اذا كان بعض المراقبين قد استغربوا تخصيص العاهل المغربي الملك محمد السادس لخطاب عيد الجلوس يوم 30 يوليو الماضي للقضايا والألويات الداخلية، وهي أوليات ملحة ومهمة بالنطر إلى الظرفية الراهنة، والتطورات التي تعرفها البلاد. وهو ما يدل على التجاوب الملكي مع مطالب المواطنين ، وإحساسه بنبض الشارع المغربي، وإشارته إلى أنه لم يتناول ملفات السياسة الخارجية، وفي مقدمها قضية الوحدة الترابية للمملكة( ملف الصحراء)، وأفريقيا، فان الملك محمد السادس من منظور متكامل، كان يعرف أن هذه القضايا لا يمكن أن تغيب عن اهتماماته الوطنية والدولية.
ومن ثم جاء خطاب 20 اغسطس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب الذي وجه الليلة الماضية الى الشعب المغربي تكملة لخطاب عيد الجلوس ، إذ خصصه للقضية الوطنية الأولى للمغرب( الصحراء) ولأفريقيا.
ربط ثورة الملك والشعب في أفريقيا
ويرى المراقبون أن خطاب 20 اغسطس ربط فيه الملك محمد السادس بأسلوب واضح، وبتسلسل منطقي، ثورة الملك والشعب ، بأفريقيا وبقضية الصحراء . لأن هذه الثورة مكنت من استقلال المغرب، وساهمت في تحرير الدول الأفريقية، وأعطت الانطلاق لبناء أفريقيا المستقلة الواثقة من نفسها والمتطلعة نحو المستقبل بكل عزم وثقة وعمل ؛ ثم بعد ذلك العمل على النهوض بتنميتها.
وتكتمل هذه العلاقة الثلاثية بالربط بين توجه المغرب نحو القارة، ومدى تأثيرها الإيجابي على قضية الوحدة الترابية للمملكة.
سنة دبلوماسية بامتياز
وما يدفع باتجاه تخصيص خطاب للسياسة الخارجية هو أن سنة 2016 – 2017 كانت سنة دبلوماسية بامتياز، بفضل الانخراط الشخصي للعاهل المغربي في الفعل الدبلوماسي، والتحرك الفعال الذي قامت به الدبلوماسية المغربية. وهو ما تكلل برجوع المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، والموافقة المبدئية على انضمامه إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وإذا كانت ثورة الملك والشعب هي ملحمة وطنية خالدة، جمعت ملكا مجاهدا وشعبا مناضلا من أجل الحرية والاستقلال، وعودة السلطان الشرعي الى عرشه . فان الملك محمد السادس في هذا الخطاب سلط الضوء بالخصوص على أبعادها الجهوية والقارية، مشيرا الى أنها ألهمت بشكلها الشعبي التلقائي، وبقيم التضحية والوفاء، التي قامت عليها، حركات التحرير في المنطقة المغاربية وفي أفريقيا.
يذكر ان العاهل المغربي ابرز في خطابه بالمناسبة نفسها ، خلال السنة الماضية، تأثيرها على الثورة الجزائرية، والروح التي بعثتها فيها، لمقاومة الاستعمار.بينما تناول في خطابه امس الانعكاسات الإيجابية التي كانت لثورة الملك والشعب، كمنارة مشعة في تاريخ تحرير القارة الأفريقية، والارتباط الوثيق بين المغرب وقارته، في مختلف المراحل التاريخية، مشيرا الى انها عمقت الوعي والإيمان بوحدة المصير المشترك، بداية من الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، ثم بعد ذلك في بناء الدول الأفريقية المستقلة، على أساس احترام سيادة بلدانها ووحدتها الوطنية والترابية. وهو ما يتواصل اليوم، من خلال العمل التضامني مع بلدان القارة، من أجل تحقيق التنمية والتقدم المشترك لفائدة شعوب القارة.
الالتزام بالدفاع عن قضايا أفريقيا
ووفاء لانتمائه الإفريقي ولالتزامه بالدفاع عن قضايا القارة، قال العاهل المغربي إنه ليس بغريب أن تكون أول قرارات المغرب المستقل في خدمة أفريقيا وشعوبها، مستعرضا ، على سبيل الذكر، بعض المواقف المشهودة للمغرب تجاه قارته ، ومن بينها : المشاركة في أول عملية لحفظ السلام بالكونغو سنة 1960، واحتضان مدينة طنجة لأول اجتماع للجنة تنمية أفريقيا، وإحداث وزارة مكلفة الشؤون الأفريقية في حكومة 1961.
وتوضح هذه القرارات اهتمام المغرب بكل القضايا التي تهم القارة سواء في مجال توطيد الأمن والاستقرار، أو في مجال النهوض بالتنمية إضافة إلى دعم حركات التحرير، ونصرة قضايا شعوب القارة، وهي جهود توجت باجتماع الدار البيضاء، الذي وضع اللبنة الأولى لقيام منظمة الوحدة الأفريقية.
في غضون ذلك، أبرز الملك محمد السادس أن توجه المغرب نحو أفريقيا لم يكن قرارا عفويا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة. بل هو وفاء للتاريخ المشترك، وإيمان صادق بوحدة المصير، وهو ما تجسده السياسة الملكية التضامنية تجاه دول القارة، من خلال اعتماد منظور استراتيجي اندماجي بعيد المدى، يقوم على التوافق وعلى تحقيق النفع المشترك لشعوبها.
