العدل والإنصاف فضيلتان حث الإسلام عليهما. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تعدد المكاييل فذكر أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، فلذالك خذلهم الله تعالى وكتب عليهم الذلة والمسكنة.
ولا يملك المرء وهو يشاهد ما تمارسه جماعة الإخوان المسلمين من ازدواجية للمعايير وكيل بأكثر من مكيال إلا أن يشفق على هذه الجماعة من مصير بني إسرائيل، أو على الأقل يشفق على رموزها وقادتها في أحسن الأحوال إذا سلمنا بحسن النية لدى العامة البعيدة عن مصادر القرار.
في الأسابيع الماضية أقامت هذه الجماعة الدنيا ولم تقعدها إثر توقيف أنشطة هيئات تعليمية تقول الدولة إنها لم تستوف الشروط القانونية المعمول بها في البلد. ولم يقف الأمر عند حد النقاش والمحاججة الشرعية. بل تم تلقف القرار وكأنه هدية يبني عليها الإخوان ما شاؤوا من اتهامات بمحاربة الدين ومعاداة للقرآن. ثم لم يقف الأمر عند هذا الحد فشغلت المنابر والمواقع والصحف، وسال المداد بالدعوة للجهاد ضد أعداء كتاب الله.
رمى خطباء الإخوان وساستهم الدولة والعلماء عن قوس واحدة، فألصقوا تهمة محاربة الدين بالدولة، ووصف أحدهم هؤلاء العلماء بأكلة موائد السلطان التاركين لكتاب الله محاباة، وأنهم زحزحوا القرآن من أجل جيوبهم وبطونهم. كما شدد أحد القادة على أن هؤلاء العلماء (الذين سماهم متهكما رابطة المحاربين القدامى) لن يترددوا في رفض ما يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نزل علينا اليوم.
المفارقة تكمن في الموقف المختلف لهذه الجماعة من القرار الذي اتخذته السعودية بعد القرار الآنف بأسبوع، والقاضي بإغلاق فروع مؤسسات علمية ودينية منها: «الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم»، و«الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة»، و«الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام»، و«الهيئة الإسلامية العالمية للتعليم»، و«الهيئة العالمية للمساجد»، و«هيئة الإغاثة الإسلامية» و«مؤسسة مكة المكرمة الخيرية»، و«الندوة العالمية للشباب الإسلامي».
ولم تقدم المملكة على هذا القرار إلا عن قناعة ظلت تترسخ لعقود من الزمن بأن هذه الجماعة لا تخدم المشروع الإسلامي، بل تعمل من أجل الإستحواذ على المال والسلطة. ولولا هذه القناعة لما أقدمت المملكة على التراجع عن قرار اتخذه الملك فيصل رحمه الله، الذي رخص لهيئاتها.
لم ينتقد الإخوان إغلاق فروع مؤسساتهم في السعودية بل وصفوه بقرار تنظيم العمل والحرص على تطويره، وأشادوا بريادة المملكة في مجال العمل الإسلامي. فما الفرق بين القرارين؟ وهل للسعودية دين ولنا دين آخر؟ أم أن السبب عائد إلى استغلال الحرية الزائدة لدينا، ثم إلى الطمع في المال السعودي؟.
إنه في الوقت الذي تم فيه إغلاق فروع الندوة العالمية للشباب الإسلامي في السعودية فإن مكتبها في موريتانيا لم يتم التعرض له بسوء ولم يهدد بالإغلاق رغم أن العارف بحقائق الأمور يدرك مدى فداحة الدور الذي يقوم به هذا المكتب.
لماذا لم ينتقد الإخوان قرار حكومة العدالة والتنمية بالمملكة المغربية منع الإعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟ ثم لماذا سكتوا عن تصويت نواب النهضة في تونس على القرار القاضي بتخفيض أسعار الخمور والمشروبات الكحولية؟.
وأخيرا يحق للمرء أن يتساءل: من هو العدو الحقيقي للمحظرة؟
لقد اكتسبت المحظرة شهرتها وامتد إشعاعها بما تميز به أهل هذه البلاد من طلب العلم ابتغاء مرضاة الله وتخصيص علماءهم أوقاتهم لذالك احتسابا عند الله سبحانه وتعالى لا يطلبون على ذالك أجرا ولا ذكرا.
إن العدو الحقيقي للمحظرة هو من شوه وجهها الناصع فتكسب باسمها ومدح الملوك والأمراء باسمه واسم غيره كالقصيدة التي تم تزويرها باسم امرأة وهمية وتم الحصول على جائزتها، والإخوان يعرفون قصتها جيدا وهي موجودة موثقة. إن عدو المحظرة هو من يتكلم باسمها ولا يتصف بصفاتها بل يسلك سلوك التزوير والتدليس وخلف الوعد.
