تشكل فسيفساء أحزاب الحوار المرتقب/الولي ولد سيدي هيبه

سبت, 06/18/2016 - 01:40

كل المؤشرات والوقائع توحي بلغة السياسة أن فسيفساء أحزاب الحوار المقبل بدأت تتشكل وأن ألوان طيف الحقل السياسي المختلفة باتت تتداخل في سياقات المنعطف وتحدد ملامحه؛ مؤشرات ودلائل مهما اختلفت حولها الآراء وتعددت القراءات وتباينت التأويلات هي الأخرى فإنها قد تأكدت لتفسر بذلك ما يكون من الذي تحمله أوجه هذا التشكل وحجمه ومستوى إقناعه وتبريره بقيام هذا الحوار واتساع حقول معالجاته وتزكية مخرجاته.

وإنه من اللافت جدا أن بعض الأحزاب التي أعلنت لغاية الوقت الحاضر عن استعدادها للمشاركة في الحوار المرتقب فعلت بغير منطق الأحادية المعهودة في مثل الحالات السابقة، بل كان إعلانها يجري في سياق تجمعات أو تكتلات أو معاهدات وليدة مراجعة مشتركة جديدة لموقفها من الحوار وبتجليات إعلان صريح عن توجه جديد يُقاطع أسلوب السباحة ضد التيار والتغريد خارج السرب، بغض النظر عن توقيت هذا الحوار الذي يريد البعض أن يتم تأجيل موعده بمبررات تتراوح بين الموضوعي والغرضي.

ولا تترك هذه المواقف الجديدة شكا في أنها تعبير عن مستوى مستجد من حضور ثقافة الحوار التي كانت مغيبة ومن استحضار المسؤولية السياسية التي كانت مشلولة والمرونة في المواقف التي باتت تفرق بين الذاتية المتضخمة لدى بعض الفاعلين من القيادات السياسية وبين ضرورة الالتحام العملي والمنهجي بمقتضيات السياسة الرشيدة التي تحددها و تمليها الضرورات الوطنية وتبررها المنعرجات الواقعية وإملاءاتها التي لا يقودها الأفراد بحزم إلا عندما ينسجمون مع روحها ويستجيبون لمتطلباتها وضرورة الوصول بها إلى تحقيق الأهداف العامة الكبرى المرجوة من ورائها.

وهي كذلك الأحزاب التي بدأت زعاماتها تطرح أفكارا مجردة في عمقها من "الأنا" المهيمنة والاستحوائية السائدة ومن مقاصدها و مراميها التعجيزية المُؤصِدة للأبواب، في توجه تطبعه نزعة جديدة إلى الممكن السياسي والفحوى العملي البناء من خلال إخضاع التفكير لميزان العقل وتغليب المصالح العليا على المصالح الضيقة، واعتبار تراكم التجربة و تجديد مقاييس الرؤى، علما بأن الأفكار التي ترد بهذا الشأن و في جوهرها لا تنشأ في فراغ، إنما تنسجُ المعاناةُ خيوطَها الأولى، وتشكل العقباتُ الاجتماعية والكبواتُ والهفواتُ السياسية كثيرا من منحنياتها، كما أنها لا تتحرك في فراغ هي أيضا، إنما تحدد كثيرا من توجهاتها المعالمُ الثقافية والفكرية والسياقات السياسية السائدة والغالبة أو ما يسمى بالوسط السياسي والفكري و الاجتماعي السائد.

من هنا فإن السياقات الحقوقية والسياسية التي تجد موريتانيا نفسها في عين إعصارها اليوم تدعوا الجميع إلى التأمل العميق بشأن تداعياتها وإلى اتخاذ المواقف والقرارات المناسبة التي يمليها واجب الحفاظ على البلد في وجوده ووحدة ترابه ولحمة شعبه والدفاع عن ثوابته.

إن تقرير "آلستون" العدائي لا يمكن التغافل عن خطورته بأي حال من الأحوال وقد يحمل في طياته بذور أزمة هوية مختلقة لبلد ما زال يمتلك أهلُه من عوامل تفادي الأسوأ إن تم سعي الجميع إلى تداركه بالاشتراك في أمور ثلاثة:

·        حسم مسألة ضرورة التأجيل أو الحد من حدة الخلافات الداخلية سواء منها السطحي والعميق والتوجه بضمير وطني نزيه إلى توحيد الجهود في وجه النوايا العدائية المعلنة بقصد زعزعة استقرار البلد وفك ارتباط أهله ببعضهم من خلال إضعاف بنية العوامل الموضوعية وتفكيك القواسم المشتركة إلى ذلك استخداما غرضيا لما هو حاصل على أرض الواقع من التباينات الاجتماعية الخطيرة ببن مكوناته من جهة وشرائحه من جهة أخرى وتكاد تهدد النسيج إن لم تتضاعف بحزم كبير وعلى وتيرة أكبر محاولات معالجتها القائمة،

·        الوقوف على التقرير وقراءته بإمعان ودراسة وتأويل كل جوانبه بشجاعة وأريحية ونزاهة فكرية ووطنية ثاقبة وصولا إلى معالجة ما يحتويه من حقائق لها على أرض الوقع شواهد وإثباتات ثم والاعتراف بها والتعهد الفعلي بتسويتها بما يتطلب الأمر من وسائل سياسية ومنهجية عملية.

·        توحيد الجهد السياسي حول القضايا المصيرية والتي تتهدد بشكل أو بآخر وحدة البلد ولحمة ومصير تعايش ساكنته بعيدا عن الصراع أو بالأحرى التنافس على السلطة. وهو التهديد الذي يأخذ أنصع تجلياته في المشكل الحقوقي الذي يطرحه البعض من الناشطين في مجال حقوق الانسان بحدة تكاد تدعو بشكل صريح إلى الشطط واتخاذ الحلول القصوى، ولا تكتفي بالداخل بل سوقته بحماس زائد في خارج بسياقات وإن منها ما هو معقول إلا أن منها ما ينطوي على خطورة بالغة وقد خرج عن سياق اللياقة والمقبول.

إنها أمور من بين أخرى قد تجد في الحوار الوشيك هامشا مفتوحا للنقاش الجاد ومنطلقا لبناء ثقة محورُها الوطن ودافعُها تدارك الأمور والحفاظُ على متسع الأجيال الحاضرة والأخرى القادمة.

فهل أن فسيفساء حوار الأحزاب جديدة قد بدأت فعلا تتشكل بما يتلاحق من إقدام مختلف أحزاب بخطابها المتباين ورؤاها المتعددة، متحررة من كتلها ومعاهداتها وحاضناتها القديمة إلى أخرى جديدة قاسمها رغبتها جميعها في حضور الحوار؟

وهل بهذا التلون الجديد والمرونة الغير معهودة والاستعداد الكبير المعلن سينقشع الحجاب عن فرصة حقيقية لنقاش كل هذه القضايا بعيدا عن محورية الرغبة في السلطة، ومن ثم التوصل إلى بناء الثقة المشتركة والاقدام بشجاعة على معالجات جريئة تحمل بذور التوجه المعلن إلى تجاوز زمن الذاتية إلى عصر ممارسة الديمقراطية الحقة؟