نبتعد قليلا في الزمان و المكان عن قصر المؤتمرات و عن القصر الرئاسي…
إلي حاسي اخروفه في ثلاثنيات القرن الماضي حيث نست بعثة من الشيمامه بكط من مكرونه عند الحاسي و حمله الشباب إلي لخيام بعد أن حيرهم أمره…
فلما أفرغ شيخ القبيلة محتوي البكط علي التراب تراجع من كان حوله خوفا من تلك الديدان اليابسة.
أخذ الشيخ أحدها و حدق فيه و هو يقلبه ثم شمه ثم ذاقه وتفل مباشرة ليقول:
– لا طعمة و لا رائحة.
قال الراوي: قلت لهم إنني شاهدت النصراني يصب عليه قليلا من الخمر و يطبخه… فلماذا لا نطبخه؟
– و هل هو حلال حتي نطبخه أو نمسه حتي؟؟ يتساءل أحدهم.
ليرد عليه آخر: طعامهم حل لكم..
– هذا إن كان حلالا أصلا..من قال لك إنه ليس مصنوعا من الخمر أو إنه لا يحتوي علي نسبة من لحم الخنزير؟
في انتظار حسم المسألة فقهيا’ أرجع شيخ القبيلة الديدان إلي بكطها و غطاه بكدحة و حذر من الإقتراب منها.
ثم طلب ماء ليغسل يديه بعدها بعناية…
بات القوم في نقاش الأمر من الناحية الشرعية.
و في الصباح اتخذ شيخ القبيلة قرارا بطبخ الديدان اليابسة معللا قراره بأنها لا يمكن أن تكون خمرا أو لحم خنزير نظرا لتشابهها مع “امبسكيت” …
فهي بدون شك نوع من “امبسكيت” لكنها فقط نية أو تنقصها طبخة…
قال الراوي..
تحمست كثيرا لذلك القرار. و بما أنني من وجد البكط و رأى النصارى يطبخونه تم تكليفي بمهمة طبخه…
أخذت “كمبله” و هي مرجن كوروي الشكل و “فمه” صغير…
سكبت فيها قليلا من الماء بداية فقد كنت متيقنا أن تلك الديدان لا تشرب الماء كثيرا مثل مارو. فتركت الماء يغلي مدة قبل أن أتوكل علي الله و أرمي بداية 3 أو 4 من الديدان داخل الكمبله, متراجعا بسرعة خشية انفجار محتمل…
و عندما لم يحدث شيء صبيتها دفعة واحدة و أغلقت عليها باحكام. لكني حذرت الجميع – كانوا يتابعونني من بعد – من الإقتراب.
فاستجابوا لطلبي و بقيت وحدي سيد الموقف…
بعد أن سمعتها تغلي في الداخل فتحت الكمبله لكن صغر فتحتها منعني من متابعة ما يجري داخلها…
طلبت “مرغاية” – و هي كدو من الخشب – فرماها لي أحدهم عن بعد.
و عندما أردت تحريكها’ لاحظت أن الديدان قد صارت صلبة فطفيت النار و انتظرت…
و بعد وهنة أخرجت المرغاية و قد لصقت فيها الديان و هي “متعيشة” و حملتها إلي الشيخ…
حدق فيها عن قرب فشمها ثم تذوقها و قال كما قال سابقا:
– لا طعمة و لا رائحة…
أخذ رجل آخر المرغاية و انتزع منها كمية أكبر من تلك التي تناول الشيخ و وتناولها.
– تبدو فعلا ماسخة. لكن السبب هو خلوها من الملح و ليدام…
– لا شيء أمسخ من “فدغو” غير المملح و غير الميدوم, يقول الشيخ.
طلب مني الرجال أن أناولهم الكمبله.
فأفرغوا محتواها بالكامل – حتي لكراطه – في كدحة.
و بعد تذوقها اتفق الجميع علي أن تلك الديدان هي التي يصنع منها النصاري عيشهم.
– يطحنون الدقيق و يرشونه بالماء ثم يجففونه علي شكل ديدان قبل تخزينه في بكط, يقول الشيخ مضيفا أنهم بدلا من إدامها بالحليب فإن إدمهم هو الخمر أة لحم الخنزير…
– قاتلهم الله ما أحمقهم, يعلق أحدهم…
– “قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير”, صدق الله العظيم, يقول الشيخ مختتما قصة بكط مكرونه, طالبا من الحضور التكتم علي سره خوفا من كلام الناس – حتي لا يشيع في الناس أننا أكلنا الدود – لكن أيضا خوفا من أن يعلم النصاري بالأمر فيطالبوننا بالتعويض…
– فلا شك أن هذه الديدان غالية المرآت