قصة الذهب فكرة مستوردة من تجربة السودان و نيجيريا و الجزائر و بعض البلدان الأخرى (التنقيب السطحي عن الذهب بوسائل متواضعة لا تستلزم تراخيص و لا أجهزة مجمركة و لا وساطات و لا رشاوى) لكنها في موريتانيا جريمة متقنة التنظيم تم حبكها لا من قبل النظام الصوري المتمثل في الوزارات و الإدارات التي تم استغلالها بالفعل لترويج و تنفيذ مخطط العملية، و إنما من قبل النظام الفعلي المتمثل في العصابة الحاكمة المشكلة من عزيز و ثلة من أقاربه.
لقد تم تخطيط العملية بإتقان لاستنزاف ما تبقى في جيوب الموريتانيين، حيث تم رسم كل طرق الاستفادة من العملية (رسوم التراخيص.. رشاوى تخليص المعاملات بسرعة .. مصاريف أفواج المنقبين .. معدات و وسائل التنقيب.. مداخيل الجمركة .. بيع و رهن بيوت المواطنين و سياراتهم بأثمان بخسة.. إنعاش سوق شبيكو الراكدة منذ فترة .. بيع و تأجير رباعيات الدفع المسروقة من أوروبا، الراكدة منذ عدة سنين في الشمس ببورصات نواكشوط .. توفير صهاريج لبيع المياه بأسعار خيالية في مناطق التنقيب المعطشة و بقية مستلزمات العيش من معدات إضاءة ليلية و خيام و مأكولات و أفرشة و غيرها مما تم الاحتفاظ به بعد تخليد عيد الاستقلال في نواذيبو الذي جاؤوا بكل مستلزماته هو الآخر من نواكشوط من دون أن يستفيد أي دكان في نواذيبو من شراء كوب بلاستيك منه. و يجهل الكثيرون اليوم أن هذا هو كان السر الوحيد وراء إعداد عيد الاستقلال في نواذيبو و هو تصرف شاذ و مكلف و لا يخضع لأي منطق غير التفنن في طرق استنزاف خيرات هذا البلد المستباح من قبل عصابة أهلية لا ترحم…)إعداد الطعم:
تم توزيع كميات من الذهب في أماكن متفرقة من المنطقة بطرق إجرامية كشف موقع تقدمي في 2 مارس ، خطتها السرية بالأسماء و المواقع و الوسائل و عملية توزيع الأدوار و تحديد المهام، بكل تفاصيلها.
انطلاق رحلة الاستكشاف الأولى في مخطط الإغراء:
انطلقت عملية البحث عن الذهب على أيادي شابين من أقرب مقربي ولد عبد العزيز و أكثرهم انخراطا في مشروع نهبه الممنهج لمملكات الشعب و خيرات البلد و هما (ح. ولد غ. / ل. ولد و ) : تم اقتناء أجهزة تنقيب و تجهيز سيارات عابرة للصحراء بكل ما تحتاجه الرحلة من مؤن و وسائل حفر و معدات إقامة في جوف صحراء معطشة و نائية من كل المناطق الحضرية و من أي نقطة مياه، في رحلة أرادوا أن تكون “تعليمية”، دعوا لمرافقتهم فيها بعض شبان نواكشوط المغامرين المهووسين بحب الثراء و عمال حفر هم من سيقودون مع الشبان المغامرين، بقية جمهور نواكشوط المعاني جميعا من البطالة و انعكاسات الركود الاقتصادي و انسداد الآفاق.
