ملاحظات علي قانون النوع في نسخته الجديدة ٢٠٢٣
القاضي: سيدمحمد ولد باب
٢٥. ٩. ٢٠٢٣
بسم الله الرحمن الرحيم 'والصلاة والسلام علي النبي الكريم 'وبعد : فقد قرأت مسودة مشروع قانون النوع النسخة الجديدة ٢٠٢٣'
فتبين لي أن فيه أمورا يفهم منها تجريم أمور جعلها الشارع مباحة بل إن بعضها مندوب أو واجب ' فمثلا ضرب الأبناء والبنات تأديبا ورد الامر به في حديث متفق عليه :مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر .
' وكذلك تجريم القوامة علي العيال من زوجة وبنات 'وقد قال تعالي : الرجال قوامون علي النساء .
وقال : يـأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة.. {التحريم:6}.
قال القرطبي رحمه الله: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله: يأمرهم وينهاهم. وقال بعض العلماء لما قال: قوا أنفسكم.. دخل فيه الأولاد، لأن الولد بعض منه، كما دخل في قوله تعالى: ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم. فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام.
وقد تضمن هذا القانون مواد تهدف إلي إطلاق العنان للمراهقين والمراهقات في المجون: السهر السفرو عدم المساءلة ؛ كما نص هذا القانون صراحة علي تجريم زواج القاصرات ؛ ورتب علي ذلك عقوبة الحبس بستة أشهر إلي سنة :مع أن القرءان أباحه في غير ماءاية ' قال تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [ سورة النور 32] فالايامي جمع أيم وهي :من لازوج لهاصغيرةكانت اوكبيرةلان الجمع المُعَرَّف با لألف واللام
من صيغ العموم قال في المراقي عادا صيغ العموم :
متي وقيل لاوبعض قيدا
ومامعرفابال قد وجدا
وقال تعالى { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فالمرأة التي لم تبلغ فترة الحيض لصغرها شرع الله لها عدة ثلاثة أشهر، و الطلاق لا يقع إلا بعد وقوع الزواج، ففي هذاإشارةالي جواز زواج الصغيرة، وهذايسمي دلالةالاشارة عندالاصوليين قال في المراقي :
دلالةاللزوم مثل ذات
اشارة كذاا لايماءات
فاول اشارةاللفظ لما
لم يكن القصدله قد علما
ثم إن النصوص الكثيرةمن القرءان والسنة و أقوال الفقهاء دلت علي جوازتزويج اليتيمة ،ولايتم بعدبلوغ كما هومعلوم ،وقد وردت أحاديث دالة علي الامربتعجيل
النكاح مطلقا، فعن علي ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ياعلي ثلاث لاتؤخرهاالصلاة إذاءانت والجنازة إذاحضرت والايم إذاوجدت لهاكفؤا.رواه الترمذي وحسنه الالباني في المشكاة ١ص١٩٢وفي الحديث: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإلاتفعلوا تكن فتنة في الارض وفسادكبير.صححه الالباني في صحيح سنن الترمذي ١ص٣١٥ ومعلوم ان الامرللوجوب مالم تدل قرينة علي العكس قال في المراقي :
وافعل لدي الاكثر للوجوب
وقيل للندب اوالمطلوب
ثم إنه من المعروف لدي المحدثين واهل السيرزواج النبي عليه السلام من عايشةوهي بنت سبع ودخوله بهاوهي بنت تسع ،ومعلوم عندالاصوليين أن الانبياءلايفعلون مباحاللتفكه بل يفعلونه تشريعا لأممهم قال في المراقي:
والانبياءعصمواممانهوا
عنه ولم يكن لهم تفكه
بجائزبل ذاك للتشريع
أونيةالزلفي من الرفيع
فإن قال معترض الزواج مباح وتقييدالمباح أمريجوزلولي الامر قياساعلي جوازتقييده لأي مباح ،فنقول :سبق الا مرالنبوي بتعجيل الزواج مطلقا كماذكرنا ،وهذاقياس فاسد يسمي عندالاصوليين بفاسدالاعتبارلمخالفته للنص الشرعي الامر بتعجيل زواج الايم إذاوجدت كفؤا قال في المراقي :
والخلف للنص والاجماع دعي
فسادالاعتباركل من وعي
