في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع المتابعين الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد أبرز الأوجه الإعلامية، ممن خبروا دروبه لفترات طويلة، في لقاء شامل يتناول بعض القضايا المتعلقة بتمهين الإعلام الموريتاني ، فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم، الدكتور الحسين مدو رئيس السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية" الهابا".
موقع الفكر: في بداية هذه المأمورية، كيف تقومون أداءكم في الفترة الماضية من حيث الانجاز ومواجهة العقبات والآفاق.؟
.الحسين ولد مدو: شكرا جزيلا لموقع الفكر على اتاحة الفرصة، لأجيب على مختلف الأسئلة المرتبطة بأدوارالسلطة العليا في ضبط وترقية المشهد الاعلامي، وبالتأكيد فإن هذا السؤال التقويمي كان من الأجدر توجيهه للمراقبين والمتابعين ولكم كصحافة، أكثر مني فلست أفضل من يجيب عليه.
السلطة العليا عمل تراكمي بدأ منذ تأسيس الهيئة قبل 17 عاما، وهي الفرصة التي تتاح لي لشكركل السابقين علي ما أسدوا وعلي ما قدموا من تضحيات لضبط وترقية المشهد الإعلامي ببلادنا، إنه مكسب مقدر ساهم في تأسيسه و تكريسه كل رؤساء السلطة السابقين ومجالسها وإدارييها وعمالها، وكذا السياقات السياسية الحاضنة لعملهم فلهم منا جزيل الامتنان والعرفان بالجميل.
وما يمثل المرحلة الجديدة التي ليست إلا عتبة من عتبات تطوير الهيئة هو السياق الإصلاحي الذي مكن السلطة العليا من تطوير وتنويع وتعزيز عملها، بفضل القانون 22/2022، المعدل للنظام الأساسي للسلطة العليا للسمعيات البصرية، ، وذلك بعد تبني الحكومة لتوصيات لجنة إصلاح قطاع الاعلام.
ومن بين ثمارهذه الإصلاحات سن القانون المعدل لبعض ترتيبات القانون المنشئ للسلطة العليا والذي مكن من توسيع صلاحيات السلطة العليا وتعزيز البعد المهني وكذا البعد التمثيلي عبر تعزيز حضور الجسم الصحافي، وتمثيل الطيف المعارض، بهيئتها القيادية فضلا عن توسيع صلاحياتها لتشمل أيضا المجال الرقمي ووسائل التنواصل الاجتماعي، كما عهد إلى السلطة بوضع ميثاق "أخلاقيات المهنة" و متابعة المسارات المهنية للصحفيين، وتعزيز دور السلطة في منح البطاقة الصحفية.
وهكذا فإن السلطة العليا تعمل وفق مداخل متعددة، ففضلا عن تكريس التعددية والسهر علي احترام القوانين والنظم الخاصة بالمشهد الاعلامي تعمل كذلك على تعزيز الجودة وتنويع المخرجات وتمهين الحقل ودعم الصحافة وتعزيز الذاتية الثقافية في تعددها البناء وتنوعها الأخاذ.
ومن شان هذا المسار الإصلاحي تحسين المداخل المهنية والاقتصادية الاجتماعية لممتهني الصحافة مثل مشاريع قوانين الصحفي المهني والدعم المندمح ومراسيم البطاقة الصحفيةو القنوات والاذاعات الجمهوية
فمع المصادقة علي هذه المشاريع لن يقتصر الدعم فقط على تقديم الدعم المباشر للصحفيين سيتم تنويع وتوسيع المدخل الاقتصادي للمقاولة الاعلامية وتعزيز القدرات الاقتصادية للإعلام الوطني،
كما أن مرسوم البطاقة المهنية سيضع حدا للتسيب ويؤمن الانسيابية ، إضافة إلى مشروع قانون الصحفي المهني والذي اكتملت حلقات التشاور حوله، وكذا مرسوم القنوات الجمعوية، وسيشكل اصدار هذ ا لمرسوم خطوة هامة في تعزيز تعدد وتنوع المشهد السمعي البصري ، حيث أن ما سبق الترخيص له لحد الآن هو القنوات والإذاعات التجارية، وقد آن الأوان للترخيص لمؤسسات إعلامية ذات طابع جمعوي.
