قراءة في كتاب الدكتور يحيى البراء:الوحي والواقع والعقل حول طبيعة النظر وصناعة الفقه في الخطاب الإسلامي المعاصر. د . محمد الحنفي بن دهاه

أربعاء, 02/08/2017 - 00:40

عايشت الأستاذ الدكتور يحيى البراء منذ العقود الثلاثة الماضية, تدريسا في الجامعة ولقاءات خاصة وحضورا لندوات وملتقيات وطنية ودولية ،فوجدته منشغلا بالهم العلمي يكرس له وقته ويبذل في سبيله جهودا مضنية تقتضي منه في الغالب إنفاقا ماديا وزمنيا غير هين، وجهودا فكرية وبدنية لا يجد فيها مساعدا، ورغم تلك العوائق أبت همته إلا أن تحقق إنجازات مهمة، دراسات وتحقيقات في ميدان اللغة والدراسات الاجتماعية والدراسات الفقهية والتاريخ ، ولاشك أن أهمها تلك الموسوعة التي قال عنها العلامة المحقق أستاذ الجيل محمد فال بن عبد الله )اباه(: "فقيض الله لهذا العلم الغزير والتاريخ المجيد والشرف الباذخ الأستاذ الكبير الباحث المعروف سليل العلماء من الطرفين أئمة الفتوى وقادة القضاء والتدريس الدكتور يحيى بن البراء حفظه الله وبارك فيه فصبر وصابر حتى استخرج هذا الكنز الثمين من تحت جداره ونفض عنه غبار الإهمال فبعثه من مرقده الطويل ،وجمع شمله من بعد التفرق مرتبا مسائله على الأبواب المعروفة _ إلى أن يقول_ فجاء بحمد الله ديوانا شاملا ومجموعا كبيرا حافلا_ إلى أن يقول أيضا _ وقد كان هذا الضرب من التأليف من أنفع ما يؤلف فيه "

وروي لي أن الباحث والمؤرخ الكبير المطلع محمد مولود بن داداه رحمه الله قال عنها "إنها أهم إنجاز علمي حدث في هذه البلاد منذ عهد الاستقلال".وأزيد عليه أنا أنها من أهم الإنجازات التي حدثت في كامل المنطقة التي غطتها كموريتانيا والسنغال ومالي وغينيا كوناكري الخ.

ثم إن هذا الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم والذي يوحي عنوانه بمضمونه ليمثل هو الآخر إسهاما علميا رفيع المستوى ذهب فيه مؤلفه إلى بيان إشكاليتين كبيرتين تمثلان أهم تحد يعرفه المسلمون اليوم وهما: 

1-طبيعة الخطاب الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية التي تتصف بثلاث صفات عبر عنها المؤلف بقوله إنها حضارة قاهرة وصاهره وباهرة، فهذا الخطاب مازال يتردد بين الخشية والخوف اللذان يجعلانه ينزوي وينطوي على ذاته وبين الانفتاح الذي يؤدي إلى الانبهار ثم الإنبتات إن لم نقل التغرب أو الاستغراب.

2- طبيعة الأدوات المفهومية والمنهجية المستخدمة في بناء هذا الخطاب تشهد هي الأخرى نواقص بينية وذالك نظرا للتجاذب بين مواقف العلماء بسبب اهتمامهم بجانب معين من الخطاب الديني على حساب الجوانب الأخرى وهذا ما نلاحظه اليوم من خلال التضارب بين الذاهبين إلى التعظيم من شأن العقل في نظرية المقاصد والتعليل الشرعي والاستصلاح وفقه المآلات وفقه الواقع وفقه الموازنات وبين الذاهبين إلى التأكيد على الواقع فيهتمون بالضروريات والحاجيات والذرائع والأعراف ... الخ, وبين الواقفين عند حد النص مكتفين بآراء علماء الاجتهاد.

فهاتان الفكرتان تبدوان لي جوهريتين في الكتاب الذي يستحق أن يقرأ قراءة متمعنة لما فيه من فائدة ومتعة وإن كانت هنالك أفكار أخرى تناولها المؤلف وأفاض فيها وقدم لها الشواهد والأدلة تركناها كسبا للوقت فالمقام مقام اختصار.

ثم إنني أرجع كرة أخرى إلى الموسوعة لأثمنها وأشكر صاحبها على الفائدة التي قدم للناس طلابا وأساتذة ومفتين وقضاة وحتى المهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي فقد أفادوا منها جميعا بالرغم من تنقصي على المؤسسات والجمعيات لعدم إعطائها القيمة التي تستحق.

ونظرا لحجمها الكبير وكثرة مادتها فكان من المستحسن أن تفهرس موضوعاتها فالناس لم يعودوا قادرين على قراءة المدونات الطويلة وذلك ما حدا بعلمائنا الأوائل إلى القيام بمختصرات للعلم تجعله في متناول طالبيه ولذا كانت الفهارس ضرورية للكتب أحرى الموسوعات ذات الحجم الكبير، وأعرف أن الأستاذ الدكتور يحيى قد تعب لأن ما قام به لا ينبغي أن يكون جهدا فرديا ولا أطلب منه القيام بفهرسة هذه الموسوعة ولكن أرجو أن تجد من ينهض بالقيام بذلك سواء من الأفراد أو من المؤسسات أو من الدولة ففي ذلك خدمة كبيرة للدين وللعلم وللأمة والوطن. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.