استمر مراقبو قضايا الساحل وأمنه المنعكس بواقعه على الأمن الدولي أمس في تحليل ومناقشة قضية هدنة موريتانيا مع تنظيم القاعدة المذكورة في الوثائق المنسوبة لأسامة بن لادن التي كشفت الحكومة الأمريكية الثلاثاء ضمن وثائق كانت القوات الخاصة الأمريكية قد حصلت عليها خلال مداهمتها لمخبأ أسامة بن لادن في باكستان عام 2011.
ونفت حكومة نواكشوط وجود هذه الهدنة وأكد الناطق باسمها أن موريتانيا هي اليوم العدو الألد لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل، لكن الناطق لم يتقدم بمسوغات تقنع المحللين والمتابعين، بتوقف التنظيم وأذرعه المسلحة عن تنفيذ عمليات على التراب الموريتاني منذ 2011، كما لم يشرح الأسباب التي جعلت السلطات القضائية الموريتانية تطلق سراح محسوبين على التنظيم بدون محاكمة.
وكان المحلل السياسي الموريتاني أبو العباس ابرهام ممن طرحوا قضية الهدنة على بساط التشخيص وذلك في تدوينة له قرئت على نطاق واسع نشرها تحت عنوان «نقاش اتفاقية موريتانيا والقاعدة».
وأكد أبو العباس «أن أهم نقاشات علاقة موريتانيا بالقاعدة التي ظهرت مؤخراً للسطح بفعل تسريبات وثائق «بن لادن» توجد خارج المجال الموريتاني والسّبب عدم وجود صحافة في موريتانيا».
«لقد قوبلت وثائق «بن لادن»، يضيف أبو العباس، بحالة من الكِلبيّة في أوساط غير المختصين، وبصمت غريب للخبراء».
واستعرض أبو العباس أهم التحليلات التي تناولت موضوع الاتفاق فأوضح «أن لمين ولد السالم وهو متابع ميداني وسينمائي للقاعدة ومؤلف كتاب عن زعيم «القاعدة»، المختار بلمختار بلّعور، لا يستبعِدُ اتفاقَ موريتانيا مع «القاعدة»، بل ويعتقد، بحسب تصريحات أدلى بها لإذاعة فرنسا الدولية، أن «القاعدة» حاكت اتفاقاً كهذا (اتفاقها مع موريتانيا) مع بليز كومباوري، وأن القاعدة في المقابل لم تُهاجِم بوركينافاسو إلاّ في كانون الثاني / يناير 2016 عندما انتهى الاتفاق بزوال نظام كومباوري».
وظل الصحافي ولد السالم يُكرِّرُ منذ 2013 أن للقاعدة، وخصوصاً «كتيبة المرابطين» علاقة ببعض عواصم دول الساحل»..
وممن استبعد وجود اتفاق بين موريتانيا وتنظيم القاعدة الصحافي محمد محمود ولد أبو المعالي وهو خبير في الحركات الجهادية الناشطة في منطقة الساحل، لكنه اعترف في مقال علق فيه على هذه القضية بوجود هدنة غير مكتوبة.
ويرى أبو العباس أن أبو المعالي يرفض تعميم وثائق «بن لادن» لتفسير سياسة موريتانيا تجاه «القاعدة» ويعتقِدُ، وإن بلا دليل وقتي أن مقترح الهدنة أُجهِضَ على مستوى القاعدة في 2010، ويُدلِّلُ على ذلك بأنّه لا يُفسِّرُ استمرار اشتباكات موريتانيا مع القاعدة حتّى كانون الاول / ديسمبر 2011 (في نواكشوط وواغادو وباسكنو) ويعتقد أن ما حصل هو أن نفوذ «القاعدة» انحسر في أزواد بسبب تحالفها مع أنصار الدين، وبالتالي لم تعد خطراً على موريتانيا التي لم تدخل في الحلف الدولي ضدّها في 2013، وأن القاعدة قرّرت، رداً على هذا، عدم استهداف موريتانيا».
