خاص (أنباء أطلس): أخيرا قطعت الحكومة الموريتانية الشك باليقين، في ظل ما عرفت بـ"شائعة" البحث التقليدي عن الذهب حيث أكدت أنه موجود فعلا ويمكن البحث عنه بوسائل تقليدية .
وقد وضعت الحكومة في اجتماعها الأخير شروطا للبحث عن الذهب بصحراء إينشيرى التي توافد إليها المئات من المواطنين منذ عدة أسابيع بحثا عن هذه الثروة التي يرون أن الشركات الأجنبية تنهبها ولا يستفيدون منها كما هو حال بلدهم.
وقد أصبح البحث عن هذه المادة و"وموسم الهجرة" إليها حديث الشارع الموريتاني في الأسابيع الأخيرة وان ظل الوصول إليها صعبا بفعل التكاليف الباهظة للمعدات والسيارات ورحلة البحث الشاقة .
ورغم كل ذلك فمازال"موسم الهجرة" للبحث عن الذهب تقليديا في موريتانيا مزدهرا وتتوالى الإشاعات عن ظهور طبقة جديدة من الأغنياء بسببه .
في التقرير التالي "أنباء أطلس" تلقي نظرة على "موسم الهجرة" للبحث عن الذهب تقليديا في موريتانيا.
الذهب... وشروط الحكومة
أعلن محمد سالم ولد البشير وزير البترول والطاقة والمعادن في توضيحات للصحافة حول شروط الترخيص للافراد للبحث عن الذهب " أن الحكومة الموريتانية سنت إطاراً سيسمح ابتداءً من الاثنين المقبل بمزاولة التنقيب عن الذهب ضمن منطقة محددة تمكن السلطات من ضمان سلامة المواطن بعيداً عن الأماكن التي تم ترخصيها سابقاً والتي يحظر التنقيب داخلها".
وأعلن ولد البشير "أن على الراغب في الحصول على رخصة للتنقيب عن الذهب أن يدفع مبلغ 100 ألف أوقية للخزينة العامة للدولة، مع التقيد بالتزامات أخرى للحصول على رخصة البحث والتنقيب عن الذهب. وقال "إن النظام الذي صادقت عليه الحكومة الموريتانية يفتح المجال أمام جميع المواطنين المستوفين للشروط المنصوص عليها".
وأوضح «أن الحكومة أرادت فتح مجال التنقيب أمام الأفراد لكونه يحقق أهم أهدافها وهو تسهيل الظروف المعيشية للمواطنين حيث تعاملت بكثير من المرونة مع الموضوع، وبدأت في مرحلة أولية بتحسيس المواطنين وإعلامهم بالشروط التنظيمية اللازمة لمزاولة هذه الأنشطة".
وأضاف "أن الحكومة اتخذت الإجراءات كافة لضمان سلامة الأشخاص وسنت إطاراً يسمح بمزاولة التنقيب بصورة لا تتنافى مع القوانين الموجودة" .
وأعلن أنه "في إطار المرونة المتخذة من طرف الحكومة تم تبسيط كل الإجراءات حيث يحق لكل مواطن موريتاني بدون تمييز التقدم للحصول على رخصة للتنقيب بشرط أن يكون لديه حالة مدنية تثبت هويته"، مضيفاً "أن هذا النشاط لا يمكن مزاولته إلا بأجهزة تنقيب متطورة وفي منطقة جغرافية محددة".
وتتمثل عقوبة المخالفين لهذه الشروط بحسب الوزير في غرامة مالية تتراوح مابين 500 ألف إلى مليون أوقية كل يوم، والسجن من شهر إلى ثلاثة أشهر، ومصادة كل مابحوزته من الأجهزة.
بدوره قال أحمد ولد الطالب محمد مدير المعادن بوزارة البترول والطاقة والمعادن، إن الحكومة الموريتانية عاكفة على سن قوانين تتيح للأفراد العاديين البحث عن الذهب السطحي، وأضاف أن السلطات بصدد وضع إطار تنظيمي في القريب العاجل يتعلق بإمكانية الترخيص للأشخاص الموريتانيين للبحث عن معدن الذهب بالطرق غير المألوفة .
وأوضح أنه تم مؤخراً في موريتانيا الحصول على أجهزة للبحث عن الذهب وبواسطتها يتم الحصول عليه بكلفة استخراج بسيطة والشركات لا تبحث عنه لأنه يخضع للعشوائية .
وأضاف أن وزارة البترول والطاقة والمعادن تدرس إمكانية ترخيص البحث عن الذهب للأشخاص الموريتانيين نتيجة للفوائد المرجوة منه، مشيراً إلى أن بعض الأشخاص قام خلال الأسابيع الماضية بالبحث وبدون ترخيص في أماكن تدخل ضمن الحيز الجغرافي لرخص تنقيب ممنوحة في مجلس الوزراء لشركات منجمية ..
