موريتانيا والقرار الأميركي: تقييم سياسي وتداعيات استراتيجية/ بقلم الدكتور يوسف حرمة بابانا

أربعاء, 12/17/2025 - 08:08

أثار قرار الإدارة الأميركية إدراج موريتانيا ضمن قائمة الدول الخاضعة لقيود الدخول، بموجب الإعلان الرئاسي للرئيس دونالد ترامب، دهشة واسعة لدى الشعب والمؤسسات الموريتانية. جاء هذا القرار ليقلب الديناميكية الإيجابية التي لمسناها بعد نشاط السفارة الأميركية في نواكشوط، حيث كان هناك تفاؤل بتعزيز التعاون والتفاهم بين البلدين. ولكن المفاجأة كانت صادمة، وأضعفت التفاؤل، وطرحت أسئلة جوهرية عن دوافع القرار وحدوده السياسية.

تاريخيًا، حافظت موريتانيا على علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة منذ استقلالها في الستينات. وامتدت هذه العلاقات لتشمل الأمن ومكافحة الإرهاب والتعليم والمساعدات التنموية. حرصت واشنطن على تعزيز حضورها الدبلوماسي في نواكشوط، بينما لعبت موريتانيا دورًا إقليميًا مهمًا في استقرار الساحل الإفريقي. هذا التاريخ يجعل القرار الأخير استثنائيًا وغير مسبوق، ويطرح تساؤلات حول سبب الانحراف عن مسار العلاقات التقليدية.

تُبرّر واشنطن القرار ببيانات تقنية تتعلق بتجاوز بعض المواطنين الموريتانيين مدة الإقامة لتأشيرات B-1/B-2، وصعوبة إجراء التدقيق الأمني في بعض المناطق. لكن هذه الحجج، رغم طابعها القانوني، تبقى انتقائية وغير كافية لتفسير إدراج موريتانيا، خاصة مع وجود دول أخرى تواجه تحديات مشابهة دون إدراجها. يبدو أن القرار يحمل رسائل سياسية أكثر من كونه مجرد إجراء أمني، فهو أداة ضغط ضمن السياسة الداخلية الأميركية، يُستثمر فيها ملف الهجرة انتخابيًا ويستهدف الدول الأقل قدرة على المناورة.

ولا يمكن تجاهل السياق الإقليمي والشعبي؛ فقد عبّر الشعب الموريتاني بوضوح عن دعمه لغزة، وتمسكت الدولة بموقف سياسي وأخلاقي رافض للتطبيع مع إسرائيل، وهو موقف لا يتماشى دائمًا مع بعض التوجهات الأميركية. المفارقة أن القرار يُحرج الحكومة الموريتانية بدل أن يدعمها، في وقت تُطالب فيه دول الساحل بدور أكبر في محاربة الهجرة غير النظامية. وبدل تقديم دعم تقني أو أمني، يضع القرار موريتانيا في موقف صعب داخليًا وخارجيًا، ويضيف تبعات رمزية وإعلامية غير مبررة، رغم محدودية التبادل البشري بين البلدين.

موريتانيا ليست خصمًا مباشرًا للولايات المتحدة، لكنها لم تُصنّف ضمن دائرة “الأصدقاء الموثوق بهم”، ما يكشف أن العلاقة بين البلدين ليست تحالفًا استراتيجيًا كاملاً، لكنها ليست علاقة عداء أيضًا. الرد بالمثل ليس خيارًا عقلانيًا، نظرًا لعدم تكافؤ القوى وغياب مصلحة مباشرة في التصعيد. الخيار الأجدى هو تفكيك القرار سياسيًا وإعلاميًا، وطلب توضيحات رسمية، وتعزيز التعاون في مجالات الهجرة والأمن، مع الحفاظ على السيادة والندية.

إننا كشعب نطمح إلى الانفتاح على الولايات المتحدة بما يخدم المصالح المشتركة للشعوب، على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية، ويعزز التعاون دون قيود تعيق التواصل الطبيعي. ويترك هذا القرار في نفوسنا أثرًا بالغًا، لأننا نؤمن بالانفتاح على العالم. وإذا كانت واشنطن تقول لنا إننا لسنا مستعدين للانفتاح، فهذا يُعتبر تجنيًا على العلاقات الطيبة التي بُنيت عبر عقود. موريتانيا، التي أثبتت جدارتها في استقرار الساحل ومكافحة الإرهاب، ليست مطالبة بتقديم أوراق اعتماد إضافية، بل بإدارة علاقاتها الدولية بخطاب هادئ، سيادي، يرتكز على الاحترام المتبادل والندية الحقيقية.

فالعلاقات بين الشعوب لا تُبنى على القيود، بل على جسور الثقة والانفتاح. وهذه الجسور هي البوصلة الحقيقية لموريتانيا في مسارها الدبلوماسي، سواء مع الولايات المتحدة أو مع العالم أجمع.

بقلم: الدكتور يوسف حرمة بابانا – سياسي