يعيش الشعب الموريتاني وضعا صحيا هو الأسوأ في شبه المنطقة ، وربما في العالم لو استثنينا المناطق التي تجري فيها حروب أو صراعات مسلحة .
فالوضعية الصحية للمواطنين في موريتانيا، على غرار وضعية البلاد بصورة عامة، تنذر بكارثة تنفلت يوما بعد يوم من السيطرة. فاقتصاد البلاد متعطل والبطالة تعرف ارتفاعا غير مسبوق في أوساط الشباب ، وارتفاع الأسعار يجري بمعادلة هندسية مذهلة ، وفئات الشعب يضرب بعضها ببعض وتزرع بينها البغضاء والكراهية والأحقاد بشكل ممنهج ، حتى بات الشعب يعيش فوبيا فعلية بين أبناء الوطن الواحد؛ والتعليم تدمر نهائيا والفقر يكسب مزيدا من الاتساع لدرجة أن بعض التقارير تتحدث عن أن ما يناهز 80% من المواطنين أصبحوا في دائرة الفقر بعدما تحطمت مرتكزات الاقتصاد في عموم ولايات البلاد جراء الجفاف، من جهة، وإهمال السلطات وفشل سياساتها الاقتصادية، من جهة أخرى.
أما الوضع الصحي فكارثي بكل المقاييس: فالأدوية مزورة على نطاق شبه مطلق، والأطباء باتوا عاجزين عن مواجهة هذه الوضعية لأسباب هذا التزوير والغش الكلي في المعدات الطبية المستجلبة ، فضلا عن النقص الحاد جدا في الأطقم الصحية والفنية ، وخصوصا الأخصائيين مع انعدام الدعم للتكوين وتعميق الخبرات وغياب الندوات العلمية الطبية في البلاد.
ويضاف إلى ذلك انتشار الأمراض بكل أنواعها بين المواطنين ، ومن كل الفئات العمرية، وخاصة الأمراض ذات الصبغة الوبائية مثل أمراض الكبد والسرطانات المختلفة التي تحصد يوميا مئات البشر، وخصوصا من الشباب. فقلما يمر يوم إلا وهناك مئات التعزيات بسبب مرض الكبد والسرطان. وهذا الموت ، بالجملة، الذي يواجهه الموريتانيون لا يعرفون سببا لانتشاره بينهم ، لغياب أية دورات علمية تبصر الناس بأسبابها، ولغياب المختبرات الفحصية والأخطر من كل ذلك غياب الاهتمام التام بمعاناة المواطنين. فالمسؤولون في تونس والمغرب والسنغال أكثر اطلاعا على الوضع التراجيدي للصحة في موريتانيا أكثر من اطلاع المسؤولين الموريتانيين عليها. وهذا شيء طبيعي، يعرفه الموريتانيون، لا مبالغة فيه.
فالمواطنون يخرجون أفواجا ويعودون أفواجا، كل يوم، للاستشفاء من هذه الأوبئة ومن غيرها ، بما فيها الصداع والربو وأمراض الجلد والحساسية والبواسير والزائدة الدودية والحنجرة والأذن والمثانة ...، إلى تلك البلدان دون علم من السلطات، أو دون مبالاة منها!!. ومن هنا انتشار الشائعات بين المواطنين لتملأ الفراغ الصحي الذي يسببه غياب الدراسات العلمية والطبية المتخصصة في بلادنا.
فالمواطنون ، تحت وطأة الذعر ، يتحدثون ، تارة، عن أن أسباب انتشار أمراض الكبد والسرطان هي " خضروات المغرب" وتارة أن أسبابها " خضروات السنغال" ، ومرة أخرى أنها راجعة " لأوراق النعناع" الذي يستعمله الموريتانيون بإفراط مع الشاي! وحينا آخر يرجعون السبب إلى أكياس " الاسمنت" التي تلف فيها بائعات الكسكس (هذا الكسكس) لزبنائهن ، حيث يتهم المواطنون الغبار الدقيق الذي يبقى عالقا على جدار الأكياس بالتسبب في هذه الكارثة. وحتى الآن، لا يدري المواطن، المترنح بين هذه الأسباب وغيرها، السبب الفعلي لانتشار أمراض الكبد والسرطان في موريتانيا، التي تؤدي إلى هذا الموت الجماعي!.. ولكن المؤكد منه من جميع الموريتانيين أن أمراض الكبد والسرطان والجلد والحساسيات المختلفة منتشرة بصورة وبائية في ظل غياب تام للسلطات الرسمية بكل مستوياتها.
فمتى تظل هذه السلطات ملتزمة بصمت القبور ، أو بصمت من لا يعنيه الأمر،إزاء وضعية صحية كارثية تحصد أرواح آلاف الموريتانيين سنويا، من كل الفئات العمرية، من الفقراء والأغنياء، من النساء والرجال، من الشباب والشيوخ، من العرب والفلان والزنوج، الذين يعيشون مساواة حقيقية في الإهمال والموت الجماعي...؟!!
المصدر:جريدة الدرب العربي.