غدا، يستقبلك أبناءُ مقاطعة المذرذره في "همزتهم": عاصمة منطقة انوَلَلاَنْ.. كنا، في أمازيغيتنا الأولى، ندعوها "تكنْتْ": أي الهمزة. وبما أن الألِف أول الأحرف وأقدسها، اخترنا لك، أو اختارت لك الصدف أن تَقِيل في ألِف مقاطعتنا تكريما لك على مقدمك الميمون.
لا تكثر الاستماع، فكلام أهلنا مرموز، ونظرهم مغموز، وتاريخهم مع المنطق و"علم الكلام" بدأ مع دمان وديمان، وازدهر مع غديجة وانضاته. إنه طويل وعريض. فقط، ابتسمْ، وتظاهر بأنك فهمتَ، حتى ولو لم تفهم!.. إذا امتلأتْ أذُناك، فاغسلهما بما بين السطور، وتململ في جلستك.. كُلْ أو اشرب لقمة أو رشفة واحدة من العيش. لا تستزد، فالشبع في ثقافتنا مذمّة.. حاول أن تخرج من "معركة العيش" بأقل الخسائر. اهدأ قليلا. إن عليك أن تهدأ لتسمع منهم "كلمات ما لهن حروف". سيخربشون بها لتصل مسامعك مبهمةً، غامضة، ملتبسة. وإنّ عليك أن تبذل جهدا لفك طلاسمها. لا عليك!.. سأساعدك: إنهم أهل البديع والبيان، أمنياتهم تورية ومطالبهم تضمين. ابحثْ عن مضامين شعاراتهم في غير اللافتات المرفوعة أمام الخيام. فالحقيقة أنهم إنما يقولون لك إن أرضهم عرفت القوة العادلة والعدالة القوية مع ابّي ولد اعلي خملش، وعرفت القضاء المنصف مع امّيَيْ، وعرفت الزهد مع محنض بابه ولد امّيْنْ، وعرفت العلم والعمل مع الحسن ولد أحمدُ الخديم.. وبالتالي فإن "همزتنا"، باسم كل شبر في بلاد السيبة، تريد أن تقول: إن الأمل يحدونا في أن تخلّف لموريتانيا، بعد رحيلك متى كان، قوةً عادلة وعدالة قوية، وقضاءً منصفا، وزهدا في المال العام، وتعليما يتمخض عن علم وعمل..
حاول إذن أن تبتعد عن قراءة الشعارات، فهي ليست أكثر من عملية نسخ ولصق، تعيد نفسها في دوامة موريتانية لا تنتهي. لا تكترث بها، بل اقرأ ما يخفيه مدادها من مطالب أبعد، وتمنيات أعمق، وأحلام أجمل.