وطالب المدير العام للمعادن بمراجعة النصوص القانونية واستشارة القائمين على القطاع، بغية إنارة المتعاملين فيما يتعلق بالإطار القانوني والتشريعي المنظم لجميع عمليات التنقيب والاستغلال المنجمي وبالتريث والانضباط، مشيراً إلى أن هناك إجراءات رادعة للمخالفين سيتم تطبيقها عند الضرورة .
وبدأ موردون موريتانيون استجلاب أجهزة الكشف عن الذهب بسعر يتراوح بين 800 ألف ومليون أوقية، وذلك منذ أن أقبل الموريتانيون من هواة التنقيب، على البحث عن الذهب في فيافي موريتانيا المترامية.
... في الطريق للمعدن الاصفر
يزدحم عشرات الموريتانيين يوميا، أمام محلات بيع أجهزة التنقيب عن الذهب في العاصمة حيث يدفعون الغالي والنفيس في سبيل الحصول عليها. وهو ما جعل سوق المضاربة مفتوحا فيها على مصراعيه حيث وصل سعر بعضها قرابة .1,4 مليون أوقية.
وقد تدخلت قوات الأمن في أكثر من مرة لمنع هواة البحث عن الذهب إلى المنطقة وصادرت معداتهم، بحجة أنهم لا يملكون تراخيص رسمية للبحث عن الذهب في الأسابيع الماضية .
وبحسب مصادر أمنية، فإن العديدين استهوتهم مغامرة البحث عن الذهب المدفون في الصحراء واشتروا لهذا الغرض أجهزة متطورة، للكشف عن المعدن النفيس في باطن الأرض وبدؤوا بالبحث في مناطق الشمال الموريتاني الغنية بالمعادن.
وبدأت موجة البحث عن المعدن النفيس، من قبل الشباب الموريتاني الباحث عن الثراء بعد أن كثرت تراخيص الحكومة للشركات الأجنبية للتنقيب عن الذهب، مما يعني أن الصحراء الموريتانية غنية بالمعادن النفيسة، وهو ما تؤكده الكميات التي حصل عليها هؤلاء المغامرون ضمن رحلاتهم التي لا تخلو من مخاطر.
وكان العشرات من الشباب انطلقوا في رحلات تدوم أياما إلى مجاهل الصحراء ومعهم معدات بدائية وأخرى متطورة، فيعودون بنصيب وافر من الذهب، حتى أصبح الحديث عن رحلة الثروة موضوعا يثري الجلسات بين السكان، مما جعل الكثير من التجار يتركون محلاتهم ويتوجهون نحو تازيازت وتجريت والمناطق المحاذية لهما الغنية هي الأخرى بالمعادن النفيسة.
وقد ارتفعت كذلك أسعار السيارات رباعية الدفع بالعاصمة نواكشوط خلال الأسابيع الماضية بشكل كبير، وسط إقبال التجار على شراء أو تأجير كل السيارات الصالحة للاستعمال في الحملة الجارية بحثا عن الذهب.
وتقول مصادر إن "بورص السيارات"، شهدت انتعاشة كبيرة خلال الأيام الماضية، كما انتعشت أسواق مكاتب تأجير السيارات، بعد أن بلغت تكلفة تأجير سيارة من نوع "هيلكس" (40 ألف أوقية يوميا) بفعل الطلب المتصاعد عليها. ولجأ البعض إلى المناطق الداخلية من أجل تأجير بعض السيارات بفعل قوة الطلب عليها.
.
الشباب أو الباحثين عن الذهب
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب موريتانيا والتقارير الدولية، التي تقدر نسبة البطالة في البلاد بأكثر من 30 %، وجدت رحلات البحث عن الذهب في الصحراء اهتماما كبيرا لدى الشباب الموريتاني رغم خطورتها، وخرجت بذلك من دائرة التداول السري إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فتعددت كتابات المدونين الموريتانيين، عن هذه الرحلات بوصفها “بريق الأمل” بالنسبة إلى العاطلين عن العمل من الشباب.
وظهرت إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، تروج لأجهزة الكشف عن الذهب مصنوعة في ألمانيا، تعرض في أسواق نواكشوط ويصل سعرها إلى نحو ألفي دولار.
موسى، الشاب الذي لم يتمكن من مواصلة دراسة طب الأسنان في الخارج وعاد دون أمل، قرر أن يجرّب حظه مع بعض أصدقائه، الذين يعرفون أسرار الصحراء. وقد أحضروا بعض التجهيزات البسيطة التي وفروها بإمكانياتهم البسيطة وهم يبحثون عمّن يملك سيارة رباعية الدفع، تساعدهم في رحلتهم على أن يتقاسموا غنيمتهم بالعدل، في حين أن البقية ممن لديهم تجهيزات متطورة وسيارات يعطون 30 % لمن يعملون معهم .
