لا ينكر كائن ما كان أن الشعوب أبقى من الحكّام والحكومات أبدا ، ولا يمكن لأي بشر أن يتجاوز عمق الروابط الثقافية والتاريخية وأواصر القرب والرّحم التي تحكم الشعوب ، فهذا كله يجعل الإنسان حصنا لأخيه الإنسان ، وذلك في إطار الحفاظ على النوع البشري وحمايته من خطر الحروب والويلات التي تفتك بالأمم والشعوب في عصرنا اليوم ، كل هذا ينطبق على بلدين شقيقين وشعبين جارين يربطهما التاريخ والجغرافيا، والتكوين الديموغرافي... كما هو الحال في الجارتين: موريتانيا والمغرب ..
لقد عرفت العلاقات الموريتانية المغربية منذ أعوام الكثير من المنعرجات والهزات كانت في كل مرة تتصاعد بفعل فاعل وتنخفض بفعله أيضا ، وهذا كله لمصلحة أجندات لم تكن تراعي في الكثير من مضامينها تلك الأبعاد كلها في العلاقات التاريخية بين الشعبين الجارين وبين أكثر ثقافات الفضاء المغاربي الإفريقي انصهارا وتشابكا في ما بينها ، فقد بلغت العلاقات حدودا ضيقة من التوتر وخيمت عليها الكثير من الأعراض المرضية التي جعلتنا ننظر إلى أنفسنا بنوع من الحسرة والتوجس من مستقبل شعب واحد في بلدين كان إلى حدود الأمس القريب يعيش نوعا من الارتباط العضوي المنقطع النظير، كل هذا التوتر والاحتقان الذي خيم على المشهد لم يستطع أن يقف في وجه إرادة الشعبين الشقيقين في الحفاظ على العلاقات الأخوية المتميزة، وذلك بالرغم من التأجيج الممنهج من طرف جهات معروفة في البلدين ، لا هم لها سوى زرع خلافات غير موجودة وإذكاء صراعات غير مطروحة بغية خدش حبل الود بين الحكومتين، كل هذا حصل ويحصل لكننا لسنا معنيين به بشكل مباشر كشعوب، فمصلحتنا كشعبين وعلاقتنا أهم بكثير من غطرسة الساسة ومن خبث المتسيسين ..
إن التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي حميد شباط وماضمنته من مغالطات خطيرة عن موريتانيا وعن حوزتها الترابية جعلت الشارع والرأي العام الموريتاني يغلي ، فجاء الرد الغير مسؤول من الحزب الحاكم في موريتانيا حاملا الكثير من الشحن السلبي و الاندفاع العاطفي الذي قد يصب الزيت على النار في منطقة تشهد الكثير من التحديات ، الشيئ الذي سيفتح الطريق سالكا للمتربصين من أعداء الاستقرار والتنمية في شمال إفريقيا من أن يزرعوا سمومهم وذلك بدق طبول التوتر والخلاف في آخر قلاع الإستقرار والأمن في المنطقة ..
لقد سجلت بارتياح بالغ بيان الخارجية المغربية وموقفها من تصريحات حميد شباط ، وسجلت كل العبارات الودية والأخوية و الديبلوماسية التي ضمنها البيان الذي لاشك أنه ، سيكون ردا صريحا على الغوغاء والمتربصين الذين أرادوا لنا أن ننجر خلف خلافات ضيقة افتعلوها بغية التشويش على مسيرة البناء والتنمية الحاصلة في المنطقة المغاربية والتي يدرك الكثير من المحللين والخبراء أنها لن تتم إلا بتضافر الجهود والاستراتيجيات المرسومة من قبل الحكومات والشعوب في الفضاء المغاربي الزاخر بالموارد والكفاءات التي تستطيع أن تنشد التنمية وتجعلها واقعا ملموسا في المنطقة ..
إن عودة العلاقات ومستوى التعامل الثنائي بين موريتانيا والمغرب مهم وضروري لأنه سيساهم بلا شك في إرساء خطط التنمية التي ينتهجها المغرب في مايسمي بالتعاون "جنوب جنوب" الذي ستكون موريتانيا رافعة مهمة من رافعاتها وذلك للدور المحوري الذي تلعبه موريتانيا في تسهيل تنقل البضائع والأشخاص عبر حدودها البرية والبحرية وسوف يسهل على الكثير من المستثمرين المغاربة والموريتانيين والأفارقة من توحيد رؤوس الأموال وتشييد مشاريع كبيرة تخدم مصلحة البلدين في أفق تنموي شامل يعد بتحسين نمط العيش في المنطقة ، وتمكين بلدان شمال إفريقيا وعلى رأسها المغرب من اكتساب خبرات مهمة في مجالات عديدة من أبرزها التعاون المشترك وكيفية تدبير المشاريع العالمية الكبرى ، كل هذا سيكون واقعا ملموسا في القريب العاجل حين تتوطد العلاقات أكثر وتعود إلى سابق عهدها وتتنفس "الرباط ونواكشوط " هواء الود والمصالحة التاريخية ويعيش الشعبين الشقيقين حقيقتهما الخالدة ، التي لاتغيرها الأزمات ولا تطمرها السياسات... أنهما شعب واحد في بلدين.