يعتبرا لمسرح لونا أدبيا يعكس ثقافة المجتمع وواقعه، وهو صورة أخرى أو نمط من أنماط الحركة الثقافية والفكرية.
كما يعد عامل أساسي في تطوير وبلورة المنتج الثقافي لكل مجتمع، وكما يقال فالمسرح، "أب الفنون" نظرا لمكانته التاريخية.
بواكر المسرح الموريتاني
على عكس تجارب البلدان العربية الأخرى التي اهتمت بالإرهاصات الأولى للفن المسرحي،
وجد المسرحيون الموريتانيون منتجهم المسرحي يتيما وحيدا لا يحضنه ولا يأويه سوى سواعد شباب أبرار، همهم الأول والأخير وجود مسرحا في متناول الجميع، فكانت البداية مع فرقة "الكيكوطية" التي أسسها الملك همام أفال سنة 1956 ، حيث تميزت هذه الفرقة ببساطة العروض المقدمة، كما كان يظهر فيها جليا خليط مابين التمثيل ولأداء الحركي (الرقص الجماعي).
وكانت أعمال هذه الفرقة، خاصة بالمناسبات الكبرى، مثل احتفالات زيارة الرئيس وما شابه ذالك، إلا أنها افتقرت للحرفية، نظرا لبساطة معداتها الفنية، وعدم تكوين طاقمها البشري، ولكن كان لها الفضل في زرع النبتة الأولى التي ستحصد بذورها في المستقبل القادم.
محطات
مر المسرح الموريتاني كأي ظاهرة ثقافية أدبية بعدة مراحل أساسية، من بينها عهود ازدهار وتألق، وفيها عهود رتابة وسكون.
ولكن مع مطلع الثمانينات بدأت الحركة المسرحية الموريتانية تتقدم شيئا فشيئا الى النمو التدريجي من خلال أعمال تراعى فيها حبكة النص الأدبي مع وجود إخراج مسرحي وحركة مضبوطة محسوبة بالنسبة للممثل، بالإضافة الى فنيات الموسيقى والديكور.
التجربة المسرحية في مدينة نواذيبو
تعتبر مدينة نواذيبو من أهم المدن الموريتانية، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، أو الثقافية، وتتأثر مباشرة بكل ما يحدث في العاصمة نواكشوط، لذلك كانت مواكبة لكل التحولات التي تحدث هنالك.
وقد بدأ المسرح في هذه المدينة في وقت مبكر، ففي الأربعينات من القرن الماضي، وإبان التواجد الفرنسي، كان هنالك نشاط مسرحي كبير عن طريق الأماسي التمثيلية، التي كان يقوم بها بعض الأساتذة الفرنسيين، يشارك فيها الطلبة الموريتانيون، حيث قدموا مسرحيات "موليير" و"البير كاميس" و"جان بول سارتر".
لكن هذه النشاطات كانت فرنسية صرفة تأليفا وإخراجا، وأحيانا تمثيلا، وانتهت بمجرد إعلان استقلال موريتانيا.
ثم ظهر بعد ذلك نوع مختلف من المسرح، وهو الى حد ما قريب من المسرح الشعبي مع بعض التحفظ، وقد راد هذه الحركة الجديدة الأستاذ الأمجد ولد اعمر الشاعر الشعبي المعروف محليا.
وكان مسرح الامجد مسرحا عاميا مرتجلا، حيث لا نص ولا إخراج، ولكنه كان يركز على التراث الشعبي ؤالشخصيات الكاريكاتورية في المجتمع، وكان الغرض الأساسي منه إضحاك وتسلية الجمهور. وقد أقام المهرجانات الجهوية، ومهرجانات ما كان يعرف محليا بهياكل تهذيب الجماهير التي استمرت من 1981الى1984.
وفي السنوات القليلة اللاحقة بدأت النوادي والجمعيات الثقافية والمسرحية بالظهور، وساهمت في تطوير الحركة المسرحية ونضوجها، ان لم نقل إعادة تأسيسها بشكل تقني ومحترف أكثر، حيث يعتمد النص المكتوب والإخراج والممثل المؤهل نوعا ما.
ومن أهم رواد هذه المرحلة:
- محمد محمود سعيد
- الخليل محمد صالح
- سالم دندو
- محمد ولد ابوه
- الدده ولد سيد
- القرشية
- أم العلوي
وكانت هذه الكوكبة هي التي قادت النهضة المسرحية الأولى، إذا اعتبرنا، ان من سبقهم كان جيل الرواد أو التأسيس، وكان لهم الدور الأكبر في تكوين الأجيال اللاحقة من أمثال:
- سيد محمد اوداعه
- يحي ولد الدده
- محمد لمين ولد واو
- ختو يهديه.
ويقول الأستاذ المخرج محمد سالم ول أخليه الامين العام لفرقة الشروق المسرحية، وهو احد رواد المسرح الموريتاني من بداية التسعينات حتى الساعة، ان المسرح الموريتاني مسرح بمعنى الكلمة، نظرا الى انه يعيش فقط على إبداعات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وان جل المشاكل التي تواجه المسرحيين هي:
1- غياب أي نوع من الأماكن الصالحة لممارسة العمل المسرحي، منذ إنشاء أول فرقة مسرحية و حتى الساعة.
2- غياب الاعتراف رسميا بالعمل المسرحي من طرف الجهات الرسمية الوصية على قطاع الثقافة.
3- انعدام وجود معاهد متخصصة لدراسة المسرح، مما يعكس ويكرس النظرة الدونية التي ينظر بها مسرحنا دون الفنون الأخرى في البلد.
اخيرا
وبين الحلم والوهم، يصر صناع الجمال المسرحي في بلادنا على مواصلة الدرب رغم حجم الصعاب والضغوط والعثرات من اجل تحقيق مسرح وطني تذوب فيه جميع الفوارق الإيديولوجية، وتظهر فيه جميع الشرائح الموريتانية باختلاف أعراقها وألوانها وموروثها الثقافي والفلكلوري.
افال محمد عاليون