وبالفعل فإن تطبيق هذه المخرجات من شأنه أن يسهم في خلق إعلام تعددي ومهني نوعي ومتنوع ، واع باهدافه، مساهم في تكريس حق المواطن في الاعلام.
وعلى المستوي الخارجي عززت السلطة العليا من العلاقة مع هيئات الضبط النظيرة، التي تقاسمها مهام الضبط الإعلامي، لأن التنسيق وتبادل الخبرة في هذا المجال ضرورة، وقد دخلت السلطة منذ سنتين في حراك تنسيقي مع الهيئات النظيرة إفريقيا وإسلاميا ومتوسطيا، وكذا في الفضاء لفرنكفوني ، من أجل متابعة وتعزيز المكاسب التي حققها الانفجار الإعلامي لوسائل التواصل الاجتماعي، لمواجهة وتخفيف مضاره، وقد تحقق عالميا جهد مهم في هذا المجال سيعزز مستقبلا من ضبط المنصات الرقمية، كما هو حال الميثاق الأوربي لضبط المنصات الرقمية، إضافة إلى تسارع سن قوانين مماثلة في منطقة غرب إفريقيا، وذلك نظرا لما وسعته هذه الوسائط من خروقات تمس بشكل كبير حقوق الانسان الأساسية عبر انتهاك الحياة الخاصة للأفراد وتسويق الأخبار الكاذبة و المضللة و تمجيد العنف والتطرف وتهديد أمن وسلم و تماسك المجتمعات.
وقد وقعنا اتفاقيات مع هيئات نظيرة في السنغال والمغرب، وفرنسا كما شاركنا في مختلف الفعاليات والمؤتمرات المنظمة، مما مكننا أيضا من عرض حجم الإصلاحات التي حققتها بلادنا في تعزيز الإعلام وتمهينه، وفي توسيع صلاحيات السلطة المكلفة بالضبط.
وضمن هذه الإصلاحات، تمت زيادة الدعم المقدم للمؤسسات الإعلامية عبر صندوق الدعم الصحفي، ب50% خلال العامين الماضية والحالي، وذلك في أفق زيادته بنسبة 100% خلال العام القادم، تبعا لتعهدات فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وذلك لمتطلبات التمهين، كما يتوقع أن يعزز قانون الدعم المندمج حجم ومداخل الاستفادة المتاحة للصحفيين والمؤسسات، وقد تم تنويع هذا الدعم عددا ونوعا، وتعزيز التنافسية بين الصحفيين عبر جوائز نوعية، فضلا عن الإشراك الفاعل للغات الوطنية لأول مرة في هذه الجوائز والتكوينات.
كما تم تعزيز البعد التكويني عبر تنظيم عشرات الدورات التي تناولت مختلف الأبعاد المعززة للمهنية سواء في المفاهيم والقدرات الصحفية، أو في تحيين الأدوات التي تمكن الإعلاميين من تطوير قدراتهم، أو مسايرة التحول الرقمي المتسارع.
كما عززنا في العلاقات الخارجية بعد التعاون من خلال مجموعة من الاتفاقيات النوعية مع بعض السفارات والمؤسسات، وهو ما حققت من خلاله السلطة العليا، مجموعات من البرامج التكوينية النوعية، ومنها على سبيل المثال برامج "ريم ميديا المستمر" منذ سنتين والذي ستكون له فوائد معتبرة ونوعية على الإعلاميين الموريتانيين. وذلك باالشراكة مع السفارة الفرنسية ومدرسة تور للإعلام ومنظمة الديمقراطية و الإعلام.
إضافة إلى شراكة مع الأمم المتحدة في إقامة منصات لرصد خطاب الكراهية والعنف والتطرف، وكذا مرصد وطني لمراقبة الانتخابات بالتعاون مع الاتحاد الأوربي.
واضطلعت السلطة العليا كذلك خلال العام الحالي بدور هام في ضبط المخرجات الإعلامية ذات الصلة بالاستحقاقات الانتخابية من تنويع وتعزيز ومتابعة التغطية الصحفية وتسيير ولوج عادل ونوعي لجميع المتنافسين إلى الحصص المجانية والتغطيات المتساوية في الإعلام العمومي.
