يتبادل كل من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وملك المغرب محمد السادس في جميع رسائل التهنئة المتبادلة بينهما، عبارات دالة على أهمية بناء الصرح المغاربي،
غير أنه لا شيئ في الأفق ينبئ بنهاية قريبة لمعاناة الشعبين الجزائري والمغربي، خصوصا وأن الحدود البرية لا تزال مغلقة منذ 22 سنة، بقرار يراه الشعبان “يتنافى مع إرادتهما“. و لم تتمكن المشاكل السياسة من التأثير على علاقات الشعبين الجزائري والمغربي، بفعل الترابط الاجتماعي والقواسم الثقافية والتماسك الوثيق بين البلدين، إلا أن غلق الحدود البرية بين البلدين، كانت له ارتدادات جانبية انعكست سلبا على العلاقات الإنسانية، ما أدى إلى تفكيك الروابط العائلية، وتسبب بطريقة غير مباشرة في قطع صلة الأرحام بين العائلات المترامية على الجهتين. من أجل تسليط الضوء على ساكنة الحدود، تنقلت CNN بالعربية إلى الشريط الحدودي، بالضبط إلى خط التماس بين الدولتين لرصد معاناة سكانها وملامسة ظروف معيشتهم عن قرب، والتي تأزمت بعد إغلاق الحدود شهر أغسطس/آب من عام 1994، دون أن يتحول عامل الوقت إلى دافع نحو الحل، فالوصول إلى بلدية صفيصيفة الحدودية برا من العاصمة الجزائر يتطلب 10 ساعات عبر الحافلة لنقطع بذلك مسافة 750 كلم، غير بعيد عن مدينة بوعرفة المغربية والتي تبعد عن قرية الفرطاسة الجزائرية بـ 20 كيلومترا فقط. خلال جولتنا عبر الشريط الحدودي، شد انتباهنا الوجود الكثيف لحرس الحدود، الذين يرابطون على طول الشريط، ففي كل كيلومتر تجد حاجز امنيا مجهزا بأحدث تقنيات المراقبة، تقابلك في الضفة الأخرى أبراج مراقبة للجيش المغربي، يتوسطها خندق يمنعك من العبور برا، لكنه لا يحول أمام جنود البلدين من تبادل النظرات، وأحيانا قد يكون التلويح باليد تعبيرا عن الحب والسلام. الرابطة المتينة بين سكان البلدين والتي لم تتلوث بالسياسة تؤكدها الكتابات التاريخية، كما هو الشأن بالنسبة لكتاب تاريخ الجنوب الغربي الجزائري الأعلى لمؤلفه بن عمارة خليفة، الذي بيّن فيه أن سكان الضفتين ينحدرون من أصل واحد، فسكان هذه المناطق -حسب الكاتب- ينتسبون لعرشي أولاد بوبكر وأولاد سليم الذين بدورهما يتفرعان إلى قبائل أولاد عبد الله، أولاد قطيب، المذابيح أولاد بوشارب أولاد الشحمي والمرينات. وأول ما تلمسه عند حديثك لسكان هذه الجهة، هو تعديد خصال أقاربهم وأهلهم في الجهة الأخرى، الذين كان لهم دور كبير في دعم وإمداد الثورة الجزائرية، وحتى هناك من شارك فيها، وهذا ما أكده المجاهد بوعدي جلول، 74 سنة، “أهلنا في المغرب شاركوا في الثورة الجزائرية وكانوا يمدون المجاهدين بالمؤونة ومعالجة المصابين، إلا أنهم بعد الاستقلال استقروا هناك“. عند حديثنا لسكان قرية الفرطاسة الجزائرية حول ما سببته غلق الحدود البرية من معاناة، اجمعوا أن هذا الأمر قطع أواصر التواصل بين أهاليهم، كما هو الحال مع بوعدي جمال، 52 سنة، والذي يقول في هذا الشأن: “أخوالي وأصهاري يبعدون عني حوالي 30 كلم فقط، مسافة يمكن قطعها بواسطة السيارة في نصف ساعة “. أما تالة بوسماحة، فتحدث لـ CNN بالعربية، عن معاناة أمه البالغة من العمر 58 سنة، المولودة ببوعرفة، التي تواجه صعوبة في استخراج وثائقها، يوضح بوسماحة بخصوص استخراج شهادة الازدياد مثلا “اتصل بالقنصلية المغربية بسيدي بلعباس، لإيداع طلب، وللحصول على شهادة ميلاد أمي يكلفني الأمر، الانتظار أكثر من شهر ونصف“. من أجل الذهاب إلى بوعرفة يتطلب على هؤلاء قطع مسافة 500 كلم نحو وهران، يجب ركوب طائرة نحو الدار البيضاء المغربية، بعدها التوجه برا إلى وجدة، وصولا إلى بوعرفة، المسافة التي يقطعها المسافر من صفيصيفة إلى بوعرفة تتجاوز 1500 كلم برا إضافة إلى قيمة مصاريف النقل التي تتعدى 500 دولار للفرد الواحد. معاناة سكان الفرطاسة مع غلق الحدود البرية هي صورة مصغرة عن معاناة كل سكان الشريط الحدودي على الجهتين، فإغلاقها حال في الكثير من المرات دون تقديم واجب التعازي حتى مع وفاة الأصول، كما هو الشأن بالنسبة لزوجة بوشنتوف محمد،61 سنة، التي لم تتمكن من حضور جنازة والدها المتوفى قبل 6 أشهر. يتقاسم سكان قرية الفرطاسة وغيرها من القرى المترامية على الشريط الحدودي نفس الظروف، أبرزها انقطاع التواصل وصلة الرحم بين أفراد العائلة الواحدة وهذا ما ينطبق على محدثنا بوشنتوف بوعلام، 41 سنة، الذي لم يتمكن من رؤية أخيه، الذي يشتغل كمدرب لرياضة الكاراتي بفاس منذ 30 سنة، لما كان عمره 10 سنوات، فما يعانيه بوعلام تشاركه فيه زوجته المنحدرة من منطقة تندرارة المغربية. ويرجع الأكاديمي محمد الأمين سعيدي، سبب التفريق بين أبناء العرق أو القبيلة الواحدة إلى تغيرات الجغرافيا: “ما حدث لشمال أفريقيا التي تضمّ الأمازيغ والعرب وأجناس أخرى كبقايا الأتراك والوافدين رجوعا من الأندلس، من تفرقة سببه الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي”، موضحا لـ CNN بالعربية: “كلما تفرقت قبائل بينها مصاهرة ونسب ودم في حدود الجزائر الشرقية شمالا مع تونس، وجنوبا مع ليبيا، تفرقت كذلك على الحدود المغربية“. وتابع سعيدي حديثه قائلا: “في جهة الغرب التراجيديا أعمق وأكثر إيلاما، لأنّ الحدود مغلقة منذ سنوات كثيرة حتى صارت ملعبا للمهربين وتجار المخدرات ولقاء الأحبة صار صعبا بل مستحيلا باستثناء بعض الأفراد الذين يغامرون بـ”الحرقة”(سفر غير شرعي)”، مفسرا كلامه “في مدينتي مشرية مثلا تجد مغاربة كثيرون تزوجوا هنا وعمّروا، بل تاجروا وساهموا في الحراك الاقتصادي، كما تجد في المغرب جزائريين مندمجين في الحياة مع الناس“. تركنا سكان الشريط الحدودي، ونحن نظن أن الإنسان الجزائري مهما يكن مستواه يعرف بعمق أن أخاه المغربي ابن دمه ولغته، وكينونته القائمة شاهدة على جمر هذه المأساة، فالهوية المغاربية واحدة، والإنسان المغاربي واحد أيضا، لكن الشعوب دائما تعاني من قرارات الساسة سواء أكانت حكيمة أم متهورة