كان العمل النقابي علي مستوي مؤسسات التعليم العالي من جامعات و معاهد ومدارس يسير وفق نمط أحادي تجسد في حصر الرأي في اتجاه و احد عبر مؤسسة نقابية واحدة ألا وهي النقابة الوطنية لأساتذة التعليم العالي و فرعها الطلابي المنظم تحت لواء الاتحاد الوطني لطلاب موريتانيا،
هذا النمط ظل مهيمنا بصفة مطلقة علي مختلف أوجه العمل النقابي للتعليم العالي لردح من الزمن بفعل تنظيمه المحكم بقياداته النقابية و السياسية و الإعلامية المنظرة وفقا لرؤية حزب الإصلاح و التنمية – تواصل - .
تراجع هذا النهج النقابي مع بزوغ توجه جديد داخله، يأخذ حسب نظر القائمين عليه، من الاعتدال و التوفيق بين مصلحة الأستاذ و الطالب والسكينة العامة وواقعية المطالب ونمط الحوار البناء مع جميع شركائه مرجعية ثابتة . وبعد اختلاف الرؤي و احتدام الصراع داخل هذا الكيان الأحادي تميز هذا التوجه الجديد علي جميع مستويات التنظيم النقابي للتعليم العالي من خلال تأسيس النقابة المهنية لأساتذة التعليم العالي و الاتحاد العام للطلاب الموريتانيين.
اذا كان الاتجاه النقابي الاول يخدم الاستراتيجيات السياسية الاصولية الاخوانية المتجسدة في حزب الاصلاح والتنمية – تواصل – فان الاتجاه النقابي الثاني الذي يتبني فلسفة الاعتدال و المرونة في الحوار يبقى في نظر البعض أداة تم استنساخها من النقابة الوطنية لأساتذة التعليم العالي بخطة روج لها رئيس جامعة انواكشوط السابق اسلكو ولد احمد ازيد بيه بتنسيق مع احمد ولد باهيه وزير الدولة للتهذيب الوطني السابق وتبناها الرئيس محمد ولد عبد العزيز من اجل تخفيف حدة العمل النقابي أو كسره علي مستوي مؤسسات التعليم العالي .
و علي هذا الأساس فان غليان الساحة النقابية هذه الأيام و الذي ترجمته حملات انتساب وتنصيب أقسام نقابية و مجالس تنفيذية و وقفات احتجاجية و صدور بيانات وحجج متضاربة بين النقابات الطلابية من جهة، و بينها و بعض مؤسسات التعليم العالى من جهة أخري ، دل على ذلك البيان الذي أصدره الاتحاد العام للطلاب الموريتانيين الذي يدعوا قبل خيار الإضراب إلي سلك نهج الاعتدال والحوار والنضال السلمي مع التمسك بمطالب الطلاب المشروعة من سكن ونقل ومطعم جامعي ومنح ...تخفف عناء طلاب مؤسسات التعليم العالي .
الوقفة الاحتجاجية التي قام بها الاتحاد الوطني لطلاب موريتانيا امام مركز الخدمات الجامعية واحتجاز محاسبها، و البيان الصادر عن قسم نفس النقابة علي مستوي كلية الطب بجامعة العلوم و التكنلوجيا و الذي يرصد نقاط اتفاق بينه وبين ادارة التعليم العالي ومركز الخدمات الجامعية بخصوص صرف المنح و نظام الأسلاك و البيان المشترك بين مدير التعليم العالى و مدير مركز الخدمات الجامعية الذي ينفي جملة و تفصيلا بيان الاتفاق المذكور اعلاه.
ان الاثر البالغ للسبات العميق الذي تغط فيه وزارة التعليم العالى والبحث العلمي، بإداراتها المركزية و مؤسساتها العمومية، و تدخل أيادي أجنبية ومتطفلة على قطاع التعليم العالى والعمل النقابي علي الخط ، و تقديم أجندات العمل السياسي على المصلحة العامة، كلها عوامل تضافرت بشكل أو بآخر لتأجيج الوسط الجامعي، ومهما يكن ، فإذا كان تحرك البعض يدخل في إطار الإستراتيجية التي يتبعها والتي تستهدف الضغط علي السلطات الحالية علي أمل إجبارها علي قبول مساومة ما حول مشاركته في تسيير البلاد، فان البعض الأخر يعمل علي توطيد مركزه بحنكته و تجربته لتوسيع دائرة نفوذه في الحقل الجامعي من اجل ضمان بسط سيطرة الدولة علي هذا القطاع الذي يعتبر بؤرة للتوتر والاحتقان و خلق الأزمات في جميع البلدان.
وعليه ، ووفقا لمنظور محللي الاستراتيجيات السياسية، فيمكن القول بان من احكم القبضة علي دواليب هذا القطاع الحساس يمكنه تسريح أجهزته الأمنية والعسكرية ، لان أي استقرار مرهون باستقرار هذا القطاع.