اشتدت في الآونة الأخيرة حدة البيانات و البيانات المضادة على صفحات الفايسبوك والجرائد الرقمية وحتى الورقية حول العلاقات المغربية الموريتانية. ووصل الأمر إلى الحديث عن استعدادات على طرفي الحدود في افق مواجهة عسكرية بين البلدين بغض النظر عن صحة الخبر من عدمه فإنه يعكس الجو السلبي السائد.
في الواقع في السنين الأخيرة ساد جمود في العلاقة بين البلدين، لم يصل إلى حد القطيعة النهائية ولكن وكأن الأمور مهيأة لذلك. لن ادخل في حيثيات الخلاف بين البلدين وأسبابه الموضوعية والذاتية مع العلم أن الكثير من تفاصيله يغيب عنا. ما اريد التنبيه له ان رغم ما يمكن أن يشوب العلاقة بين دولتين على المستوى الرسمي فإن ذلك لايبرر أن تنساق بعض الأقلام وراء نوع من السب والشتم الذي يساهم في تأجيج وتأزم الوضع بالمبالغة وخلق عداوة بين الشعبين وتضخيم توتر قد يكون عاديا في العلاقة بين جارين.
المغرب وموريتانيا محكوم عليهما بمنطق التاريخ والجغرافية أن يؤسسا لعلاقات دائمة. والمغرب في حاجة لموريتانيا على أكثر من صعيد إذ لايمكن له ان يحاصر شرقا من طرف الجزائر وجنوبا بموريتانيا في اتجاه عمقه الإفريقي بغلق الحدود. لن اتحدث هنا عن مئات الشاحنات التي تتجه من المغرب محملة بالخضر ومواد غذائية وسلع اخرى في اتجاه موريتانيا عبر الحدود الجنوبية ومنها ما يتجه صوب دول غرب افريقيا ( السنغال ومالي) ولا عن الشركات المغربية العاملة في موريتانيا ومصالحه الاقتصادية عموما. ولن أخوض في العلاقة في بعدها والجيو سياسي في محيط متوتر، بل اؤكد على حتمية لاتحتاج لبرهان مفادها أن الشعبين بينهما من اواصر التواصل الاجتماعي والثقافي و الديني والمصالح المشتركة ما يحتم على كل من يريد أن يكتب عن الموضوع ان يراعي هذه العوامل. لايمكن ان نبني علاقة احترام بكلام خارج قواعد اللياقة بل يصل إلى مستوى ينم عن تعالي واحتقار للجار وشعبه، لا لسبب فقط لأن العلاقة تمر بلحظة خلاف سياسي قد يكون سحابة صيف.
أكتب هذه السطور وفاء لشعب استضافني كلما حللت به ، لقد جلت كل ارجاء موريتانيا في بداية التسعينات في إطار تحضير الدكتوراه وخصصت له ثلاثة كتب من منشوراتي العلمية واعتبره امتدادا ثقافي لجزء من هويتي. بلد ارتبط بصداقات متينة مع أبنائه، خاصة بالوسط الجامعي، والذي دائما اعمل على أن يكونوا حاضرين في المغرب في كل الندوات التي اشرف على تنظيمها. وسهرت من باب مسؤولياتي بمركز الدراسات الصحراوية على طبع ازيد من 10 كتب لجامعيين من هذا البلد الشقيق. إن الوسط الأكاديمي والعلمي والثقافي لا ينساق وراء نزوات اللحظة ويفكر في المدى البعيد وببصيرة ويتعالى عن السجال العقيم خاصة حين يكون مدفوعا بشفونية عمياء تدمر اواصر الوصل وتجرح مجانا شعور الجيران الذين لاذنب لهم فيما يطبخ في دوائر القرار وهدفهم أن يظل التآلف والود سائدا بين شعبين شقيقين …
أقول لهؤلاء الذين انساقوا وراء خطاب التصعيد، إذا كانت فعلا لهم رغبة في الإنصات، لا تتركوا حسابات اللحظة تعميكم عن التفكير في المستقبل. واختم في هذا الباب بالمثل الفرنسي il ne faut pas insulter l’avenir