أن تولد في هذه الدنيا، فليس ذلك من شأنك،لأنها إرادة الله. لكن أن تنتمي إلى وطن ما! فذلك لعمرى هو شأنك ، وهمك، وسنام عملك. فهذا المنكب الذي لا نزال حيارى حيال سؤال كبير يطرحه وجودنا فيه،إن كنا نحن من اختاره يبابا يبسا من بين كل بقاع الأرض،أم أنه اختارنا ليذيقنا سوء العذاب.،فقرا منسياَّ، ومرضيا مبلياَّ،وغَبْناَ مُبْكياَّ.
باعد الله فيه بين أسفارنا، فلا يكاد الواحد منا يصل وسط العاصمة، إلا وقد هدَّهٌ التعب،وأعياهُ النَّصَبْ. فما بالك بنا إذا أردنا أن نصل أرحمانا خارج العاصمة،" هنا حدث ولا حرج." فكأنما حملنا معنا لعنة أهل اليمن حينما دعوا من فرط يُسْر حالهم:" ربنا باعد بين أسفارنا". ومع كل هذا كنا الشعب الأوحد في مغرب الأرض هذا، الذي حمل معه عادة أعراب الجزيرة، فما كانت قبيلة،منا قبل قيام " الدولة" تبيت مطمئنة إذ قد تدهمها غارة، أو يغشاها عارْ. وحتى بعد قيام " الدولة" لا زلنا نتمثل تلك القيم في لا وعي كل واحد منا.
وقامت الدولة منذ أزيد من من خمسين عاما، فما أغنت عنا من جوع، ولا داوت فينا سقماَ. فصَّلها الرواد الأوائل بعيون لا ترى إلا تحت أقدامهم، ولك في تخطيطهم للعاصمة مثلا شاهدا على قصر النظر، وضيق النفس. فلم يستحضروا أن يوما في الزمان القادم الأغبر سيجلب بُداةَ المنكب البرزخي إلى نواكشوط حالمين بعاصمة تدْرأُ الفقر،وتلد الفخر.وكان من نتائج ذلك، أن ولدت لنا عاصمة لا كالعواصم ولا ،" تعصم من القواصم".جغرافيا تحوي كل مكاره العالم:"الفقر، والجوع، والمرض، والعوز/ والجهل والغبن، والعنصرية، والفساد...ماذا أعدد." رفعت الأقلام وجفت الصحف".
منذ أن أصبحنا نبين بين الخيط الأبيط والأسود، ونحن نؤجل أحلامنا لذات الغد الذي لا زلنا ننتظره، ومع ذلك لم تكف الشمس يوما عن الشروق من مشرقها، ولكننا كنا في كل يوما نغير اتجاه حركتنا حتى لا تشرق الشمس من جديد، لأننا سنكتشف أن الغد الذي كنا ننتظره، أصبح من الماضي منذ عقود، وأنه ذات الغد الذي كان آباؤنا ينتظرونه منذ الاستقلال.
من المسؤول عن كل هذا إذن؟
الجواب في الحديث الشريف واضح وبين:" كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته". رعاتنا الذين أرسلوا فينا أنفسهم كانوا وما زالوا يأكلون منا السمين ، ويتركون ضعافنا للذئاب.لهذا تأجل في هذا المنكب إسفار الشمس، وعافته كل الألوان الجميله. إلا لونا واحدا هو لون العمى، قتامة كالحة، كنا نقاومها صغارا بأضواء الشموع، وما زلنا إلى هذا الوقت الذي أكتب فيه سطوري هذه، نقاومها بألوان الشموع الباهتهْ. ورغم ذلك شيء ما يصرخ في أذني :"إنهم يصدرون الكهرباء".
مالي ولسليم!!!
قالها أبو سفيان وهو يري قبائل العرب تنحدر إلى مكة فاتحة في جيش الإسلام، وها أنا أحد أحفاده أكررها. وليتني أقولها لذات المشهد الذي قالها فيه جدي فقد كان يرى الفجر بكل ألوانه جميلا يملأ الدنيا، وليت سليما هي ذات سليم أبي سفيان.
لهفي على وطن انحدرت إليه قوافل اللصوص من كل فجاج هذا البرزخ فاقتسمت هذا الشعب قطعانا تقتل من تشاء وتقرب من تشاء وترجئ من تشاء وتمتص دماءه حارة لتولد من جديد، وبأشرس مما كانت. فما لي ولسليم إذن؟
سليم هذا المنكب ليست فاتحة خير، ولا راغبة خير، ولا جالبة خير، إنها حفنة من ذئاب البشر تبيعنا الكلام، نهارا، وتأكلنا في الظلام. يوالون بعضهم اليوم، ويعارضونه غدا. ولذات الأسباب،يقتلون بعضهم ، كما يقيمون الأفراح بميلاد بعضهم. وبين هذا وذاك يحجون عنا ضوء الشمس.
باختصار إنهم ساستنا بموالاتهم ومعارضتهم، صناع اليأس، وباعة الكلام.تقطر من أنيابهم دماؤنا حرَّى فيقتتلون عليها في المحافل، وقد كانوا يتساقونها في مجالسهم السرية على وجثمان وطن يحتضر.