ثم إن النكاح ليس مباحاعلي الاطلاق بل يجب ويندب ويكره ويباح فتعتريه الاحكام،وقد فصل الفقهاءذلك تفصيلا،فمن تخاف الزني علي نفسهاولم تبلغ السن المحددةووجدت كفؤافمنعهاليس منعا من مباح انماهومنع من واجب كمالايخفي ؛ولاطاعةلمخلوق في معصيةالخالق كمافي الحديث ،فالاولي تقييدالزواج بالنضج والرضاومنع الجبراعتماداعلي مذهب الاحناف ،ومنع الاولياء من استغلال مركزهم وفتح المجال لمنظمات المجتمع المدني لمؤازرةالفتيات اللاتي منعهن ذوهن من الزواج لأغراض شخصية غيرشرعيةخاصة،أوزوجن كذلك لاغراض غيرشرعية كماهوموجود ،فكلاهمامذموم فالأول: عضل نهي الله عنه في كتابه ،والثاني :ظلم وتعدلحدودالله نهي الله عنه ،فالولايةمسؤلية شرعية تقتضي مراعاةمصلحةالمولي عليه .
كما جرم هذاالقانون ضرب الزوجة مطلقا 'ولم يقيد ذلك بالقيود الشرعية قال تعالي : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) [النساء :34]. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نساءكم حقا ولنسائكم عليكم حقا ... الحديث) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وخرج الإمام أبوداود في سننه من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
مع أن الترتيب بين الثلاثة المذكورة في الاية واجب عند جمهور الفقهاء ، فلا يجوز أن ينتقل إلى الهجر إلاّ إذا لم ينفع الوعظ ، قال خليل : ووعظ من نشزت ثم هجرها ثم ضربها إن ظن إفادته . قال في المغني " لابن قدامة : في الآية إضمار تقديره : واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ ، فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهنّ .
وليس معني هذاالدعوة لضرب النساء بل الاكمل ترك الضرب مطلقا '
لأن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل هدي ، فلم يضرب في حياته كلها صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه رضي الله عنهن .
ففي الصحيح : عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قالت : ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ ، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عز وجل .
رواه مسلم ( 2328 ) .
قال النووي - رحمه الله - :شرح مسلم " ( 15 / 84
فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحاً للأدب : فتركه أفضل .
بل قد أخبر صلى الله عليه وسلم أن ترك ضرب النساء هو فعل الخيار من الناس .وأن فعله ليس فعل الخيار '
فعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ) فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ ) .
رواه أبو داود ( 2146 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
ذئِرنَ : أي : نشزْن وساءت أخلاقهن .
قال في " عون المعبود " ( 6 / 130 ) :
بل خياركم من لا يضربهن ، ويتحمَّل عنهن ، أو يؤدبهن ولا يضربهن ضرباً شديداً يؤدي إلى شكايتهن.
فعلي هذا كان الأولي ألايقبح الضرب ويعتبر جريمة بإطلاق بل يقيد بالضوابط الشرعية 'وينبغي للمجتمع الذي اتخذ عاداته دينا له ومنهجا أن يحترم عادات الشعوب الاخري التي لها عادات هي أقرب إلي الاسلام من عاداتنا التي ماجنينا منها إلا الخراب والدمار 'فلن يفلح قوم ولوا أمرهم أمرأه.
ومن الملاحظات عليه: أنه جرم الخفاض مع أن علماء المسلمين متفقون علي مشروعيته ' فقد ورد عنه صلي الله عليه
وسلم أنه أرشد امرأة كانت تختن بالمدينة ، إلى صفة الختان المحمودة ، وهي الصفة التي ليس فيها إضرار بالمرأة بل فيها تعديل لشهوتها 'ونهي عن الخفاض الفرعوني الذي كان ينبغي للقانون تجريمه فقط ' روى أبو داود (5271) والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الشعب عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ ) .
