مرة أخري يعبر الجنرال عن إحتقاره للحراطين و إنكاره لجهودهم في بناء هذا الوطن !
مرة أخري نسمع خطابا مقززا و مهينا لأكثر من نصف المجتمع الموريتاني , قبل أشهر في انواذيبو خرج علينا الرجل بسؤال تهكمي : من هم لحراطين ؟ و لو كان للرجل علم بالمنطق "البرهان بالخلف" لوجد الجواب من خلال التساؤل المقابل : من هم البيظان؟
فلحراطين هم ؤلئك الذين يتكلمون الحسانية و يلبسون الدراعة و الملحفة و ليسوا بيظان!كما أن البيظان ليسوا احراطين , و لا يريدون أن يكزنو كذلك !
إنها علاقة المستغل و المستغل .
ليعلم الرئيس بأن الفيئات و الإسميات و القوميات و الشرائح كلها ظواهر تاريخية . يعني أن ثمة ظروف تاريخية و وقائع عرفها الزمن هي التي أنتجت هذه الفئة أو تلك القومية. مثلا : ظاهرة العبودية و تجارة الرقيق التي كانت - قبل ظهور الميثاق السياسي - هي السلعة الوحيدة المتداولة في بلاد شنقيط .
فإنتشار العبودية و تداول فقه النخاسة و تحولات الزمن كلها عوامل أدت إلي ظهور لحراطين ( العبيد و العبيد السابقين و الخظارة ) إلا أن عوامل سياسية دعت إلي ضرورة تقزيم هذه الظاهرة(لحراطين) و تذويبها في فئة البيظان حتي تكون بذلك الأخيرة أغلبية تستحق - حسب منطق الغبن - أن تستأثر بالمال و السلطة و الدين علي حساب مكونات المجتمع الأخري ( البلار و الولوف و السونيكي ) لكن المفارقة هي في كون لحراطين - إذا سلمنا جدلا بأنهم جزء من المجتمع الحساني - فهم أغلبية الأغلبية عدديا و مع ذلك - وفي الواقع - فهم الأقل إستفادة مما حظيت به الأغلبية من سلطة و ثروة و غيرهما ؟!
إن علاقة لحراطين بالبيظان تشبه علاقة الأمريكين البيض بالسود , فهم يتكلمون نفس اللغة و يلبسون نفس الأثواب مع إختلاف كل منهما بخصوصياته لكنهم ليسوا كلهم "إنصاره" . و لأن ؤلئك القوم يحترمون القواعد بدءا باللغوية : فالبياض و السواد لونان بينهما تضاد فالبيظان تعبير عن إسم صفة من البياض الغالب , فعبارة مثل "بيظان بيظ" هي من باب تحصيل حاصل و "البيظان الكحل أو الخظر" فهو تعبير متناقض , و لا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيق قاعدة التداخل علي الإثنين و إلا كانت البغلية هي الناتج.
قديما قال ماركس كارفي إن الباعث الحقيقي علي تغلب المستغل علي المستغل هو غباء الأخير و غروره و جهله بالطبيعة البشرية التي تعاف الإهانة .
فهل يعتقد الجنرال أن الآلاف التي إستمعت إلي خطابه في النعمة و التي جيئ بها في مؤخرات السيارات لم تفهم تجاهله و إحتقاره لها . ألم يقل ولد الطايع يوما أن عبيد الأمس و خدام المنازل أصبحوا "يفتو..... يفتو"ألا يدرك الجنرال أن الحراطين الواقفين أمامه في النعمة في ثياب رثة و بطون جائعة و الذين يمثلون أكثر من 80 في المائة من الحاضرين لا يستفيدون من الدولة مثقال ذرة فلا منتخب و لا وزير و لا جنرال و لا رجل أعمال من لحراطين من الحوض الشرقي.و مع ذلك - وفي تناقض صارخ- يعيب عليهم الرئيس كثرة نسلهم , بدل أن يمكنهم من وسائل الإنتاج و يفتح لهم المدارس و الجامعات و المنشآت الإقتصادية؟!
