تكبر معطيات الطعن بشرعية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قبل أيام من تنصيبه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة يوم الجمعة المقبل. وعلى وقع إعلان عدد من الديمقراطيين مقاطعتهم الحفل، تبدو البلاد على مشارف انقسام متجدد. لم يسبق أن اقترب رئيس أميركي من تسلّم مهامه وهو مُحاط بعلامات الاستفهام وأجواء الارتياب، كما هو حال الرئيس الجديد دونالد ترامب، فبقدر ما يقترب من لحظة دخوله إلى البيت الأبيض، يوم الجمعة المقبل، بقدر ما تتلبد الغيوم فوق رئاسته وشرعيتها وتزداد الألغاز التي تحيط بها. في هذا السياق، تتفاعل الشكوك حول علاقة ترامب بالروس ودورهم في معركته الانتخابية. وزراؤه للأمن الوطني والسياسة الخارجية، اتخذوا خلال استجوابهم أمام اللجان المختصة في مجلس الشيوخ، مواقف متعارضة مع مواقفه ووعوده، بدءاً من العلاقة مع روسيا ومسألة “بناء الجدار” على الحدود مع المكسيك، والاتفاق النووي مع إيران، وانتهاء بوسائل التعذيب أثناء التحقيق مع المشتبه بهم بممارسة الإرهاب. علاقته مع المؤسسة الاستخباراتية متردية ويسودها فقدان الثقة بل حتى شيء من النفور الحاد. عدد من أركان الجمهوريين، تحديداً في مجلس الشيوخ، تخالجهم الريبة حول خفايا توجهاته الخارجية. الأخطر من ذلك كله، أن التساؤل بدأ يُطرح حول شرعية رئاسته ومن جانب رموز سياسية لها جدارتها الوازنة، إذ إن ما قاله النائب الديمقراطي جون لويس، منذ أيام، بأن “ترامب رئيس غير شرعي”، أحدث خضّة كبيرة. للرجل هالة خاصة جعلته بمثابة “أيقونة” بوصفه أحد رواد حركة الحقوق المدنية التي قادها الزعيم من أصول أفريقية مارتن لوثر كينغ. ولهذا، فإن لكلمته وقعها العميق. وقد تكون واحدة من علامات الحراك المتسع لمناهضة ترامب خلال فترة رئاسته، التي ستبدأ أول حلقاتها في تظاهرة مليونية في واشنطن، في اليوم التالي للتنصيب. وكي يمنح موقفه المزيد من الجدية والزخم، أعلن لويس مقاطعته حفل قسم ترامب لليمين الدستورية يوم الجمعة المقبل، منضماً إلى 18 من النواب الديمقراطيين. ويعتبر هذا الأمر بمثابة تطور غير مسبوق في تاريخ الرئاسة الحديث، بل لا يخلو من الخطورة، كون الأجواء الأميركية محتقنة بما فيه الكفاية. وكلام من هذا النوع قد يؤجج الانقسام الحاد وإن عن غير قصد وبما يدفع به نحو التفجير ولو المحدود. ثمة قلق متنامٍ من هذا القبيل، فالتوتر تأسس واحتدم منذ بدايات الحملة الانتخابية، وفاقمه خطاب ترامب الذي انتهى بالتهديد برفض نتائج الانتخابات لو جاءت لغير صالحه. تلويح أثار القلق في حينه لأنه على الأقل زرع بذور الاعتراض على ما تأتي به صناديق الانتخاب. والآن يأتي الاعتراض من الجانب الديمقراطي. وقد جاء توقيته في لحظة تعزز من جدارته، فرئاسة ترامب تحت المجهر. كما أن الجدل الذي لم يتوقف بعد حول القرصنة الروسية للتأثير في الانتخابات، يتجه نحو المزيد من سبر أغوار هذه القضية، لأن الكونغرس يعتزم تشكيل لجنة تحقيق فيها. وثمة مطالبات بلجنة وطنية على غرار تلك التي تم تعيينها للتحقيق في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. علاوة على ذلك، يتواصل البحث والتنقيب في القصة الأكبر والأخطر التي تحدثت عن وثائق مصورة بحيازة موسكو عن ترامب، تضعه في موقع المرتهن للروس. ولغاية أن تنتهي عملية التثبت والتحقيق المتفرعة بخصوص هذه الشبهات وسواء صحت أم لا، يبقى أن ترامب سيتسلم مهام الرئاسة وهو تحت التحقيق بشكل أو بآخر، لذلك تزداد الأسئلة حول من سيتولى فعلاً صياغة القرار، ففريقه أعطى إشارات حول عدم التوافق مع الرئيس بشأن ملفات كثيرة. ثم هناك عوائق كبيرة تعترض تنفيذ وعوده وترجمة ميوله، تحديداً تجاه روسيا. الاعتقاد الراجح أن فريقه سينهض بشكل أساسي بعملية صنع القرار. في النهاية إن “ترامب رجل استعراضي وليس قيادياً”، حسبما يشير المعلق دافيد بروكس في صحيفة “نيويورك تايمز”.