لمحة عن الدورة التواصلية للتعريف بالنموذج المغربي في تدبير الشأن الديني

خميس, 02/22/2018 - 20:11

بقلم أ.د محمد الحنفي دهاه
شاركت خلال الأسبوع المنصرم بالمملكة المغربية الشقيقة في الدورة التواصلية للتعريف بالنموذج المغربي في تدبير الشأن الديني المنظمة من طرف مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وكانت دورة ناجحة بامتياز، أثبتت فيها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة أنها تمثل فعلا إطارا جامعا للقيادات العلمية والروحية في معظم القارة الإفريقية، وأنها دخلت مرحلة عمل جدي ستجني قارتنا ثماره في القريب العاجل إن شاء الله، حيث شارك في الدورة ممثلون عن 32 بلدا إفريقيا أتيحت لهم فرصة متابعة عروض نظرية قيمة قدمها باحثون وأكاديميون مغاربة حول الثوابت التي قام على أساسها الدين في المملكة المغربية وهي العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف الجنيدي وهي نفسها الثوابت المنتشرة في البلدان الإفريقية، ما عدا اعتناق بعض دول شرق إفريقيا للمذهب الشافعي. وكانت المحاضرات في غاية ما يكون من الجودة من حيث المعلومات المقدمة فيها ومن حيث التوثيق العلمي والتأصيل ومن حيث بساطة اللغة التي تم تحريرها بها.

وبخصوص الجانب التطبيقي فقد زار المشاركون في الدورة التواصلية ميدانيا عدة مؤسسات دينية وعلمية بدء بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، حيث استقبلوا لدى وصولهم له من طرف معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور أحمد التوفيق الذي قدم عرضا عن طبيعة تكوين المعهد للأئمة وللمرشدين والمرشدات، وذكر أن الوزارة عاكفة على إخراج دليل علمي يبين دور الإمام في الحي الذي يقطن فيه، ويوضح المسؤوليات المترتبة عليه تجاه السكان والتي لا تقتصر على مجرد إمامة الصلوات المفروضة وإنما يجب أن تشمل مهام أخرى بالتعاون مع جماعة المسجد كإصلاح ذات البين والحيلولة دون تطور النزاعات البسيطة، بالإضافة إلى تنظيم دروس لمحو الأمية للكبار وخاصة النساء لتمكينهن من قراءة القرآن وغير ذلك من أعمال البر.

وكانت المحطة الثانية من الزيارات الميدانية للمشاركين دار الحديث الحسنية وهي معلمة علمية وحضارية أسسها المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسن الثاني سنة 1964م، حيث قدم مديرها الأستاذ الخمليشي عرضا مفصلا عن الغرض من إنشائها وطبيعة سير الدروس فيها. وبعد ذلك زار المشاركون مكتبتها الغنية بالمصادر والمراجع العلمية.

أما المحطة الثالثة من الزيارات الميدانية فكانت المجلس العلمي الأعلى حيث قدم رئيسه الدكتور محمديسف عرضا مفصلا عن هيكلة هذا المجلس وعن المجالس الجهوية وأنشطتها وطريقة استصدار المجلس الأعلى للفتاوي وعن الجهة التي تتقدم بطلب الفتوى من المجلس.

وأدرك المشاركون في هذه الدورة أن ما ينعم به المغرب من طمأنينة وتحصين ضد الأفكار المتطرفة هو نتيجة طبيعية لتضافر مجموعة من الأمور منها:

1- تقنين المجال الديني على عموم تراب المملكة

2- التكوين المحكم للقائمين على الشأن الديني

3- المتابعة الدقيقة لكل المؤسسات المعنية بالقيام على الشأن الديني ورعايته

وتوجت أعمال الدورة التواصلية بالمصادقة على البرنامج السنوي لفروع المؤسسة لسنة 2018 ، كما أتيحت للمشاركين فرصة التعرف على بعضهم، وتبادل الآراء حول تدبير الشأن الديني في بلدانهم.

وقد تشرفت خلال هذه الدورة بلقاء شخصيات علمية هامة جمعتني مع البعض منهم مقاعد الدراسة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس أيام كان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور أحمد التوفيق أستاذا فيها، كما التقيت ببعض من كنت أتابع دروسهم عن طريق القنوات الفضائية، وبعض من كنت أصلي خلفهم في جامع القرويين، إضافة إلى بعض الأصدقاء الذين كنت ألتقي بهم في الملتقيات الدولية والدينية الإفريقية ممثلين للمملكة المغربية أحسن تمثيل.

ولا يسعني في ختام هذه الخاطرة إلا أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره على إنشاء هذه المؤسسة الهامة التي تعلق القارة الافريقية عليها آمالا جساما في تطوير وتحسين علاقات الأخوة والمحبة بين الشعوب ومساعدتها في المحافظة على ترسيخ الثوابت التي قام عليها الدين في المنطقة ونبذ الأفكار الوافدة ومحاربة الغلو والتطرف.

وجدير بالذكر أن الغرض من هذه المؤسسة هو أن تشكل إطارا للتعاون وتبادل التجارب وتنسيق الجهود بين العلماء للقيام بواجبهم في التعريف بالصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، وبقيمه السمحة القائمة على الاعتدال والتسامح، كما ورد في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة تنصيب المجلس الأعلى للمؤسسة بتاريخ 8 رمضان 1437 الموافق ل24 يونيو 2016.

ومن أجل هذا الهدف السامي أنشأت فروع للمؤسسة في بعض البلدان الإفريقية تضم كوكبة من خيرة العلماء وتعمل حسب القوانين المعمول بها في تلك الدول.

بقلم أ.د محمد الحنفي دهاه/ الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الانسانية/جامعة نواكشوط العصرية/ عضو المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.