حكم  الطلاق عبر الكتابة في الهاتف    فتوي الشيخ الددو في الميزان  القاضي :سيدمحمد ولد محمد الامين باب

اثنين, 03/27/2023 - 08:53

 

بسم الله الرحمن الرحيم ،والصلاة والسلام علي النبي الكريم ،وبعد: فقد أثارت فتوي الشيخ الددو حول عدم وقوع الطلاق بالمساج عبر الهاتف إذاتراجع عنه الزوج ومحاه موجة انتقاد من بعض العامة الذين لا يفهمون مدارك الخلاف في المسائل ،ولا الغوص  في أعماق النوازل ،همهم الانتقاد وركوب الأمواج دون معرفة ولادراية متناسين أن الطلاق لا يقع أصلا بالكتابة ولو نواه الزوج عند عطاءمن التابعين والظاهرية وبعض الشافعية 
قال ابن حزم قال أبو محمد : قال الله تعالى : { الطلاق مرتان } وقال تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } ولا يقع في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم اسم تطليق على أن يكتب إنما يقع ذلك اللفظ به - فصح أن الكتاب ليس طلاقا حتى يلفظ به إذ لم يوجب ذلك نص - وبالله تعالى التوفيق .
وقال الغزالي  في الوجيز: ص287"كتابة الطلاق من القادر على النطق، وهي ليس بصريح أصلًا، لكنها كناية على قول، ولغو على قول"
 وهو مروي عن عطاء 
قال الإمام الباجي رحمه الله تعالى:المنتقى 5/ 208 "وَأَمَّا مَنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ جُمْلَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ كِتَابَةٌ أَوْ إشَارَةٌ أَوْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ شَيْءٌ، فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ كِتَابَةٌ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِكِتَابَةٍ، فَإِنَّهَا طَالِقٌ بِذَلِكَ وَقَالَ عَطَاءٌ: وَمَنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ، وَإِظْهَارُهُ بِالْكِتَابَةِ كَإِظْهَارِهِ بِالنُّطْقِ كَلَفْظِهِ بِالتَّوْحِيدِ يَكْتُبُهُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ".وقال النووي في روضة الطالبين 

"إذا كتب القادر بطلاق زوجته، نظر، إن أقر ما كتبه وتلفظ به في حال الكتابة، أو بعدها، طلقت، وإن لم يتلفظ، نظر، إن لم ينو إيقاع الطلاق لم تطلق على الصحيح، وقيل: تطلق وتكون الكتابة صريحًا، وإن نوى ففيه أقوال وأوجه وطرق، مختصرها ثلاثة أقوال: تطلق مطلقًا، والثاني: لا، والثالث: تطلق إن كانت غائبة عن المجلس، وإلا فلا.".
وقد استدل هؤلاء بأن الأصل هو  بقاء عقد الزواج الصحيح، والكتابة أمر يتطرق إليه الاحتمال، واليقين لا يزول بالشك شرعاً، وعقلاً، وواقعاً.

وأنه  لا يوجد دليل قطعي يعتد به يدل على وقوع الطلاق بالكنايات.

 وقد ذكرت هذا القول وإن كان خلاف مذهب الجمهور ليتراشف أولئك الغوغائيون الاغمار الذين يجعلون من الظني قطعيا ويحسمون القول في  مسائل لم يوجد حتي الآن فيها نص قطعي حاسم ،أما الجمهور فهم وإن كانوا متفقين من حيث المبدإ علي وقوع الطلاق بالكتابة إلا أنهم مختلفون ،والذي يتضح من خلال الأقوال في الموضوع أن   الطلاق المرسل عبر رسالة الجوال فيه تفصيل واختلاف حتي عند القائلين بوقوع الطلاق بالكتابة فلا يطلق به حتي  يُسأل الزوج عن نيته: أكان يقصد طلاقاً، أم تهديداً، أم كيداً، وما شابه؟ لأنه  ربما يقع الجوال في يد شخص ما؛ فكتب الطلاق دعابة، أو سفاهة، أو مكراً ونحو ذلك،  
؛ قال ابن قدامة في "المغني": "إذا كتب الطلاق، فإن نواه طلقت زوجته، وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم وأبو حنفية ومالك، وهو المنصوص عن الشافعي. وذكر بعض أصحابه أن له قولاً آخر: أنه لا يقع به طلاق وإن نواه؛ لأنه فعلٌ من قادر على التطليق فلم يقع به الطلاق كالإشارة. ولنا: أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق، فإذا أتى فيها بالطلاق وفُهم منها ونواه وقع؛ كاللفظ، ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب، بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بتبليغ رسالته، فحصل ذلك في حق البعض بالقول وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف، ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق. فأما إن كتب ذلك من غير نية، فقال أبو الخطاب: قد خرجها القاضي الشريف في الإرشاد على روايتين: إحداهما: يقع، وهو قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم؛ لما ذكرنا. والثانية: لا يقع إلا بنية، وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي؛ لأن الكتابة محتملة، فإنه يقصد بها تجربة القلم، وتجويد الخط، وغَمّ الأهل، فلم يقع من غير نية، ككنايات الطلاق، فإن نوى بذلك تجويد خطه ، أو تجربة قلمه، لم يقع؛ لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع؛ فالكتابة أولى ... ".