سياسة ملكية عمادها معرفة دقيقة بالواقع
كل هذه المعطيات تبرز ان السياسة الملكية قائمة على معرفة دقيقة بالواقع، وبانشغالات المواطن الأفريقي وتطلعاته. فمنذ توليه الملك خلفا لوالده الملك الراحل الحسن الثاني ، قام الملك محمد السادس بأكثر من 50 زيارة لأزيد من 29 دولة، وبالتالي فالزيارات الملكية لبلدان القارة تحمل معها دائما المشاريع والبرامج التنموية، منها ما هو استراتيجي كأنبوب الغاز الأطلسي نيجيريا –المغرب، وإقامة مركبات كبيرة لإنتاج الأسمدة، والتي ستساهم في ضمان الأمن الغذائي للقارة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال. ومنها ما هو مرتبط بالمعيش اليومي للأفارقة كبناء المرافق الصحية ومؤسسات التكوين المهني وقرى الصيادين، وذلك إدراكا من الملك محمد السادس بأن هذه المشاريع هي التي تساهم في تحسين المعيش للمواطنين.
زِد على ذلك ، مكن هذا العمل المتواصل، لأزيد من 17 سنة، مكن من تعزيز مكانة المغرب بالقارة اقتصاديا وسياسيا.
فعلى المستوى الاقتصادي : أتاحت الاتفاقيات التي تم توقيعها من تعزيز الشراكات الاقتصادية بين المغرب ودول القارة، وانخراط القطاعين العام والخاص في الاستثمار على أساس رابح – رابح. حيث تقوم الشركات المغربية بالاعتماد على مكاتب الدراسات واليد العاملة المحلية، وهو ما يساهم في النهوض بالتنمية المحلية بالدول المعنية.
أما على المستوى السياسي، فقد مكنت السياسة الأفريقية للملك محمد السادس من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، ومن الحصول على الموافقة المبدئية للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وفي سياق ذلك ، أكد الملك محمد السادس أن انخراط المغرب في أفريقيا لم يكن من أجل تحقيق هذه المكاسب السياسية، وإنما من منطلق إيمانه القوي بأن أفريقيا هي المستقبل، وبأن المستقبل يبدأ من اليوم. أما من أهملها أو قلل من مكانتها، جهلا بقدرات القارة ومؤهلاتها، أو احتقارا لشعوبها، فهذه مشكلة تخصه وحده.
وانطلاقا من منظور استراتيجي، ورؤية واضحة، ابرز الملك محمد السادس بأن انضمام بلاده إلى هاتين المنظمتين يشكل علامة بارزة على درب تحقيق الاندماج الأفريقي، الذي لا يمكن تصوره إلا كنتاج لكل التكتلات الإقليمية، خاصة في سياق أصبحت فيه التجمعات الجهوية قوة وازنة ومؤثرة في السياسة الدولية.
غرس دعائم اندماج حقيقي في خدمة افريقيا
واشار الملك محمد السادس الى أن المملكة المغربية ستعمل من موقعها على غرس دعائم اندماج حقيقي في خدمة أفريقيا، وتحقيق تطلعات شعوبها إلى التنمية والعيش الكريم في ظل الوحدة والأمن والاستقرار.
تجدر الاشارة الى ان الملك محمد السادس أوضح أن التوجه نحو أفريقيا لن يغير من مواقف المغرب، ولن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية.
وجاء خطاب الملك كإجابة واضحة وصريحة على الادعاءات التي تقول إن المغرب يصرف أموالا طائلة على أفريقيا، ومن الأولى صرف هذه الأموال على المغاربة.وهنا يقول الملك محمد السادس إن هؤلاء لا يريدون مصلحة الوطن، لأن الانفتاح على أفريقيا والاستثمارات التي تقوم بها الشركات المغربية هناك، تشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وتساهم في تطور هذه المقاولات، وزيادة أرباحها. وهو ما سيخلق المزيد من فرص الشغل للمغاربة بهذه الدول، وبتوسيع مجال نشاطها في المغرب.كما كان له أثر إيجابي ومباشر على قضية الوحدة الترابية للمملكة، سواء من على مستوى مواقف الدول (سحب الاعتراف أو اعتماد الحياد) أو على مستوى قرارات الاتحاد الأفريقي. وهو ما عزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف على مستوى الأمم المتحدة.
في سياق ذلك ، اعتبر الملك محمد السادس أن سنة 2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، وهو ما مكن من وضع مسار التسوية على الطريق الصحيح، ومن الوقوف في وجه المنارات التي كانت تسعي إلى الانحراف به إلى المجهول، وهو ما أكده تقرير الأمين العام المتحدة وقرار مجلس الأمن في ابريل الماضي، سواء في ما يخص تثمين مبادرة الحكم الذاتي، كإطار للتفاوض، أو في تحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للجزائر باعتبارها الطرف الحقيقي في هذا النزاع الإقليمي.
دفن وهم " الاراضي المحررة"
وتطرق العاهل المغربي للطريقة الهادئة والحازمة لأزمة الكركرات في المنطقة العازلة في الصحراء ، والتي مكنت من إفشال محاولات تغيير الوضع بالصحراء المغربية، ومن دفن وهم "الأراضي المحررة" التي ظل أعداء المغرب يروجون لها منذ سنوات. والحقيقة التي يقرها مجلس الأمن هي أن هناك منطقة مغربية عازلة فقط.