وفي رواية : ( أشِِمِّي ولا تنهكي ) . والإشمام : أخذ اليسير في الختان ، والنهك : المبالغة في القطع
والحديث مختلف في صحته طبعا لكن ختان النساء يدل عليه عموم الأدلة الواردة في الختان ، كما في البخاري (5891) ومسلم (257)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الآبَاطِ ) ، وهذا عام في حق الرجال والنساء ، إلا ما كان من خصائص الرجال ، كالشارب .
وفي صحيح مسلم (349) من حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ) .
وفي رواية الترمذي (109) وغيره : ( إذا التقى الختانان .. )
وترجم عليه البخاري في صحيحه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : الْمُرَاد بِهَذِهِ التَّثْنِيَةِ خِتَان الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ .
قال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق :
" ومن هنا : اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره ، وأنه أمر محمود ، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا ـ قول بمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى ، إذا هو تم على الوجه الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً . . . "
ثم قال :
" وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات ـ موضوع البحث ـ من فطرة الإسلام ، وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره ، ولو كان طبيباً ، لأن الطب علم ، والعلم متطور ، تتحرك نظرياته دائماً " انتهى باختصار .
وفي فتوى للشيخ عطية صقر -الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر- يقول :
" وبعد ، فإن الصيحات التي تنادى بحُرمة ختان البنات صيحات مخالفة للشريعة ؛ لأنه لم يرد نص صريح في القرآن والسنة ولا قول للفقهاء بحرمته فختانهن دائر بين الوجوب والندب ، وإذا كانت القاعدة الفقهية تقول : حكم الحاكم برفع الخلاف فإنه في هذه المسألة له أن يحكم بالوجوب أو الندب ، ولا يصح أن يحكم بالحرمة ، حتى لا يخالف الشريعة التي هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد التي ينص دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة . ومن الجائز أن يشرِّع تحفُّظاتٍ لحسن أداء الواجب والمندوب بحيث لا تتعارض مع المقرَّرات الدينية .
وكلام الأطباء وغيرهم ليس قطعيًّا ، فما زالت الكشوف العلمية مفتَّحة الأبواب تتنفس كل يوم عن جديد يُغير نظرتنا إلى القديم " انتهى بتصرف يسير .
وجاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية (6/1986) : " ومن هذا يتبين مشروعية ختان الأنثى ، وأنه من محاسن الفطرة وله أثر محمود في السير بها إلى الاعتدال , وأما آراء الأطباء عن مضار ختان الأنثى فإنها آراء فردية لا تستند إلى أساس علمي متفق عليه , ولم تصبح نظرية علمية مقررة , وهم معترفون بأن نسبة الإصابة بالسرطان في المختتنين من الرجال أقل منها في غير المختتنين ، وبعض هؤلاء الأطباء يرمي بصراحة إلى أن يعهد بعملية الختان إلى الأطباء دون النساء الجاهلات , حتى تكون العملية سليمة مأمونة العواقب الصحية , على أن النظريات الطبية في الأمراض وطرق علاجها ليست مستقرة ولا ثابتة , بل تتغير مع الزمن واستمرار البحث , فلا يصح الاستناد إليها في استنكار الختان الذي رأي الشارع الحكيم الخبير العليم حكمته وتقويماً للفطرة الإنسانية , وقد علمتنا التجارب أن الحوادث على طول الزمن تُظهر لنا ما قد يخفى علينا من حكمة الشارع فيما شرعه لنا من أحكام , وهدانا إليه من سنن , والله يوفقنا جميعاً إلى سبل الرشاد " انتهى
والله تعالي أعلم .
القاضي :سيدمحمد ولد محمد باب