توضيح نقاط حول الحاكمية  القاضي : سيدمحمد ولدمحمد الامين باب 

أحد, 10/15/2023 - 11:35

بسم الله الرحمن الرحيم ' والصلاةوالسلام علي النبي الكريم ' وبعد : فقد أثارت مداخلتي بالأمس 
 حول الحاكمية في الملتقي المنظم اليوم من طرف نادي القضاة بالشراكة مع نقابة المحامين  'حول وثيقة تطوير العدالة بعض التساؤلات والملاحظات 'فكان لزاما علي أن أبين النقاط التالية : 
الاولي : توحيد الحاكمية يقصد به  إفراد الله سبحانه  وحده بالحكم والتشريع فلا يُشرك  معه في حكمه أحد من خلقه، ورفض ما خالف  حكمه جل وعلا من تشريعات وضعية جاهلية  قال الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ وقوله تعالي: ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ وقوله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ وقوله: ﴿وَلَا يُشْرِك فِي حُكْمه أَحَدًا﴾ وقوله ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ وقوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ وقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ وقال: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ وقوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وقوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾.

 والله جل وعلا في كتابه  وصف المشرع من دونه بأنه ندٌّ وشريك له؛ كما قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾، وقال تعالى: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾
وعن عدي بن حاتمٍ قال: أتيت النبي ﷺ، وفي عُنقي صليبٌ من ذهبٍ، قال: فسمعته يقول:﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 31]"، قال: قلت: يا رسول الله، إنهم لم يكونوا يعبدونهم، قال: ((أجل، ولكن يحلُّون لهم ما حرم الله، فيستحلونه، ويحرِّمون عليهم ما أحَلَّ الله، فيحرِّمونه؛ فتلك عبادتهم لهم)).

وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم...) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...) الآية ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.
ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) .

النقطة الثانية : ينبغي للناس أن يفهموا أن الحاكمية لا يدخل فيها فهم الفقهاء واجتهاداتهم في زمانهم 'ولاتدخل فيها  الشؤون التنظيمية والإدارية التي تدخل ضمن تنظيم حياة الناس 'فتلك أمور تدخل في إطار حديث : أنتم أعلم بأمور دنياكم .
و لاتدخل ضمنها  المصالح المرسلة 'قال في المراقي :
والوصف حيث الاعتبار منه يجهل 
فهو الاعتبار قل والمرسل 
نقبله لعمل الصحابة 
كالنقط للمصحف والكتابة 
تولية الصديق الفاروق 
وهدم جا رمسجد للضيق 
   وعمل السكة تجديد الندا 
والسجن تدوين الدواوين بدا

وكذلك المسائل المختلف فيها ولم يوجد فيها نص قطعي الدلالة قطعي الورود لا مانع أن نأخذ بأي قول منها ولاتدخل في مسألة الحاكمية . 
النقطة الثالثة : يعتقد البعض أن توحيد الحاكمية مصطلح خارجي رفعه الخوارج يوم صفين حين قالوا لعلي رضي الله عنه لاحكم إلا لله 'ويعتقد البعض أن سيد قطب والمودودي هما من أسسسا له وذلك خطأ ' فقد تكلم به قبلهما علماء كثر 'مع أنه لم يكن مطروحا بإلحاح كمافي زماننا الذي قننت فيه قوانين الغرب ' فأول قانون وضعي في تاريخ المسلمين هو الياسق الذي وضعه جنكيز خان حين احتل التتا ر بعض بلاد المسلمين 'وقد أفتي ابن كثير بتكفير كل من يتحاكم إليه 'قال ابن كثير رحمه الله : ""البداية والنهاية" (13/139)
 فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين "  
و (الياسق) هي :قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها . 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " "مجموع الفتاوى" (3/267
والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء " .

 
وقال ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية» (5 / 130): «ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافرٌ، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلًا من غير اتباعٍ لما أنزل الله فهو كافرٌ؛ فإنه ما من أمةٍ إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دِينها ما رآه أكابرهم... فهؤلاء إذا عرَفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله - فهم كفارٌ»

وقال ابن أبي العزّ الحنفي [ في شرح الطحاويّة، ص: 200 ] في معرِض ذِكرِ ما يجب على الأمّة تجاه نبيّها ﷺ: «فنوحّده بالتحكيم و التسليم و الانقياد و الإذعان ، كما نوحّد المرسِلَ بالعبادة و الخضوع و الذلّ و الإنابة و التوكّل ، فهما توحيدان ، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما : توحيد المرِسل ، و توحيد متابعة الرسول ، فلا نحاكم إلى غيره ، و لا نرضى بحُكم غيره»

وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" (7 / 150) عند قوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]: "ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن ما اختَلَف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده لا إلى غيره، جاء موضَّحًا في آيات كثيرة؛ فالإشراك بالله في حُكمه كالإشراك به في عبادته؛ قال في حُكمه: ﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامر من السبعة: (وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)، وقال في الإشراك به في عبادته: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، فالأمرانِ سواءٌ، وبذلك تعلَم أن الحلال ما أحَلَّه الله، وأن الحرام ما حرَّمه الله، والدِّين هو ما شرعه الله؛ فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله، أو خير منه - كفرٌ بواحٌ لا نزاع فيه، وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفرٌ به.
وقال الشيخ الشنقيطي في الاضواء :وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور:
 ان الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على السنة اوليايه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على السنة رسله صلى الله عليهم وسلم، انه لا يشك في كفرهم وشركهم الا من طمس الله بصيرته، واعماه عن نور الوحي مثلهم.
   كدعوى ان تفضيل الذكر على الانثى في الميراث ليس بانصاف، وانهما يلزم استواوهما في الميراث.
 وكدعوى ان تعدد الزوجات ظلم، وأ ن الطلاق ظلم للمراة، وأن الرجم والقطع ونحوهما اعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالانسان، ونحو ذلك.
 فتحكيم هذا النوع من النظام في انفس المجتمع واموالهم واعراضهم وانسابهم وعقولهم واديانهم كفر بخالق السماوات والارض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلايق كلها وهو اعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن ان يكون معه مشرع اخر علوا كبيرا:
النقطة الرابعة : نطلب من رئيس الجمهورية الذي صرح بأن موريتانيا لن تشرع مايخالف شرع الله   مراجعة بعض المواد التي تخالف الشرع مثل اعتبار كل من لم يبلغ سن ١٨ سنة قاصرا دون اعتبار بقية العلامات المجمع عليها مثل الحيض والاحتلام 
   '
وهو: خروج المني من الرجل والمرأة، في يقظة، أو منام، قال تعالى: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم [النور:59].وفي الصحيحين :رفع القلم عن ثلاثة وذكرمنهم الصبي حتي يحتلم .

وكذلك الحيض؛ لحديث: لا يقبل الله صلاة حائض، إلا بخمار. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. والمراد بالحائض: البالغ، وسميت بذلك؛ لأنها بلغت سن المحيض.
وقد نقل غير واحد الإجماع علي هذا .

ولذلك  فهم البعض أن الزنا بالتراضي دون ١٨مباح في القانون الموريتاني 'حيث أن القانون يعتبر كل من دون السن ١٨قاصرا فلو جاءت امرأة  بولد من الزنا في سن ١٧مثلا  فيعاملها القانون علي أنها قاصر ' ويعتبرون أن هذا القانون الأخير أعني قانون الكرامة أظهر ذلك بجلاء 'حيث  جرم زواج من لم تبلغ سن ١٨ ولم يجرمها إذا زنت لأنها قاصر في نظر القانون '   
وكذلك نطلب  مراجعة القوانين التجارية ليلغي كل مايتعلق باستحلال الفوائد الربوية  'وتحديد الدية تحديدا دقيقا' بحيث لاتترك فرصة لما يفهمه البعض من أن التعويض المقرر لضحايا حوادث السير هو الدية ' وغير ذلك .

 والله تعالي أعلم .
القاضي :سيدمحمد ولد محمد الامين باب ١٥.  ١٠. ٢٠٢٣.