبل المجتمع للمفسدين وحظوتهم لديه "فلان متفكرش"لأنه مفسد ساهم في انتشار الظاهرة وجعل كل الحلول تبوء بالفشل دفعهم للفساد، رغم أن المفسد يجب أن لا يتناسى حكم الشريعة في الغلول، وعقوبة القانون لسارقي جيوب الدولة.
يضاف لكل ذلك ضعف الرقابة البرلمانية على الشأن المالي والإداري في الدولة وضعف رقابة وسائل الإعلام خاصة المستقلة التي لا تصل غالبا لمكامن وبؤر الفساد نظرا للتعتيم الممارس على المعلومات الرسمية ضدها وضعف أداء المجتمع المدني كمنظمات رقابة محايدة في بلد ديمقراطي.