بسم الله الرحمن الرحيم ، وبعد:فقد استشكل البعض فتوي الشيخ الددو التي قال فيها بأنه لادليل البتة علي أن صوت المرأة عورة ؛وأنه يجوز لها تسجيل مصحف التلاوة وتدريس الذكور '
مستدلا بحديث بريدة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف ( أي : رجع ) جاءت جارية سوداء فقالت : يا رسول الله إني كنت نذرتُ إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنَّى ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنتِ نذرتِ فاضربي وإلا فلا ، فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل عليُّ وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها ، ثم قعدت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إنِّي كنتُ جالساً وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف .
وقد علق علي هذه الفتوي الشيخ محمد الامين ولد ءاقه بما نصه :
عفى الله عن الشيخ..
المباح من صوت المراة هو ماكان للضرورة والحاجة مثل كلامها مع الرجال للمعاملة والبيع والشراء او تعلم العلم وتعليمه او اداء الشهادة ونحو ذلك مما تدعو اليه الحاجة.
فصوت المراة ليس بعورة فيما دعت اليه الحاجة من مخاطبة الرجال.
ولكنه عورة في الخطاب الذي لا تدعو اليه الحاجة..
وعورة اذا كان فيه تطريب وتحسين.
وحيثما وجدت اهل العلم يقولون : (صوت المراة ليس بعورة) فمقصودهم الحالة الاولى لا الخيرة ..
وذلك لقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} {الأحزاب:32}.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "والأذنان زناهما الاستماع"
رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
فدل هذا على ان سماع صوت المراة منه ما هو محرم .
ولهذا منعت من الاذان ورفع الصوت بالتلاوة في الصلاة ، وامرت بالتصفيق وعدم التسبيح اذا نابها شيء في الصلاة ..
قال ابن عبد البر في الاستذكار: ( إنما كره التسبيح للنساء؛ لأن صوت المرأة فتنة، ولهذا منعت من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في صلاتها.) اهـ.
وقال الخرشي في شرح المختصر: المرأة دون الرجل في الجهر بأن تسمع نفسها فقط فيكون أعلى جهرها وأدناه واحداً وعلى هذا يستوي في حقها السر والجهر... لأن صوتها عورة وربما كان فتنة.
فإذا كان رفع المراة صوتها بالتلاوة في الصلاة منهيا عنه اتقاء الفتنة
فكيف لا يكون منهيا عنه خارج الصلاة ؟
وقال ابن نجيم الحنفي: فإنا نجيز الكلام مع النساء الأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن، ولا تمطيطها، ولا تليينها، وتقطيعها، لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن، وتحريك الشهوات منهم، ومن هذا لم يجز أن تؤذن المرأة. اهـ.
قلت : وتحسين المراة صوتها بالتلاوة مشتمل على هذه العلة.
ومن فيه مسحة من رجولة لا يكابر في ان صوت المراة يثير شهوته ؛دعك من ذكور المجتمعات المختلطة الذين تعودوا على مجالسة النساء فقلما يثيرهم ذلك لطول الالفة وكثرة المجالسة.
واما حديث الترمذي الذي ذكر الشيخ بانه صحيح الاسناد فهو ضعيف عند الترمذي لانه من رواية علي بن حسين بن واقد، قال أبو حاتم: ضعيف، وقال العقيلي: كان مرجئا، ولكنه منجبر بمتابعة زيد بن الحباب عند ابن أبي شيبة في المصنف.
والحديث يدل على مشروعية ضرب النساء للدف.
وليس فيه ما يدل على جواز غناء المراة للرجال.
وانظر هل هو وارد قبل آية الحجاب ام بعدها؟
ولا ريب ان مسلك الجمع بين النصوص يقتضي حمله على كونه قبل نزول الحجاب .
والله اعلم.
وتعليقي هو كالتالي :
تضعيف الشيخ لحد يث الترمذي
غير مقبول فقد رواه أحمد والترمذي وصححه وابن حبان والبيهقي.
وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2913 ).
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة وفي الباب عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعائشة وعلق عليه الامام البيهقي في السنن بالتالي (إنما أذن لها في الضرب لأنه أمر مباح وفيه إظهار الفرح بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوعه سالما لا أنه يجب بالنذر والله أعلم (سنن البيهقي الكبرى .
ومانقله الشيخ عن ابن القطان أنه قال ": وعندي أنه ضعيف، لضعف علي بن حسين بن واقد، قال أبو حاتم: ضعيف، وقال العقيلي: كان مرجئاً، فهومردود لماتقدم
فقد رواه غيره، كما رواه ابن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقد به، وزاد: فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر، وهي تضرب، فألقت الدف، وجلست عليه، فقال عليه السلام: إني لأحسب الشيطان يفرق منك يا عمر، قال: وهذا حديث صحيح، انتهى .