وأصدرت السلطة تقريرها الرصدي لأكثر من 3.600 ساعة تغطية في الإعلام العمومي والخاص، لصالح الحملات الانتخابية. فضلا عن تامين اربعمائة وعشرين حصة مجانية للأحزاب السياسسية والمترشحين بوسايل الإعلام العمومية وتنظيم الندوات المتخصصة حول الضبط الإعلامي للانتخابات بمشاركة الإعلاميين و السياسيين وممثلي المجتمع المدني.
وقامت السلطة بجهد معتبر في مجال الدراسات والتحقيقات الميدانية التي بدأت بالمسح السنوي لواقع الصحافة و الصحفيين، وتواصل باجراء مسوحات في سياق رصد ومتابعة التنوع في المنتج الإعلامي بإصدار التحقيق الخاص بالتنوع والتعددية..، وكذا تحقيق حول نفاذ المرأة إلى الإعلام من خلال محوري المرأة فاعلا ومضمونا، وكذا التحقيق الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، والتحقيق الخاص بحضور الشباب والأطفال في المنتج الإعلامي الوطني.
وهذه التحقيقات الدورية مكنتنا من رصد المنتج، وتعزيز حضور جميع الكيانات التي ينبغي أن تظهر في المساطر البرامجية، وتنبيه الجهات المقصرة.
كما كان للسلطة دور في تسهيل التغطيات الكبرى التي تجريها بعض القنوات والمؤسسات الإعلامية في بلادنا، زيادة على ضمان التغطية النوعية للمحاكمة الجارية حاليا، وكذا استضافة الملتقيات الدولية حول حقوق الإنسان والقيم الإعلامية.
و فتحت السلطة أبوابها لصالح الإعلاميين والسياسيين وقادة المجتمع المدني، لبناء علاقات شراكة بناءة بصفتهم شركاء أصليون، وهو ما مكننا من الاستماع لانشغالاتهم ولشكاواهم المرتبط بمستويات الحضور في المنتج الإعلامي والعمل علي معالجة مختلف الاختلالات، فضلا عن تفعيل السلطة العليا لبعدي الوساطة و التحكيم بالنسبة للمتضررين من وسائل الإعلام ومعالجة الشكاوي التي تتوصل بها السلطة العليا.
موقع الفكر: ثنائية الأخلاق والانتشار تحكم أداء الصحفيين غالبا أو هكذا ينبغي أن يكون، برأيكم ما أهم الأخلاق الصحفية التي ما زال الصحافي الموريتاني يحافظ عليها، وتلك التي باتت غائبة في المشهد الإعلامي الوطني؟.
الحسين مدو: الأخلاق الصحفية سؤال كبير وضوابطها إما أن تكون الأطر القانونية، الضبط الرسمي بالزاميته وقهريته ورسمية فاعله ونحن حريصون على التزام وسائل الإعلام العمومي والخاصة ووسائط التواصل الاجتماعي بذلك طبقا للقوانين، واما بالضبط الذاتي بطوعيته وإلزاميته الأدبية ولا رسمية القائم به كمواثيق اخلاقيات المهنة ومحاكم النظراء.
ونحن نعمل وفق هذين المسارين القانوني والأخلاقي، صحيح أن ما يرتبط بالأخلاقيات والأدبيات يجعل هذه المهنة المفتوحة، محتاجة إلى تحسين وضبط متواصل، وللأسف فإن لدينا تعددا مشهودا وهشاشة كبيرة تشكك في قابلية اغلب المقاولات الإعلامية للاستمرار وفق روح المؤسسية والاستدامة.
صحيح ان المشاريع الأخيرة، التي امنت التعددية في المشهد السمعي البصري كان استحضار البعد القانوني التعددي بها اكثر حضورا من استصحاب المعطي الاقتصادي بما يقتضيه النظر الى المشاريع الاعلامية كمقاولة اقتصادية تحتاج إلى وسائل وقدرات، تؤمن الانطلاقة وتضمن الاستدامة وهو ما أدى إلى انتكاسات شديدة سواء على نوعية العرض المقدم أو تأمين حقوق العاملين أو انسيابية وتكريس حق المواطن في إعلام حر ومهني ونوعي.