لقد استغل الإخوان السمعة التي اكتسبها هذا الشعب والثقة من طرف فاعلي الخير فوجهوا الأموال إلى غير وجهتها، وزكوا من لا يستحق التزكية، وأفتوا الممولين بتبييض أموالهم وتحويلها إلى مصدر ثراء لجهات يطبعها الفساد. فكم من معهد وهمي تم تمويله ولم يرى النور وتم الإلتفاف على ذالك التمويل، وكم من مشروع دشن باسم جهتين، وكم من أموال طائلة تم الحصول عليها بحجة مشاريع إعادة طباعة التراث المحظري وتم التلاعب بها دون أدنى تبرير. إن الوثائق التي تبرهن على كل ذالك والمراسلات الموقعة موجودة وسيتم نشرها بحول الله ضمن سلسلة تتناول الفساد داخل جماعة الإخوان.
وقبل تناول هذه المواضيع يحسن التذكير بأن العلماء العاملين الورعين هم أمناء الله على الوحي، وهم الموقعون عن رب العالمين، وهم المؤهلون لتبليغ رسالات الله وأداء حقه. فلذالك لا يمكن أن تستغني عنهم البشرية بحال من الأحوال، ولا يمكن لأي كان أن يقلل من شأنهم ولا أن يتعرض لهم إلا من باب المشورة ونحوها. كمشورة الحباب بن المنذر يوم بدر.
وقديما اعتبر أهل العلم أن الواحد بالشخص له جهتان فقد يكون الإنسان من جهة عالما وقارئا ومحدثا، ومن جهة أخرى قد يتصف بصفات منافية لتلك، كأن يكون إخوانيا وحزبيا، وقد يدعو لإيديولوجية وفكر معين
أحـــدثه من لم يرد نص بأنه عصم
من بعدما قد أنزلت اليوم أكملت لكم.
ويسعى لانتشارهما والتمكين لهما. وقد يحدث بكل ما سمع. فمن الطبيعي أن ينتقد الشخص ويختلف معه على هذه المسلكيات وهذه الصفات. وقد يختلف معه في فهمه لحكم البيعة وفسخها ولمن تكون البيعة. كما قد يكون واردا الإختلاف معه عندما يتحدث عما يسمونه بالجندية والحكايات الغريبة التي يرويها للمنتسبين الجدد بعد مبايعة الحركة، وعن الجندي المثالي. وقد يخالفه أغلب الناس على ما يطلق عليه الإخوان التربية وهي أخبث ما عندهم. فهي مثل التقية عند الشيعة: يكذب أحدهم و يظلم و يخلف الوعد وينقض العهد و يخون الأمانة ثم يقول: إنما كان ذالك من باب التربية. ويسرق ويأكل مال اليتيم ويدشن المشاريع باسم هيئتين وهذا كله من باب التربية.
قد نختلف معه في اتخاذ القرارات وبناء التحالفات السياسية، وقد نختلف معه عندما نراه يقوم على أعواد منبر عهد لإيقاظ الفتنة، وإثارة النعرات العرقية والقبلية، والتفرقة بين الناس، والتمييز العنصري، ويتحدث عن حرب أهلية بين طائفتين مؤمنتين وقعت في القرن السابع عشر، طهر الله منها أيدينا، وقد تجاوزها التاريخ، وأصبحت من الماضي، وأحجم علماءنا الأجلاء عن الخوض فيها وصار أهلها كالجسد الواحد وذرية بعضها من بعض فيقوم بإشعال الفتنة وإثارة النعرات وينحاز لإحدى الطائفتين ويصفها بالمجاهدة. وقد أثار الإخوان هذه القضية في مجالسهم الخاصة ولوحظ اعتراض واستياء أبناء الطائفتين من ذالك وسألوا القادة المباشرين ما المراد من إثارة هذه النعرات في هذه الفترة.
ومهما يكن فالخلاف وارد (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) والصحابة العدول رضوان الله عليهم اختلفوا في فهم الآيات القرآنية والأحكام الشرعية.
ومن هنا يتضح جليا أن لا خلاف بين أغلب الناس وبين العلامة محمد الحسن ولد الددو. ولكن الخلاف في حقيقته مع الحركي "العربي ولد المرابط" ومنهجه وفكره وحركته. إن ما يرفض المزمرون والغوغائيون فهمه هو أن من انتقد العلامة محمد الحسن ولد الددو لم يقلل من شأن علمه أو مكانته بقدرما ضن بهما عن الإستغلال من طرف جماعة هي أقل الجماعات السياسية ورعا وأكثرها إحاطة بالشبهات.
عبد الله ولد محمد لوليد