وفي الآثار ج2ص516 قال الإمام محمد بن الحسن:

"الرجل يكتب إلى امرأته إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، لم تطلق حتى يأتيها الكتاب، وإن ضاع، أو محي، فليس بشيء، وإن كان كتب أما بعد: فأنت طالق، فهي طالق حين كتب."
وما أفتي به الشيخ الددو هونفس كلام الشيخ محمد الحسن الشيباني حيث صرح بأن المساج إذا محاه صاحبه قبل اطلاع الزوجة عليه لايقع به طلاق ،
ومن الفقهاء من اشترط في الكتابة أن تكون مستبينة فلوكتبها علي الهواء أوعلي الماء لم يقع شيء فياتري كيف تكيف الكتابة علي الهاتف هل هي مستبينة أم لا ؟جاء في بدائع الصنائع:
3ص109
"أن يكتب على قرطاس، أو لوح، أو أرض، أو حائط كتابة مستبينة لكن لا على وجه المخاطبة، امرأته طالق، فيسأل عن نيته، فإن قال: نويت به الطلاق وقع، وإن قال: لم أنو به الطلاق صدق في القضاء؛ لأن الكتابة على هذا الوجه بمنزلة الكناية؛ لأن الإنسان قد يكتب على هذا الوجه، ويريد به الطلاق، وقد يكتب لتجويد الخط، فلا يحمل على الطلاق إلا بالنية، وإن كتب كتابة غير مستبينة بأن كتب على الماء، أو على الهواء، فذلك ليس بشيء حتى لا يقع به الطلاق وإن نوى؛ لأن ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة فكان ملحقا بالعدم.".

وقد ذكرت هذه الاقوال في المسألة من أجل ردع أولئك الغوغائيين الجهلة الذين يجعلون الظنيات قطعيات ويتطاولون علي أهل العلم في أمر لايدرون كنهه ،مع أن الذي به الفتوي والقضاء هومذهب إمامنا مالك وتلخيص رأيه في المسألة ،،ذكره العدوي فقال:
 وتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا كتب طلاق امرأته لا يخلو من ثلاثة أحوال أحدهما أن يكون كتبه مجمعا على الطلاق الثاني أن يكون كتبه على أن يستخير فيه فإن رأى أن ينفذه أنفذه وإن رأى أن لا ينفذه لم ينفذه والثالث أن لا تكون له نية فأما إذا كتبه مجمعا على الطلاق أو لم تكن له نية فقد وجب عليه الطلاق وأما إذا كتبه على أن يستخيره ويرى رأيه في إنفاذه فذلك له ما لم يخرج الكتاب من يده قال في الواضحة وكتاب ابن المواز ويحلف على نيته فإن أخرج الكتاب من يده عازما على الطلاق أو لم يكن له نية وجب عليه الطلاق بخروج الكتاب من يده وصل إليها أو لم يصل واختلف أن أخرج الكتاب من يده على أن يرده إن بدا له فقيل إن خروج الكتاب من يده كالإشهاد وليس له أن يرده وهو رواية أشهب وقيل له أن يرده إن أحب وهو قوله في المدونة فإن كتب إليها إن وصلك كتابي هذا فأنت طالق فلا اختلاف في أنه لا يقع عليه الطلاف إلا بوصول الكتاب إليها فإذا وصل إليها طلقت مكانها وأجبر على رجعتها إن كانت حائضا.انتهي كلامه ومن المعلوم أن المالكية يرون أن اللغة اصطلاحية 
فيلزم الطلاق عندهم حتي  بالعبارات التي لا تمت إلى الطلاق بصلة وإنما نوى بها المطلق الطلاق فقط قال خليل :وان قصده بكاسقني الماء أوبكل كلام لزم .و بعض أهل العلم 
اللغة توقيفية فلا يلزم طلاق  بغير الالفاظ التي تدل عليه ولو نواه وهذامابينه صاحب المراقي بقوله:

واللغة الرب لها قد وضعا ... وعزوها للاصطلاح سمعا

فبالإشارة وبالتعين ... كالطفل فهم ذي الخفا والبين

يُبنى عليه القلب والطلاقُ ... بكاسقني الشرب والعتاقُ

 والله تعالي أعلم .القاضي سيدمحمد ولد محمد الامين ولدباب 26. 3. 2023.