تدخل الصحافة الموريتانية مرحلة تحول جديدة بعد إطلاق المسار الإصلاحي ويعرف المشهد الاعلامي بموريتانيا تطورات متسارعة من حيث مستوى الحريات وتشجيع إعلام القرب وتسريع التحول الرقمي للإعلام والتمكين للإعلام كفاعل في التغيير الاجتماعي وفي المسار الديمقراطي، وتضطلع وسائل الاعلام لديناـ دون أن تتعالى على نواقصها الذاتية والموضوعيةـ بأدوار مقدرة في تطوير قيم المشاركة والمواطنة، وتدعيم قيم الديمقراطية وضمان التعبير عن التعددية السياسية والاجتماعية والثقافية.
من حيث النوعية وتتميز الصحافة بحرية مشهودة تتوطد ونواقص على المستويين المؤسسي والمهني بحاجة للتغلب عليها وهكذا نشهد حضورا للمداخل القانونية المحفزة وضمورا للعوامل الاقتصادية والمهنية المعينة على التطور
وتوفر هذه الصحافة تنوعا في العرض للمواطنين وتعددا في المقاربات وهو عرض متنوع من حيث المضامين ويستحق الاسناد من حيث النوعية. وبالفعل فإن بداية هذا التحول الجديد انطلقت مع قرار رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، القاضي بتشكيل لجنة عليا لإصلاح قطاع الإعلام وهو القرار الذي شكل استجابة مقدرة للفاعلين بالحقل وانصاتا لانشغالاتهم الفعلية في ترقية القطاع ومعالجة اختلالاته.
وقد عهد الى هذه اللجنة وفق مسار تشاوري بالاستماع للصحفيين والخبراء وصياغة المقترحات الوجيهة التي من شانها تعزيز الحقل والتعاطي مع مختلف مصاعبه.
سلمت اللجنة تقريرها وتعكف الحكومة حاليا على صياغته في قوانين ولوائح تنظيمية وقد اثمرت نتائج اللجنة مقترحات متعددة لتحسين المداخل القانونية المهنية والاجتماعية للحقل.
وفي هذا السياق تمت مراجعة النصوص الناظمة بدء بالقانون المنشئ للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية نحو مزيد التمهين والتحيين والتمثيل بما يواكب متطلبات توسيع الحرية والتفعيل وتطلعات العاملين بالحقل.
وتضم ترسانة القوانين هذه قانون الصحفي المهني تكريسا للحرية والمهنية ومراجعة الدعم العمومي للصحافة الخاصة رفعا لمكانته وتوسيعا لدائرة تدخلاته ومدخلاته فضلا عن اصدار مراسيم البطاقة الصحفية والخدمة الالكترونية.
وقد واكبت السلطة العليا هذا التحول في مساراته تصورا وتنفيذا وهي جزء من قاطرة الاصلاح سواء في بعدها الاستشاري او في انعكاس الاصلاحات على الهيئة ذاتها. وتسهر السلطة العليا على التمكين للإصلاح بما يخدم توسيع دائرة الحريات الاعلامية وتامين وتطوير المحتوى الإعلامي وتامين انبثاق صحافة نوعية متعددة ومهنية تكرس حق المواطن في إعلام متعدد ونوعي.
وفي هذا السياق تسهر السلطة العليا على الاضطلاع بمسؤوليتي الضبط والتطوير عبر تكريس المناخ الضامن للحريات والمكرس للواجبات المهنية.
وترتيبا عليه بادرت السلطة العليا بتفعيل التكوين الإعلامي والاهتمام بانسيابية الأخبار والعمل على تأمين نفاذ مختلف الفاعلين لوسائل الإعلام وتكريس الذاتية الثقافية للبلد بما تفرضه من انسجام مثر وثراء متنوع.
كما قامت بتحقيقات نوعية حول التعددية وحول المشهد الاعلامي وحول حضور النوع والشباب والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة بالمخرجات الإعلامية فضلا عن إطلاق لقاءات تشاورية موسعة مع الفاعلين الذين لا يقتصرون على الصحافة وإ نما كذلك الفرق البرلمانية وممثلي المجتمع المدني.