هذا الجنرال بعد نفيه لوجود العبودية و بعد تجاهله لمكونة لحراطين ,إن من آثار الإسترقاق الأكثر فداحة في مجتمعنا ما أسماه " فوضوية النسل " و عدم تناسبه مع الدخل" ... إن ذلك أخطر بكثير من الإستعباد و هاجم مناهضي العبودية - علي عادته- أنهم أناس يشوهون سمعة البلد و يبحثون عن منافع شخصية! فعن أي سمعة يتحدث الرئيس ؟ و العالم الحر لا يعرف موريتانيا إلا من خلال تصدرها للدول الإستعبادية !أما كون فوضوية النسل أخطر من الإستعباد فمضحك لأمثاله و مبكي لأمثالنا فليعلم أن أسوؤ ما يمكن أن يوصف به شخص هو الإستعباد كما قال بذلك الرئيس الأمريكي الأسبق - محرر العبيد - آبراهام لينكون فالفقر مع الكرامة خير من الغني مع العبودية .
لم يقل رئيس الوزراء الفرنسي الحالي "فالس"إن سبب إنخراط الفرنسيين من أصول مقاربية بجماعات الإرهاب هو فوضوية النسل لديهم و سرعة التكاثر , بل قال بالحرف الواحد إن سبب الرئيسي هو ما تعيشه تلك الأحياء الباريزية من ميز عنصري(لابارتاي) ! فهل يريد رئيس الوزراء الفرنسي تشويه سمعة بلده ؟ بل إن قول الحق مبدأ غربي و عار بل جرم في موريتانيا المسلمة ؟
من منا سيصدق و جود إرادة رسمية لدي النظام الموريتاني القائم في محاربة العبودية و أخواتها ما دام الرئيس يتمنع وراء الإنكار و مع ذلك "يطور" القوانين و ينشأ المحاكم الخاصة بجرائم الإستعباد و قد دشن إحدي هذه المحاكم قبيل خطابه المسيئ فأي منطق هذا ؟
نفي الرئيس وجود أي سجين الرأي في بلده ! فإلي أي فئة من السجناء أنتمي أنا و رفيقي الرئيس بيرام الداه اعبيد ؟!
فهل سرقنا شيئ؟ أم تشاجرنا مع أحد ؟ أم أن لنا علاقة بشيئ ما ممنوع تعاطيناه أو بعناه.........؟
ثم لماذا و- الحالة هذه - تعاملنا الدولة بطريقة خاصة (إجابية) في المسكن و الزيارات و وسائل الإتصال و حرمان بقية السجناء من ذلك ؟ أليس ذلك دليلا واضحا علي شعور الدولة بالدعم الذي نحظي به من لدن العالم الحر إلي جانب الضغط المستمر الذي تواصله جماهير إيرا الوفية ؟ ثم لماذا ينتهز الجنرال كل الفرص للرد علي آرائنا و تقزيم نضالنا و تشويه سمعتنا ؟و لماذا يعرض علينا صفقات من أجل شراء صمتنا ؟ و لماذا يعرض علينا الخروج من السجن بطلب حرية مؤقتة و نحن من رفض علي غير عادة السجناء المذنبين؟
لقد واصل الجنرال في خطابه المسيئ اللعب علي الذقون حين تحدث عن العدالة و وصفها بالمستقلة !فعن أي عدالة يتحدث الرئيس فالكل يعرف أن إطلاق سراحنا كما هو حال توقيفنا أصلا و الحكم علينا و تحويلنا الظالم إلي سجن ألاك , ثم إلي سجن انو اكشوط كل ذلك بأوامر مباشرة من محمد عبد العزيزو هو الذي سوف يقرر غدا لحاجة في نفسه إطلاق سراحنا.
ابراهيم بلال رمظان نائب
رئيس إيرا سجين رأي