وأكد مصطفى، أحد الشباب المغامرين من أجل الثروة، أنه قضى في صحراء تازيازت يومين مستخدما معدات بسيطة ومعرفته بالهندسة الجيولوجية وعاد بما يقارب 10 كيلوغرامات ذهب، وهو ينوي العودة لأن المغامرة ورغم خطورتها تؤتي أكلها وتؤمن ثروة لا يمكن أن تؤمنها الوظيفة العمومية، وهو المهندس الجيولوجي الذي يتقاضى ما لا يسد رمقه ورمق عائلته.
ومهما كان مدى صدق ما صرّح به مصطفى حول الكمية التي حصل عليها، فإن ة مغامرة البحث عن الذهب قد تحمل مخاطر كثيرة منها، أن تأتي بأجل صاحبها خاصة إذا ما ضاع في فيافي الصحراء الشاسعة، إضافة إلى خطر الوقوع في قبضة الأمن بتهمة التنقيب عن الذهب دون رخصة.
ورغم ذلك يستعد الكثير من الشباب الآخرين لخوض مغامرة البحث عن الذهب في طريق الثراء السريع كما يصفونه ومازالوا يجمعون ثمن الجهاز وتكاليف الرحلة.
ويضيف بعض المطلعين على موقع البحث التقليدي عن الذهب ان الموسم ازدهر حيث نصبت خيام وذهب أصحاب مهن كثيرة هناك بحثا عن فرص عمل منهم السواق والعمال اليدويون والطباخون ومعدو الشاي والحراس الشخصيون حيث يحرص كل هؤلاء على تقديم خدماتهم .
شائعات "الغنى في أيام"
مع تأكيد موضوع البحث التقليدي عن الذهب بدأت الشائعات تغذي المجالس حول ظهور طبقة من الأثرياء الجدد حيث يقول البعض إن سعر الكلغ يتراوح بين 2 إلى 3 مليون أوقية بعد التصفية، وتقول بعض الشائعات أن الشباب الباحثين عن الثراء في أنكولا وأمريكا وأوروبا عدلوا مسارهم إلى "موسم الهجرة للبحث عن الذهب" بموريتانيا.
وتروى شائعات كثيرة حول سهولة العثور على الذهب، وهنالك بعض الطرائف حيث جن البعض واكتشفت أجهزة البعض أمواتا مع خواتم وقلادات من ذهب وغيرها من الحكايات التي تروى، بيد أن صعوبة رحلة البحث التي تستغرق أياما في صحراء قاحلة بعيدة من العاصمة وما تستلزمه من سيارة رباعية الدفع وجهاز تنقيب عالي التكاليف ورفقة مأمونة وغذاء وشراب، لفترة أسبوع على الأقل كلها مازالت عوامل تحول بين الكثيرين مع رحلة البحث عن الغنى في أيام.
ويرى كثير من الموريتانيين، أن الشركات الأجنبية العاملة في مجال استغلال الذهب بموريتانيا استنزفت المعدن النفيس ومع نزر قليل تقدمه لميزانية البلد حيث تقدم لها نسبة 3 % فقط
وتعتقد الحكومة الموريتانية أنها بفتح الترخيص أمام البحث التقليدي عن الذهب، ستساهم في تحسين ظروف المواطنين المعيشية وتمتص نقمتهم بخصوص عشرات التراخيص بشكل أسبوعي لشركات التنقيب العالمية.
ويقول بعض الاقتصاديين إن فتح الحكومة لمجال البحث التقليدي عن الذهب ليس ذا جدوائية اقتصادية، باعتبار أن ما يتحصل عليه ضئيل جدا، وسيخلق ثروة فردية في أوساط البعض مع نهب لثروة عامة للشعب، بينما المفروض أن تقوم الدولة باستغلال المعدن والمعادن أخرى بما يخلق ثروة وطنية تدر عائدات كثيرة على ميزانية الدولة، وان يستفيد منها كل المواطنين من خلال خلق بنية تحتية وتمويل مشاريع جادة في الصحة والتعليم وخفض الأسعار والأمن وغيرها وهي أمور يكتوي كل المواطنين بغيابها أو ضعفها، في ما عدا الجانب الأمني.
كما أن توزيع الثروة اقتصاديا لا يكون بتوزيع النقود أو الموارد، وإنما أيضا بخلق فرص عمل واستثمارات وتحسين الخدمات التي تقدمها الدولة في كل المجالات خاصة الحيوية.