انطلقت الرحلة التي أخذت طابع السرية في عمل تمثيلي متقن، إلى الأماكن المحددة في المخطط و عادت بعد أيام بكمية هائلة من الذهب ، تم بيعها بستة و تسعين مليون من الأوقية ، كان نصيب أحد الشبان المغامرين (اسويدات) ثمان (8) ملايين أوقية. أما عمال الحفر فكانوا مأجورين على عملهم اليومي و قد تم تقديم إكراميات معتبرة لهم لكي يكونوا قادرين على شراء معدات و العودة مع من يستطيعون جرهم من الأقارب و المعارف ليكونوا وسيلة دعاية من دون علمهم. كان هذا العمل المتقن مضمون النتائج . و بعد أيام فقط كان الشبان المغامرون و عمال الحفر مع بعض ذويهم و معارفهم على الميدان و كان المخطط يقتضي أن يحصلوا هم الآخرون على بعض الكنز الموزع بذكاء على مربع الرقعة. فيما غاب عن التنقيب من كان يفترض أن يكونا أول عائدين إليه أي (ح. ولد غ. / ل. ولد و )…
هنا تم إطلاق أعمال الكتيبة الثانية و المرحلة الأهم أي كتيبة فيسبوك و المواقع الإلكترونية التي أشعلت نيران الدعاية على امتداد خارطة البؤس الوطنية لكنها كانت أقل حرفية من السابقة حيث بدا واضحا من البداية أنهم يسوقون الناس إلى فخ من خلال دعوات من يدعون أنهم حصلوا على كميات هامة من الذهب، لجميع الشعب الموريتاني إلى التوجه إلى أماكن الذهب ، فلم تكن هذه الدعاية منطقية و لا مألوفة في عالم المصالح لا سيما من قبل شباب ملثمين يدعون أنهم مستفيدون. انكبت الناس على شراء أجهزة التنقيب التي لم يكن منطقيا أصلا أن تكون موجودة في السوق بتلك الوفرة، لو كان الأمر طبيعيا..!
و صدرت الأوامر للأمن بمنع الناس من التنقيب و مصادرة أجهزتهم في انتظار تنظيمه من قبل الجهات الإدارية و صدرت الأوامر للأخيرة بتنظيم العملية طبقا لترتيبات مقرر وزاري (رقم 356) تم استصداره على عجل من قبل وزارة النفط و الطاقة و المعادن، يشرع و ينظم التنقيب عن المعادن السطحية بما فيها الذهب. و تجب الإشارة هنا إلى أن الوزارة لم تكن على علم من خلفية الموضوع و مداخلات خبرائها التي أكدت إمكانية وجود كميات من الذهب على السطح كانت عفوية و صادقة و لم تكن دعائية لأن عصابة أقارب ولد عبد العزيز التي نهبت البلد، لا تثق في أي جهة و لا تعطي سرها لأي جهة لأنهم يدركون أنهم يتآمرون على وطن لا يعرفون متى يتم انتزاعه من أياديهم و لا يمكن أن يتركوا لجرائمهم أثرا بيد أي كان خارج دائرتهم الضيقة، مهما كانت درجة ولائه، بل كان اعتمادهم على درجة إحكام الخطة و غموض خيوط حقيقتها.
و من يتابع مقابلة خبراء الوزارة الثلاثة مع “الموريتانية” يجد أنهم كانوا أميلَ إلى عدم المبالغة في إمكانية وجود الذهب بالوفرة التي يتكلم عنها البعض مع عدم قدرتهم على الجزم بنفيها و هذا هو ما يستطيع أي خبير في المجال تأكيده بموضوعية و هذا أيضا هو ما تحاجه الخطة بالضبط.
بدأ الشطط في الدعاية يكشف ملامح الجريمة مع ظهور شاب ملثم في مقطع فيديو قصير يضع أمامه عدة ملايين، مدعيا أنه باع سيارته “أفانسيس” بمليون و ستمائة ألف و اشترى جهازا و ذهب إلى منطقة التنقيب و حصل على كيلوغرامين و مائتين و ستين غراما من الذهب باعهم لتوه بمبلغ 25 مليون أوقية، داعيا الجميع إلى اقتناء المعدات و حددهم بالأسماء(مارتو و برينه و ابيله) و التوجه إلى منطقة البحث عن الذهب ، مؤكدا توفره بكثرة .
