تشكل جائحة كورونا أبرز تحديات الحياة المعاصرة وأهم العراقيل في وجه النشاط اليومي للمواطنين عموما وأصحاب المهن البسيطة بصفة خاصة وعبئا ثقيلا ينضاف إلى أعباء الحياة اليومية التى كانت قائمة قبل ظهور الجائحة، ليس فقط على مستوى الإنفاق الشخصي وإنما بطبيعة الحال على مستوى الدخل.
وقد ألقى هذا الوباء بظلاله على المواطنين في عموم التراب الوطني مما أثر بشكل كبير، على انسيابية كل الأنشطة اليومية إن لم نقل أغلبها وحرم أصحابها من تحقيق أبسط استفادة.
وأصبحت الدول الكبرى التي قطعت أشواطا بعيدة في مجال التصنيع وتحقيق الرفاهية، بعيدا عن انشغالات الهموم اليومية التي تجاوزتها بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت إذن هذه الدول هي الأخرى منشغلة في قضايا أرغمتها تأثيرات الجائحة على التعاطي معها مثل الحفاظ على دخل الفرد وتعويض العاطلين عن العمل وتثبيت أسعار المواد الاستهلاكية وغير ذلك.
أما في دول العالم الثالث وفي إفريقيا وجوارنا الإقليمي وبلادنا على وجه الخصوص فحدث ولا حرج، حيث يتنوع حجم تأثير جائحة كوفيد 19 من قطاع لآخر ومن نشاط لنشاط. وتبقى المبادرات الخاصة للأفراد وأنشطتهم الصغيرة أكبر متضرر من هذه الجائحة لدرجة هددت معها بإيقاف الكثير من الأنشطة وراكمت على أصحابها الديون وأبقتهم عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم بما في ذلك تسديد التكاليف المترتبة عليهم، كتغطية شؤون المنزل اليومية وجعلتهم في منأى أكثر من أي وقت مضى عن تحقيق أية مكاسب.
وفي هذا الإطار يتذكر الغسال إبراهيم الموجود بمقاطعة تيارت زبناءه الذين قطعوا معه أي اتصال منذ بداية مارس الماضي عندما أظهرت المعلومات المنشورة عن كوفيد 19 أن هذا الفيروس ينتقل عن طريق الملابس وأنه أكثر قدرة على المكث بعد تصفيفها وكيها، مما نفر الزبناء حتى من التقرب من محله الذي ظل مصدرا لقوته وأساس مداخيله لفترة طويلة من الزمن.
ويتساءل إبراهيم الذي يعيل أسرة من ستة أفراد وقد غلب عليه التشاؤم بعدما سمع عن ظهور فئة جديدة من الفيروس وموجة ثانية، عن نهاية محددة لهذا الكابوس الذي يتفنن الأطباء في الحديث عن طول أمده وسرعة تفشيه، متمنيا نهاية قريبة له ولمخاطره بما يعيد له زبناءه وينعش دخله اليومي ويجنب البلاد والعباد هذا الوباء الفتاك.
ويثني إبراهيم على الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية خصوصا وكالة تآزر للتخفيف من آثار هذه الجائحة حيث يقول إنه استفاد في الفترة الماضية من التوزيعات المجانية والمخصصات النقدية الممنوحة للأسر الأكثر هشاشة في المقاطعة.
ويتحدث إبراهيم عن عجزه عن تسديد الإيجار البالغ 15000 أوقية قديمة في الشهر التاسع على التوالي وتهديد مالك المحل بإخلائه، مشيرا إلى أن عزاءه في ذلك صعوبة تسديد الإيجار لكل أصحاب الأنشطة المثيلة ومعاناة الكل من أوضاع مشابهة مما يرغم المؤجرين يقول ابراهيم على إنصافنا وتفهم أوضاعنا في انتظار إيجاد مخرج مشرف وعودة الحياة إلى طبيعتها وانقراض هذه الجائحة التي أدت إلى مثل هذه الوضعية.
ويسوق إبراهيم على سبيل المثال تكاليف الماء والكهرباء وغيرهما وتفاوت تعامل شركتي الكهرباء والماء معهم التي غالبا ما يلجأ مستخدموها لسلاح قطع الخدمة، مشيرا إلى الفرق الشاسع بين دخله قبل الموجة الأولى من الجائحة ودخله اليومي في ظل الموجة الثانية منها.
وتشمل تأثيرات جائحة كورونا من بين أمور أخرى حظر التجول المفروض كإجراء احترازي ضد الفيروس، الذي يصفه إبراهيم بأنه ساهم هو الآخر في تعطيل الحركة وحال دون القيام ببعض الأنشطة التي قد تسهم هي الأخرى في حل بعض المشاكل المطروحة عليه.
ولا يختلف حال إبراهيم في تيارت عن حال محمد الغسال بمقاطعة الرياض الذي تهدد تأثيرات جائحة كورونا محله الذي هو مصدر رزقه الوحيد بالإغلاق بعدما شهد عزوفا منقطع النظير للزبناء.
وينعقد الإجماع في نواكشوط وفي ولايات الداخل على وضعية الركود التي تعيشها مهنة الغسال بشكل عام، بفعل حالة الخوف الشديد من انتقال العدوى عن طريق الملابس وتواتر الأطباء على خطورة الفيروس وقدرته على التكيف مع مختلف الظروف.
ويضيف إبراهيم أن دخل محله قد انخفض بقرابة الثلاثة أرباع مما ينذر بعجزه عن سداد الإيجار الشهري وتكاليف الماء والصابون وبقية المواد الأخرى المستخدمة في تنظيف الملابس.
ويحكي إبراهيم بمرارة تفاصيل عزوف الزبناء عن محلات الغسيل حيث عمد الكثير منهم على غسيل ثيابهم في البيوت بالوسائل التقليدية بالنسبة لذوي الدخل المحدود واقتناء ماكنات الغسيل في البيوت بالنسبة للميسورين.
ويتساءل عن المخاطر التي تواجه مهنة الغسال مستقبلا إذا ما تعود الزبناء على الاستغناء عنها والاستعاضة عن الذهاب إلى الغسال بمبادرات ذاتية مما يهدد هذه المهنة بالزوال.
تقرير: محمد فال ولد باباه