القاضي: سيد محمد ولد محمد الامين ولد باب
بسم الله الرحمن الرحيم 'والصلاة والسلام علي النبي الكريم ' وبعد :فهذه هي الحلقة الثامنة من سلسلة : حوار هادئ مع الشيخ
محمد الامين ولد الشاه
وسأتابع فيها ملا حظاتي علي مقاله الذي نشره في موقع مراسلون ٢٨ ١ ٢٠٢١تحت عنوان الفقه المالكي في موريتانيا مكذب فقهي أومكب فقهي '
وسأ تعرض في هذه الحلقة لنقطتين :
الاولي :قال الشيخ حفظه الله مانصه :
الحائض والجنب
يرى أصحابنا منع الحائض والجنب من الدخول على الميت وتغسيله، وعليه درج خليل بقوله : (وتجنب حائض وجنب له) ونقله الحطاب عن ابن وهب.
وهو كلام ظاهر السقوط، فالنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول لعائشة في حديث الخمرة الثابت في الصحيح: (إن حيضتك ليست في يديك) .
وتعليقي علي هذا بأن مانقله الشيخ عن المالكية من أنهم يرون كراهة تغسيل الحائض للميت ليس دقيقا ؛ بل إن كراهة تغسيل الميت مكروهة عندهم بالنسبة للجنب دون الحائض ..
قال في المختصر في المكروهات :( وتغسيل جنب)، وقال بعد ذلك مباشرة بعدم كراهية ذلك للحائض: (لاحائض )قال الدرديري :(لا) يكره تغسيل (حائض) للميت لعدم قدرتها على رفع حدثها بخلاف الجنب ولذا لو انقطع عنها صارت كالجنب
وقال ابن رشد “البيان والتحصيل” (2/ 209):[مسألة: قال مالك: لا أُحب للجنب أن يُغسل الميت حتى يغتسل؛ لأن أمرَه يسير، ولا بأس بالحائض أن تُغَسِّلَ الميت] اهـ. نعم كرهوا وجود الجنب والحائض مع المحتضر قال خليل :
(وتجنب حائض وجنب له)
وقد بينوا العلة التي دعت الى ذلك
قال الزرقاني في “شرح مختصر خليل” : [(و) نُدِبَ (تجنُّب)؛ أي: بُعْد (حائض وجنب له) عن البيت الذي هو فيه -المازري-؛ لأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه جُنُبٌ أو حائضٌ .
وقال الدردير في “الشرح الكبير” : [(و) ندب (تجنب حائض) ونفساء (وجنب له): لأجل الملائكة] .ـ.
ودليل ذلك ماورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(ثلاثةٌ لا تقربُهم الملائكةُ : الجنُبُ ، و السَّكرانُ ، و المتَضَمِّخُ بالخَلوقِ).
أخرجه البخاري في ((التاريخ الكبير)) ، والطبراني ، والبزار .
وحديث عمّار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَحْضُرُ جِنَازَةَ الْكَافِرِ بِخَيْرٍ، وَلَا الْمُتَضَمِّخَ بِالزَّعْفَرَانِ، وَلَا الْجُنُبَ»، رواه ابو داود والترمذي وصححه.
وأخرجه أيضا أحمد و عبد الرزاق وابن أبي شيبة، و الطيالسي والبزار وأبو يعلى.
وفي واية عند البزار عن بريدة مرفوعًا: «وَالْحَائِضُ، أَوِ الْجُنُبُ».
فكراهة المالكية دليلها واضح وليست خاصة بهم بل ذهب 'بعض الشافعية إلي المنع
قال ا الدَّميري الشافعي في "النجم الوهَّاج" (1/ 493، : [وفي "الرونق" و"اللباب": يحرم عليها -أي الحائض- حضور المحتضر، فإن كان لأجل حضور الملائكة ليكن الجنب كذلك؛ لما تقدم أنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه جنب] .
النقطة الثانية :
قال الشيخ حفظه الله مانصه :
دفن المرأة
يقول أصحابنا لا يدخل المرأة في قبرها إلا ذو محرم وهو كلام باطل، ففي الصحيح أنه لما توفيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا دفنها قال ( هل منكم من رجل لم يقارف الليلة؟ قال أبو طلحة: أنا قال فانزل. فنزل في قبرها)
فأنت ترى أنه لم يشترط المحرمية، وإنما الطهارة من الحدث الأكبر.وتعليقي علي هذ ا هو : أن المذاهب الاربعة اتفقوا علي أن دفن المرأة لايتولاه الأجانب مع حضور المحارم '
وليس هذاخاصا بالمالكية '
قال ابن قدامة رحمه الله : " المغني " (2/189)
" لا خلاف بين أهل العلم في أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها , وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها , ولها السفر معه , وقد روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قام عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت زينب بنت جحش فقال : ألا إني أرسلت إلى النسوة : من يدخلها قبرها؟ فأرسلن من كان يحل له الدخول عليها في حياتها . فرأيت أن قد صدقن..." انتهي .
وهذاالحديث ورد بلفظ آخر: «وكان عُمَرُ رضي الله عنه يُعْجِبُهُ أَنْ يُدْخِلَها قَبْرَها، فأَرْسَلْنَ إِليه رضي الله عنهن: يُدْخِلُها قَبْرَها مَنْ كَانَ يَرَاهَا في حَياتِها، قال: صَدَقْنَ».وهذاالاثر رواه البيهقي في «الكبرى» (4/ 53)، (رقم 6839)؛ وابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/ 15)، (رقم 11651)؛ والبزار في «مسنده» (1/ 360)، (رقم 241). وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 248): «رواه البزار، ورجاله رجال الصَّحيح».
وزاد ابن سعدٍ في «الطبقات الكبرى»: قال عمر رضي الله عنه: «فَرَأَيْتُ أَنْ قَدْ صَدَقْنَ، فَاعتَزِلُوا أيُّها النَّاسُ، فَنَحَّاهُمْ عَنْ قَبْرِها، ثُمَّ أَدْخَلَهَا رَجُلانِ مِنْ أهْلِ بَيْتِهَا».
أماقضية دفن أم كلثوم بنت النبي صلي الله عليه وسلم من طرف أبي طلحة فصحيح 'ففي البخاري : عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَرَسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ». فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: «فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا». فَنزَلَ في قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا.
ولكن هذا ليس علي إطلاقه ' فأم كلثوم ليس لها محرم حاضر غير النبي صلي الله عليه وسلم 'وزوجها عثمان رضي الله عنه ' ولكل منهما عذره '
قال النَّووي رحمه الله: «ومعلوم أنَّ أبا طلحة رضي الله عنه أجنبيٌّ من بنات النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولكنَّه كان من صالحي الحاضرين، ولم يكن لها هناك رجل مَحْرَم إلاَّ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلعلَّه كان له عذر في عدم نزول قبرها،
وكذا زوجها.
وقد أجاب العلماء عن وجه تقديم أبي طلحة - وهو أجنبي عن المتوفاة - على عثمان زوجها ، قا ل ابن حجر رحمه الله: "يحتمل أن عثمان لفرط الحزن والأسف لم يثق من نفسه بإحكام الدفن فأذن، أو أنه صلى الله عليه وسلم رأى عليه آثار العجز عن ذلك، فقدم أبا طلحة من غير إذنه، وخصه لكونه لم يقارف تلك الليلة"'
وقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد معاتبة عثمان رضي الله عنه على ما وقع منه في تلك الليلة مع جارية له وانشغاله عن زوجته،
قال ابن حجر رحمه الله فتح الباري (3/ 159: "حُكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح" ).
يتواصل بحول الله ...