و عملت السلطة العليا على التمكين للتكوين الإعلامي المنتظم حول مختلف القضايا المهنية ورعاية جوائز التميز الصحفي بمختلف اللغات الوطنية وتعزيز تكوين الصحفيين العاملين باللغات الوطنية.
كما عملت على تفعيل الضبط وترقية المحتوى الاعلامي بالجمع بين متطلبات التكوين ومقتضيات الضبط.
وشكل الإعلام الرقمي ببلادنا عتبة متطورة تؤشر للسعي الدؤوب لتنويع العرض في المشهد الإعلامي وبقدر ما كان الظهور المتزايد لهذه المواقع والمنصات يشي بالمزيد من دمقرطة المعلومة وتنويع العرض وتوسيع البدائل امام المستهلك فإنه يطرح تحديات كبيرة لهيئات الضبط والقائمين على هذه الوسائط وهي تحديات ضبطية بالنسبة للسلطة العليا وتكوينية بالنسبة للمنصات من حيث تحقيق التناغم المطلوب بين متطلبات توسيع تجليات الحرية ومقتضيات الحيلولة دون تحول الأبعاد الآنية والتشويقية والتفاعلية الى مزالق للمساس بالمهنية، وهو ما تطلب عمل السلطة العليا علي ثلاث جبهات هي الضبط والتكوين والمتابعة.
وسمحت تحقيقات السلطة العليا بكشف منسوب الحرية وجرد التحديات التي يواجهها المشهد الإعلامي من مكاسب في الحرية والانطلاق والتجذر ومصاعب يرجع اغلبها إلي تجفيف مصادر الإعلانات وعدم انتظام سوق الاشهارات التي تشكل عصب الاستمرار وما يترتب عليها من تناقص في الانتاجية ونزيف للموارد البشرية وتأسيس للبيئة الطاردة.
كما ان الوضعية القانونية الهشة للعاملين بالحقل تمثل إحدى أكبر الإشكالات التي تحول دون توطيد مؤسسية المقاولات الصحفية العمومية والخاصة والنتائج التي كشف عنها تحقيق المشهد الاعلامي الذي اجرته السلطة العليا تبدو صادمة اذ ان نسبة 62% من العاملين بمؤسسات الإعلام العمومي بدون عقود دائمة وانعكاسات ذلك لها تأثير كبير علي الأبعاد المؤسسية القانونية والمهنية.
نعول على الإصلاحات المقام بها حاليا في التعاطي مع هذه الوضعيات لتدعيم القطاع بعدما أطلقت السلطات التنفيذية دراسات للوقوف على هذه الإشكالات وايجاد الاليات الكفيلة بحلها سواء بتشخيص الحلول القانونية او اقتراح تأسيس نظام مندمج للدعم او دعم لتصالح المؤسسات العمومية مع اكمال مسار الخدمة العمومية.
موقع الفكر: ما هي آفاق التشارك والتكامل بين الإعلام العمومي والخصوصي في بلورة الإصلاحات المبرمجة؟
الحسين مدو: صحيح أن للقطاعين العمومي والخصوصي أهدافهما، الأول في عموميته التي يتعين ان تتكرس ،والثاني في تعدديته التي يجب ان تتعزز لكنهما يتقاطعان في متطلبات التمهين والترقية ويتمايزان في القصد وفي التحديات التي تواجه كلا منهما.
ورغم الخطوات المنجزة لم يكمل الإعلام العمومي بعد التصالح مع المتطلبات الكاملة للخدمة العمومية سواء بفعل غياب اكمال الترسانة القانونية الناظمة أو صعوبات تكريس الخدمة العمومية والتخفيف من النبرة السلطوية لصالح الانفتاح علي المجتمع وذلك علي الرغم من التقدم المسجل في مجال النفاذ وتكريس إعلام القرب والمؤشرات المبشرة بإكمال مسار تصالحه مع متطلبات الخدمة العمومية عبر استكمال إصدار ترسانة القوانين الناظمة بما فيها توقيع دفاتر الشروط وبرامج العقود والالتزامات والترخيص للقنوات الجمعوية وكلها محطات يجري العمل حاليا بالتنسيق بين السلطة ووزارة الثقافة علي إكمالها.
