يصنف الدستور الموريتاني من ضمن الدساتير الجامدة ، وبناء على ذلك أحيط تعديله بمساطر وشروط تتميز بنوع من التعقيد. وبالتالي كان على المشرع الدستوري أن يراعي كافة النواقص التي يعاني منها الدستور الحالي، وكان من الأفضل تنظيم أيام تشاورية حول الإصلاحات الدستورية يشارك فيها
الباحثون والمختصون في المجال، من أجل تجاوز كل النواقص التي يعاني منها الدستور. إلا أن المسودة التي اعلن عنها وتم ايداعها من طرف الحكومة عند البرلمان تحت الرقم 118/17 جاءت دون الطموحات، رغم أن التعديلات الدستورية المقبلة تعتبر فرصة سانحة لترميم دستور 1991 المعدل، و الذي أصبح اليوم ثاني أقدم دستور في دول المغرب العربي، بعد الدستور الجزائري لسنة 1989 المعدل، بعد إلغاء الدستور التونسي 1959 الذي كان أقدم دستور مغاربي. كما أن الدستور الموريتاني مازال يصنف ضمن الجيل الثاني من الدساتير في حين تعيش باقي الدساتير المغاربية في الجيل الثالث.
إن هذه الفرصة ينبغي أن تستغل من الجميع، من أحزاب سياسية وهيئات مجتمع مدني، وكذا الخبراء والباحثين كل من زاوية تخصصه من أجل تقديم مقترحات وتقديمها للبرلمان من أجل تحقيق إصلاحات دستورية حقيقة.
وبشكل عام يجب أن يراعي التعديل ـ المرتقب ـ كافة النواقص الدستورية مثل: دسترة الحق في المعلومة، الحكامة، الديمقراطية التشاركية، ودسترة كافة المؤسسات ذات الطابع المحوري.
وهنا سوف نركز بالأساس على اللامركزية باعتبارها الهدف الأساسي ـ المعلن ـ من التعديل الدستوري بعد إلغاء مجلس الشيوخ . لكن مشروع التعديلات الدستورية لم يوليها اهتماما يذكر ـ للأسف ـ حيث جاءت المقتضيات الدستورية المتعلقة بالجهوية في مشروع القانون الدستوري رقم 118/17 ضئيلة جدا وتحت التوقعات. فقد احتفظ المشرع الدستوري بالمادة 98 المتعلقة بالجماعات الترابية، واضاف لها الجهة كجماعة ترابية، دون حتى احالة الى قانون نظامي.
لقد أخذ مشروع التعديل الدستوري بمصطلح الجماعات الإقليمية، رغم أن عرض الأسباب المقدم من طرف الحكومة اعتمد مصطلح الجماعات الترابية، حيث جاء فيه " ...فإن مشروع القانون الدستوري الحالي يهدف إلى ترقية إطار تمثيلي جديد للمواطنين، من خلال إنشاء فئة جديدة من الجماعات الترابية هي الجهة". لقد كان أولى بالمشرع الدستوري أن يعتمد مصطلح الجماعات الترابية بدل الجماعات الإقليمية باعتباره المصطلح الأفضل لترجمة "les collectivités territoriales" ومن أجل توحيد الإطار المفاهيمي المغاربي .
وانطلاقا من ذلك فإن الفرصة اليوم أمام البرلمان، ويجب أن يستغلها . ومن أجل ذلك يجب أن يراعي التعديل الدستوري بالخصوص ما يلي:
فعلى مستوى الباب الأول المتعلق بأحكام عامة ومبادئ أساسية نقترح أن تضاف فقرتين للمادة الأولى على النحو التالي: يقوم النظام الدستوري للجمهورية على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية والمواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. التنظيم الترابي للجمهورية تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية.
أما على مستوى الباب العاشر: المتعلق بالجماعات الترابية يجب تقسيم الجماعات الترابية إلى ثلاث مستويات:
1ـ الجهة : يجب أن يعتمد التعديل الدستوري الجهة كجماعة ترابية ـ كما جاء في المشروع ـ تتمتع بمجموعة من الاختصاصات التقريرية والاستشارية، وتمنح جميع الأليات للقيام بتلك الاختصاصات على النحو الذي يحقق أهدافها التنموية .
2ـ المقاطعة : يجب أن يعتمد التعديل الدستوري كذلك ترقية المقاطعة إلى جماعة ترابية، وذلك من أجل اعطاءها استقلالية أكبر، ودعم التضامن الترابي بين الجماعات الترابية من أجل الرقي بالتنمية المحلية.
3 ـ الاحتفاظ بالبلدية كجماعة ترابية، ودعم اختصاصاتها في تناغم تام مع المستويات الجدد من الجماعات الترابية، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات.
كما يجب أن يتم استحداث مجلس أعلى للجماعات الترابية معني بالتنسيق بين مختلف الجماعات والدولة، يكون بمثابة هيئة استشارية .
إضافة إلى ذلك يجب استحداث صندوق للتضامن الجهوي، وصندوق للتنمية المحلية. إضافة إلى ودعما للرقابة الإدارية والمالية، يجب أن تنشأ مجالس جهوية للحسابات من أجل مراقبة العمل الجهوي.
وعلى المستوى القانوني والتدبيري يجب أن يراعي التعديل الدستوري المرتقب الآليات والوسائل القانونية التي من شأنها أن تمكن لجماعات الترابية من القيام بمهامها على أحسن وجه .
وعلى وجه الخصوص يجب أن يضمن التنصيص على ما يلي :
ـ مبدأ التدبير الحر
ـ مبدأ التفريع
ـ التضامن الترابي
ـ الحكامة الترابية
ـ الديمقراطية التشاركية
ـ السلطة التنظيمية المحلية
ـ الاستقلال الاداري والمالي
وبالإضافة إلى هذا كله يجب ان يتم الارتقاء بتنظيم الجماعات الترابية من قانون عادي إلى قانون نظامي، بما يوفره ذاك من حماية قانونية أكبر .
وكخلاصة يجب على البرلمان أن يتلافى النواقص التي يعاني منها مشروع القانون الدستوري رقم 118/7 المتضمن تعديل دستور 20 يوليو 1991. وهي مبادرة إن قام بها البرلمان ستمنحه نقطة مهمة في تاريخه التشريعي ـ رغم تواضعه ـ كما أنها ستجنب موريتانيا حاجة تعديلات دستورية أخرى في المستقبل القريب.