وله شاهدٌ مِنْ حديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ»، قَالَ: «أَوْفِي بِنَذْرِكِ».وصححه الألباني في السلسلة ٢٢٦٦.
قال الخطابي رحمه الله، في "معالم السنن" (4/382):
"ضرب الدف ليس مما يُعد في باب الطاعات التي يعلق بها النذور، وأحسن حاله أن يكون من باب المباح، غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة من بعض غزواته، وكانت فيه مساءة الكفار، وإرغام المنافقين صار فعله كبعض القرب التي من نوافل الطاعات، ولهذا أبيحَ ضرب الدف".
ثانيا : مجرد صوت ُ المرأةِ لَيْسَ بِعورة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، وقال: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].
وفي "صحيح البخاري" عن أُمِّ عطيَّة قالت: "بايعَنا النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقرأ عليْنا أن لا نُشْرِك بِالله شيئًا" وفيه: "ونَهانا عن النِّياحة، فقبضَتِ امرأةٌ منَّا يدَها، وقالت: فلانةُ أسعدتْني، وأنا أُرِيدُ أن أجْزِيَها، فلَمْ يقُل شيئًا، فذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعتْ".
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وفي هذا الحديثِ أنَّ كلامَ الأجنبيَّة مُباحٌ سَماعُه، وأنَّ صوتَها ليس بعورة".
وفي "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إذا أقرَرْنَ بِذلِك من قولِهِنَّ، قال لهُنَّ: انْطَلِقْن، فقَدْ بايعْتُكُنَّ وفيه: وقَدْ بايعْتُكنَّ كلامًا".
قال النووي في "شرح مسلم": "وفيه أنَّ كلام الأجنبيَّة يُباح سَماعُه عند الحاجة، وأنَّ صوتَها ليس بِعورة".
ثالثا :كلام الخرشي الذي ساقه الشيخ خلاف ما عليه فقهاء المذهب ؛والمعتمد أن صوتها ليس بعورة '
و ذكر العدويُّ في "حاشيته" أنَّ القول بأن صوتها ليس بعورة هو المعتمد، فقال - معلّقًا على قول الخرشي: (المرأة دون الرَّجُل في الجهر بأن تُسمع نفسَها فقط، فيكونُ أعلى جهْرِها وأدناه واحدًا، وعلى هذا يَستوي في حقِّها السّرّ والجَهر... لأنَّ صوتَها عورةٌ وربَّما كان فتنة) قال العدوي: (لأنَّ صوتَها عورةٌ) المعتَمَد كما أفادَه النَّاصر اللقاني في "فتاويه" وشيخُنا الصَّغير أنَّه ليس بعورةٍ، ونصُّ النَّاصر: رفْع صوت المرأة التي يُخشَى التَّلذُّذ بِسماعِه لا يَجوزُ من هذه الحيثيَّة" .
وقال الدُّسوقي -المالكي- في "حاشيته": "وقد يُقال إنَّ صوتَ المرأة ليس عورةً حقيقةً؛ بدليلِ روايةِ الحديثِ عنْ النِّساءِ الصَّحابيَّات، وإنَّما هُو كالعَورَةِ في حُرْمةِ التَّلذُّذ بِكُلٍّ، وحينئذٍ فحَمْلُ الكراهة على ظاهِرِها وجيه، وفي المذْهب أنَّ صوتَها ليس بِعورة،
و قال صاحب "مراقي الفلاح" –الحنفيّ-: "وتقدَّم في الأذان أنَّ صوتَها عورةٌ، وليسَ المُراد كلامَها بل ما يَحصُل من تَليينِه وتَمطيطِه".
وفي البجيرمي -الشَّافعي- في حاشيته على الخطيب: "وصوتُها ليس بعورةٍ على الأصحّ، لكنْ يَحرُم الإصغاءُ إليه عند خوفِ الفتنة، وإذا قرَعَ بابَ المرأة أحدٌ فلا تُجيبُه بصوتٍ رخيمٍ، بلْ تغلِّظ صوتَها بأنْ تَأْخُذَ طرف كفَّيْها بفِيها وتُجيب".
قال ابْنُ مُفلح -الحنبليّ- في "الفروع": "ولَيْسَ صَوْتُ الأَجْنَبِيَّةِ عَوْرَةً، على الأَصَحِّ، ويَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ ولو بقِرَاءَةٍ" اهـ.
وقد ورد في الصحيحين ليس منا من لم يتغن بالقرءان ومن من ألفاظ العموم قال في المراقي :
وماشمول من للانثي جنف
وفي شبيه المسلمين اختلفوا
فيجوز لهاالتطريب وتحسين الصوت بالقرءان حسب ماقال الشيخ الددو ؛
طبعا بشرط عدم التكسر والخضوع بالقول المنهي عنه ؛
والله تعالي أعلم .القاضي :سيدمحمد ولد محمد الأمين باب ٢. ٦. .٢٠٢٢.