وفي الإعلام الخاص نحن أمام تعددية مشهودة ولكنها ضعيفة تضمن التعدد ولا تؤمن حقا نوعية العرض وتتهددها مخاطر الهشاشة الاقتصادية بالانزلاق الى مهاوي المخاطر المهنية والتسرب الدائم الذي يحول دون تراكم الخبرات بالحقل ويؤذن بتسرب دائم للكفاءات خارجه في ظل السياقات الاقتصادية غير المحفزة للمهنة.
موقع الفكر: هناك انتقائية في التعاطي الرسمي مع الإعلام وخصوصا فيما يتعلق برحلات الرئيس وكذا الدعم القطاعي و في الإعلانات والإشهار، فكل قطاع يعمل " سرية" مع بعض المعارف فيتحفهم بمخصصات القطاع الموجهة للدعاية والإعلان؟.
الحسين مدو: نحن في السلطة العليا حريصون على أن يكون التنافس شريفا ومهنيا بين وسائل الإعلام ووفق الضوابط القانونية ويجب أن تكون المسؤولية في ذلك تشاركية، وذلك بالتشاور مع السلطات بما يضمن شراكة نوعية تؤمن حضور واشراك الصحافة في كل شأن عام.
وأعتقد في البدء ان من الانصاف الاعتراف بان اشراك الصحفيين في زيارات رئيس الجمهورية حسنة يتعين تثمينها للمعنيين بالملف في رئاسة الجمهورية عبر حرصهم على إشراك الصحافة في مواكبة الشأن العام وتنويرالمواطنين ، لكن من الضروري أن تمكن مرافقة الصحفيين لرئيس الجمهورية المواطن من الحصول على المعلومة، أما آلية الاختيار فبإمكان الصحفيين اقتراح أي وسيلة أو آلية للاختيار والتناوب في مرافقة رئيس الجمهورية برحلاته الخارجية، واعتقد ان الجهات المعنية بالرئاسة برهنت من خلال إشراك الصحفيين أنها منفتحة ومستعدة للتفاعل الإيجابي مع أية مقاربة يتم اقتراحها ومن شأنها المزيد من التحسين في تأمين المشاركة الفاعلة والتمثييلية المنصفة والناجعة للإعلامين خلال زيارات رئيس الجمهورية.
أما بالنسبة للإعلانات، فنحن بالفعل أمام شغل متراكم بالنسبة للإعلاميين الخصوصيين الذين يشكون دائما من توجيه أغلب المديرين للإعلانات إلى وسائل الإعلام العمومي، واعتقد أنه من المهم العمل علي وضع آلية تضمن التناصف في توزيع الإعلانات بين الإعلام العمومي والخصوصي، وسيكون لصندوق الإشهار دور كبير مستقبليا في حجم الإعلانات العمومية، وآلية توزيعها، و ما زلنا محتاجين إلى وضع معايير عادلة منصفة تضمن الاستفادة للمعلن ولوسائل الإعلام الخصوصية والعمومية على حد سواء، لاسيما بالنسبة للإعلانات العمومية، أما الخصوصية فإن حضوراليد الخفية أوالطبعة الليبرالية من شأنه أن يخلق آلية أنسب تجعل المعلنيين يتجهون تلقائيا إلى الوسيلة الأكثر مقروئية ومشاهدة تأمينا للانتشار الواسع لإعلاناتهم، واعتقد أيضا أن المسح السنوي الذي تقوم به السلطة العليا بما يحمله من توصيف وتصنيف للمؤسسات، يشكل أحد المعايير الهامة التي يمكن الاعمتاد عليها لتأمين التوزيع المنصف للإعلانات في القطاعين العمومي والخصوصي.
موقع الفكر: هل أنتم راضون عن المحتوى المقدم في الإعلام الرسمي وهل يواكب حجم الوسائل المتاحة لهذه المؤسسات؟.
