في السنوات الأخيرة نُظِّمَ في موريتانيا مؤتمر دولي، حول البحوث الجيولوجية، وقد هالَ المُشاركين ما تزْخرُ به أرْضنا من مَعادن، لا تكاد تتوفر في بلد آخر، بهذا التعدد الكمي، وهذه الجودة النوعية، حتى أطلقوا عليها فردوس الجيولوجيا، وفاتهم أنها أيضا فردوس الجغرافيا مطلقا، ففيها كثير من الأراضي الزراعية، المطرية، والواحاتية، وفيها كثير من الينابيع الجارية، وخزانات المياه المطرية، والبحيرات الجوفية، إضافة إلى محيطها الأطلسي الزاخر بثروة سمكية نادرة المثال، والى نهرها السلسال، بكل ما يختزنانه من خيرات، وطاقات حيوية متجددة، هذا بالإضافة إلى ثرواتنا الحيوانية الغنية ببقرها، وإبلها، وغنمها، وحتى حميرها...
أما عن الثروات المعدنية فحدث ولا حرج، فأرضنا تكتنز الحديد، والنحاس، والذهب، واليورانيوم.....وحتى معدن الليثيوم النادر(وهو خامة كيميائية تدخل في العديد من الصناعات الزراعية والصناعات المتخصصة في مجال الاتصالات).، وحسب باحثيْن عراقييْن، في هذا الموضوع: "يتميز الليثيوم الموريتاني بالعديد من المميزات أبرزها أنه يوجد على أكثر من هيئة بداية من الليثيوم ' الخام' أي المتواجد في الطبيعة بصورة منفردة أو الليثيوم ' المتفاعل' والذي يتفاعل مع أي معدن آخر وهو ما يتيح استخدامه في كثير من الصناعات" ، كل هذا ونحن لانسمع عنه شيئا داخل أنواع معادننا، بينما كانت إسرائيل خلال علاقتها المشؤومة ببلدنا تحتكر الاستثمار فيه، عبر عدة شركات، غير معلنة الهوية، ، لدرجة أن إسرائيل، طمأنت مستثمريها يوم انقلاب 2003م، بأنها مستعدة لحماية مصالحهم هناك، ولو بالطيران العسكري، إذا اقتضى الأمر ذلك.
ومنذ العقدين الأخيرين دخل البترول والغاز، قائمة ثرواتنا الكثيرة، ومع أنهما هما الثروتان اللتان قامت عليهما طفرة دول الخليج كلها، فإنهما بالنسبة لنا لم يكونا أكثر من شبه شائعة، حيث سلكتا طريق بقية ثرواتنا المتناهبة، من الداخل والخارج، والتي كل واحدة منها قادرة- لو أحسن استغلالها-على أن تُحَوِّلَ شعْبنا القليل العدد، إلى مَصَافِّ البلاد الغنية.
لاسيما أن القدرة الألهية قد وزعت كل هذه الثروات بين مختلف جهات الوطن، ليكون هناك تكامل عجيب بين اقتصاد مناطقها.
أجل إننا "فردوس" الثروات كلها، لكننا "جحيم" السياسات السفيهة، والأحكام غير الرشيدة، فقد تأكسد حديدنا ونحاسنا، في أجواف "ديناصورات" الفساد والنهب في الداخل والخارج،منذ عقود، وها هي شركة "اسنيم" قطب المعْدَنَيْن في الشمال، تقف على حافة الإفلاس.
كما أتت "يأجوج ومأجوج" الصيد المحلي والدولي على ثرواتنا السمكية الطائلة، التي أكد الخبراء أنها أفضل من البترول نفسه، ولم يسمع الشعب حتى اسم معدن "الليثيوم" ضمن ثرواته، مع أن مخزوننا منه يعتبر "الاحتياطي الأول في العالم ، حسب التقرير الإنمائي للأمم المتحدة".
وهذا معدن ذهَبِنا النفيس، الطافح على سطح الأرض، قد ذهَبَ جُفَاءً في بالوعات شركة "كينروس تازيازت" الأفَّاكة، الأثيمة، التي خدعت حكوماتنا، فانخدعت لها بنسبة(3%)، وملأت أفواه موظفينا الجشعين ذهبا، فالتزموا الصمت إزاء الفتك بثروة بلدهم، ولم يكن فيهم رجل رشيد، يسجل موقفا وطنيا، يحسب له. ولم يشم الشعب رائحة للغاز، ولم يشذ نفطنا عن الاحتمالات الثلاثة التي حددتها له في مقال كتبته عنه فور الإعلان عن اكتشافه عندنا، حيث لخصت مآلات نفطنا الموعود يومها، بأنه إما أن يكون "المهدي المنتظر"(تلهية للشعب بخيوط الأحلام المؤجلة)، وإما أن يكون-إن صح وجوده- "الدجال الأكبر"(عبر فتنة تكالب الأطماع الدولية عليه، أو فتنة البطر المترتب عنه)، وإما أن يكون-في حالة كذب التوقعات- "الكبريت الأحمر،( الذي يذكر، ولا يرى)، وهكذا، علق عليه الشعب المقهور أمل الخلاص برهة، ثم تكالبت عليه الأطماع الدولية تنازعا على احتكار التنقيب عنه، ثم آل به الحال الآن إلى الموت السريري، فأصبح موجودا مفقودا.
والحقيقة أن ثرواتنا كلها تذكر، ولا ترى، مثل "الكبريت الأحمر"، تماما، حسب معتقداتنا الشعبية.
فإلى متى سنبقي بلدا غنيا، وشعبا فقيرا؟
سفينةُ الوَطَنِ المَنْهُوبِ.. تائهةٌ * أنّي لَهَا-دُونَ أهْلِ العِلْمِ- مَنْجَاةُ؟!
لك الله.. يا وطني.. تلك آهة شعرية أطلقتها منذ حوالي ثلاثين سنة، ضاعت صرخة في "وادي الذئاب".
ادي ولد آدب