وكان أبو العباس قد نهج في تعليق سابق له منهج «التوفيق بين مشروع هدنة القاعدة واحتراباتها مع موريتانيا بالقول «إنّه ربما تكون موريتانيا قد هادنت جناحاً من القاعدة هو جناح بلّعور و»المرابطون»، وحاربها الجناحُ المعادي لهؤلاء، هو جناح «أبو زيد»، خصوصاً أن اشتباكات قامت بين الطرفين في 2010، العام الافتراضي للهدنة، وأن الاتفاق، أو الهدنة، استمرت بعد إقصاء أبي زيد، في 2012 وبقاء بلّعور».
وممن تناولوا قضية الهدنة الصحافي الفرنسي نيكولا بو مدير موقع «موندا افريك» والمتتبع النشط لسياسات موريتانيا في الساحل.
وأكد نيكولاي بو الذي تعتبره الحكومة الموريتانية عميلاً لمعارضيها في الخارج «أن وثائق بن لادن تُفسِّرُ كثيراً من الأحداث».
وأكد في تعليق له على الوثائق «أن موريتانيا الجنرال عزيز دخلت في اتفاقية «عدم اعتداء» مع القاعدة وأنّها أخلصت فيها، فقد رفضت المشاركة في التحالف الجهوي ضدّ القاعدة (وهو ما فُهِم في حينه في الأوساط الفرنسية أنّه تعاطف عشائري قبائلي لموريتانيا تجاه أزواد، حسب بو)». ويضيف نيكولاي «في المقابل هاجمت القاعدة كلّ بلدان الساحل باستثناء موريتانيا. ويذهبُ بو «إلى أن موريتانيا دفعت الملايين للقاعدة مقابل توقفها عن اختطاف الأوروبيين في موريتانيا، كما أطلَقَ الجنرال عزيز سراح سندة ولد بوعمامة الناطق باسم «أنصار الدين»، بدون تقديمه للمحاكمة، في إطار هذه المعاملة؛ ورفضَ إمضاء عقوبة الإعدام على قيادات القاعدة كالخديم ولد السّمان، المحكوم عليه منذ 2010».
ورغم وجود كل هذه القرائن يؤكد محمد محمود أبو المعالي «أن المؤشرات والمعطيات والمعلومات المتوفرة تنفي بالقطع وجود هدنة بالطريقة المنصوص عليها في الوثيقة المنشورة، وشواهد التاريخ القريب، ويضيف أبو المعالي، تنفي ذلك أيضاً، إذ تعود الوثيقة إلى سنة 2010، وقد أعقبتها أحداث دامية في المواجهة بين القاعدة وموريتانيا، حيث أرسلت القاعدة في بداية عام 2011 سيارتين مفخختين إلى العاصمة نواكشوط انفجرت إحداهما قرب الرياض جنوب العاصمة، وتم توقيف الثانية في بوادي ولاية الترارزة، كما هاجم الجيش الموريتاني معاقل مقاتلي تنظيم القاعدة في غابة وقادو شمال مالي في حزيران / يونيو عام 2011، واشتبك معهم في معركة ضارية، وفي بداية شهر يوليو عام 2011 هاجمت القاعدة مدينة باسكنو برتل عسكري ضم قرابة 25 سيارة وعشرات المقاتلين، كما اختطف عناصر تنظيم القاعد بعد ذلك دركيا موريتانيا من مدينة عدل بكرو في كانون الاول/ ديسمبر عام 2011».
ويخلص أبو المعالي إلى تأكيد «أن دخول تنظيم القاعدة بداية عام 2012 في تحالف مع جماعة أنصار الدين للسيطرة على كبريات المدن الأزوادية، دفعه إلى وقف أنشطته خارج منطقة أزواد والتركيز على الواقع الجديد المتمثل في ضبط وتسيير شؤون المدن بشكل يومي، ومحاولة تعويض دور السلطات التي تركت المنطقة، ليبدأ الفرنسيون والأفارقة الحشد للحرب التي ستنطلق بعد ذلك مطلع عام 2013، بدون مشاركة موريتانيا فيها، وهو ما قابله تنظيم القاعدة بوقف أنشطته المسلحة ضد موريتانيا.»
وفيما يتواصل هذا النقاش يركز المدونون المعارضون لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز على إظهار أمر واحد هو «زيف تبجح الحكومة بتأمين الحدود الشرقية الذي اتضح أنه ليس ناجماً عن سياسات أمنية وعسكرية محكمة بل عن جزية يتحملها دافعو الضريبة وتدفع بطريقة سرية لأشباح السـاحل»
القدس