كان هذا المقطع دعاية مصممة لا غبار عليها، تعلمك كيف تحصل على النقود من خلال بيع ما لديك، سيارة أو بيت أو غيرهما و الحصول خلال أيام على ما يعوض لك كل ذلك و هذا بالفعل ما وقع فيه الكثيرون مع الأسف.. كانت هذه الدعاية خطيرة و مؤثرة رغم ما احتوته من هفوات بينة ناتجة عن الجهل بأساليب الدعاية المعقدة :
1 ـ بيع 2 كلغ ذهب و نيف لا يمكن أن يتم في موريتانيا بهذه السرعة و السهولة : الصناع التقليديون لا يملكون هذه المبالغ و التجار لا يملكون وسائل لتحديد صحة الذهب و لا نوعيته و الدولة لم تكن قد فتحت حينها مجال شراء الكميات المستحصل عليها.
2 ـ المبلغ الموضوع على الطاولة أمامه الذي ادعى أنه 25 مليون كان في حدود 10 ملايين.3 ـ لو كان الشاب يدعو الناس بصدق نية إلى ما فيه الخير لها لما تنقب كاللص فالتعرف عليه يزيد الناس إقناعا و طمأنينة.
و رغم ما أخذه من حيطة فقد تم التعرف على الشاب الذي يظهر في هذا الفيديو و المدعو “صلاح” و هو أحد أقارب عزيز و تسجيل الفيديو تم في مكتب أحد أقاربه، إطار في إحدى البنوك بنواكشوط. و الطاولة جزء من تجهيزات بنك موحدة لا يمكن تغييرها في يوم و البلاط الظاهر من تحتها لا يمكن تغييره هو الآخر.
إن تحديد فترة أربعة أشهر لستة عشر ألف ترخيص عمل متقن هو الآخر يراعي القدرة الأمنية على السيطرة كما يراعي زيارة النعمة و انهاء الحوار و القمة العربية ؛ معتقدين أن الناس ستعود بخيباتها من مناطق التنقيب على فترات متفاوتة تمكن من امتصاص غضب المخذولين بالتدريج . لكن الحسابات الخاطئة في هذه العملية كان سببها في ثقهم في عدم قدرة أي جهة على اكتشاف الحقيقة.
و مباشرة بعد نشر موقع تقدمي في 2 مارس الماضي، أولى المعلومات عن الجريمة المنظمة، تم صدور الأوامر بمنع دخول الأسلحة إلى مناطق التنقيب . و معروف أن أكثر ملاك رباعيات الدفع في البلد من محبي الصيد البري و الرماية التقليدية و مغامرات رياضات الرمال المرتبطة كلها بالسلاح الذي يتقن جل الموريتانيين استعماله و تعج الأسواق المحلية السائبة بشتى أنواعه.
اليوم بدأت الناس تحس في وقت واحد بأنه تم دفعها في إطار جريمة منظمة إلى الإفلاس في أدغال الصحراء . و مع تجاهل ولد عبد العزيز لمأساتهم في خطابه المهلوس في النعمة، اقتحمت مجموعات منهم مناطق الحذر بأقل حذر، بأرتال من السيارات لم يخف أصحابها استعدادهم لأي مواجهة مع الأمن؛ فمن بين هؤلاء من باع بيته أو ارتهنه و لم يعد لديه ما يعود إليه و منهم من استدان و لم يعد قادرا على العودة إلى نواكشوط بخفي حنين و منهم دفع شيكات بلا أرصدة لعصابات التشبيك التي لا ترحم و ليس أمامه غير السجن و كل هذا ينذر بخطر لم يحسب ولد عبد العزيز حسابه، مما يهدد إما باحتلال هؤلاء لمصانع تازيازت أو إطلاق جنود ولد عبد العزيز النار على أمواج بشرية غاضبة هو من دفعها بإجرامه إلى هذا الحد من اليأس . و الشيء المؤكد هو أن ولد عبد العزيز إذا ظل يحتقر الناس إلى هذا الحد و يتحايل على أموالها بهذا الاستهزاء ، لا بد أن تقف الناس يوما في وجهه بدرجة تحدي ، تدل كل تصرفاته الطائشة أنه يجهل أن الموريتانيين هم أقدر الناس على ركوب موجتها و هم أخطر الناس عند اقتحامها.
بقلم: سيدي علي ولد بلعمش