الحسين مدو: لا أريد حصر نفسي في الإجابة بالإثبات أو النفي، او تبني مقاربة إطلاقية في هذا الصدد، فللإعلام العمومي مكاسبه التي يحققها، وله مصاعبه التي يواجهها، لقد شهدنا تعزيزا لاعلام القرب بهذه المؤسسات من خلال افتاح اغلبها لفروع بالداخل، مما دفع لتحويل الوجبة الإعلامية إلى تنوع جغرافي مشهود واتاحة الفرصة لسكان الداخل ليتحولوا إلي فاعلين بل متفاعلين بدل مستقبلين متسمرين، و مع ذلك فالإعلام العمومي يحتاج دائما إلى تعزيز مصالحته مع المتطلبات القانونية التي تؤسس لعمله، عبر استصدار برامج العقود ودفاتر الالتزامات وتعزيز الخدمة العمومية وتجاوز البعد السلطوي لصالح الحضورالمجتمعي تصالحامع متطلبات الخدمة العمومية ونحن نقوم بين الحين والآخر بتحقيقات تراقب توجه ومستويات السير من خصوصية الإعلام الرسمي إلى مهنية الإعلام العمومي وفقا لمتقضيات القانون 045/2010، باعتبار هذه المؤسسات مؤسسات خدمية عمومية.
وبالتنسيق مع وزارة الثقافة يجري الإعداد لتوقيع هذه العقود بين مؤسسات الإعلام العمومي ووزارة الثقافة ودفاترالإلتزامات مع السلطة العليا.
موقع الفكر: كيف نفهم ازدواجية التبعية والوصاية على وسائل الإعلام العمومية بينكم وبين السلطة المتفردة للدولة؟
الحسين مدو: وسائل الإعلام بجميع مخرجاتها تخضع للسلطة العليا كسلطة ضبط وتنظيم وكرقابة بعدية للمخرجات الإعلامية، أالوصاية الإدارية فهي من اختصاص السلطة التنفيذية
والسلطة، كأي سلطة تنظيم ادارية مستقلة رسمية في العالم تتنازل لها الدولة عن جزء من الصلاحيات لضبط قطاعات معينة اما لحيوية هذه القطاعات او لتنافسيتها، و بها شركاء متشاكسون تحرض على الادارة المختلفة أو ان تدبير هذه القطاعات بالطرق الإدارية الأرتودوكسية لم يعد الوسيلة الأنسب لتأمين النجاعة في الأداء.
وهذا الضبط لا يعني فقط التضييق والردع، ولكنه حماية وتعزيز للحريات وللمهنية، وللحيلولة دون أن تهدد ممارسة الحريات مكاسب الحرية من حيث المبدأ، ووجود سلطات الضبط التنظمية مكسب ديمقراطي متقدم يخدم الحكامة الراشدة ويستهدف الإصلاح وتعزيز الحريات والتمهين وتكريس التعددية.
موقع الفكر: مالسبب في عدم نشر محاضر بتوزيعات صندوق دعم الصحافة؟
د. الحسين مدو: توزيعات صندوق الدعم كما تعلمون تشرف عليها لجنة مستقلة يرأسها ممثل الهابا وبعضوية ممثلي الهييات والتجمعات الصحفية وو زارة الثقافة ووزارة المالية، القانون يلزمها بإنجاز هذه التقارير وتقديمها في ثلاث نسخ موجهة إلى وزير الثقافة و وزير المالية، و رئيس السلطة العليا.
التقارير بهذا المعنى منشورة في إطارها الإداري والمؤسسي، ولا مانع من نشرها للعموم إذا توفر مطالبون بذلك من الإعلاميين الذين يشكلون الجزء الأهم من مكونات لجنة صندوق الدعم العمومي الصحافة، وهم الذين يقرون التوزيعات ويشرفون على توزيعها.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
. الحسين مدو: تشهد بلادنا إطلاق حزمة إصلاحات للحقل الإعلامي تكرس توسيع فضاء الحريات وتسريع وتيرة التمكين والتمهين وزيادة الدعم العمومي، وتوسيع حيز الضبط وتحيين الأطر القانونية والمؤسسية الناظمة للإصلاح والتطوير.
إن مرحلة التحول التي يعيشها المشهد الاعلامي الحالي ببلادنا بما تحمله من توسيع لفضاء الحريات الإعلامية وتمهين للمخرجات وتحسين للمداخل الاجتماعية للصحفيين وفق مسار تشاوري مع الصحفيين ولفائدتهم، ستمثل نقلة نوعية في مجال الممارسة الإعلامية بموريتانيا، ندعو الصحفيين لتملكها في يومياتهم واعمالهم أخلاقيات وحريات ومسؤوليات.
والسلام.